يتطلّع السوريون بكثير من الأمل إلى المشاركة الفاعلة في جهود الحوار الوطني الذي تعتزم الإدارة الجديدة إطلاق مؤتمره الشامل والموسّع في دمشق، وقد أعطى قرار تأجيل انعقاده من مطلع ديسمبر، كما كان متوقّعا إلى منتصف فبراير القادم، مؤشّرات إضافية على حرص المسؤولين على الوصول إلى أفضل صيغ الحوكمة الممكنة في ظل تعقّد الشرط الموضوعي والذاتي السوري، وفي ضوء عوامل السياق الخارجي.
إذ يشكّل مؤتمر الحوار الوطني عمليا المرحلة التأسيسية لهيئات ومؤسسات الحكم التنفيذية والتشريعية في المرحلة الانتقالية والدائمة، أحاول في هذا المقال رسم تصوراتنا لطبيعة المهام السياسية والتشريعية والاقتصادية التي من المتوقّع أن يناقشها المؤتمر الوطني السوري العام المزمع عقده في أواسط شباط القادم.
1- على الصعيد السياسي
أعتقد أنّ النتيجة الرئيسية التي ستنبثق عن المؤتمر هي تشكيل حكومة” وحدة وطنية” انتقالية، واسعة التمثيل السياسي الشعبي والوطني، وتحظى بغطاء ودعم إقليمي ودولي
أن تسعى القيادة إلى قيام حوار ومشاركة شاملة بين السوريين، يجمّع مختلف الأطراف في الداخل السوري والخارج حول مصالح السوريين المشتركة، هو علامة واضحة الدلالة على أنّهم يسعون إلى تشكيل حكومة وطنية، تستند إلى مشروعية وقاعدة شعبية واسعة، وبما يشجّع القوى الدولية على دعم مسارات المرحلة الانتقالية.
يبدو لي أنّ تلك القوى الدولية ذاتها باتت مقتنعة أنّ المؤتمر هو مسألة سورية داخلية، ويرتبط بالحاجة لقيام حوار وطني شامل، وتوافقات بين السوريين، في إطار مسعى الإدارة الانتقالية لأن تستمد الحكومة المقبلة شرعيتها الدستورية من قاعدة شعبية واسعة، قدر الإمكان، وأنّ الولايات المتّحدة قد تدعم هذا الجهد بما يتوافق مع رؤيتها لمستقبل” الإدارة الذاتية” (١)، وقد نصل إلى نقطة يصبح عندها من المفيد أن تُعلن الأمم المتحدة دعمها الصريح لجهود الإدارة الانتقالية بشكل خاص، والسوريين عموما، على تحقيق ما يصبون إليه من تشكيل حكومة واسعة تشمل جميع الشرائح الاجتماعية في سوريا، وتشكّل عمليا” هيئة حكم انتقالية”.
2- على الصعيد التشريعي/ السياسي
إذا أخذنا بعين الاعتبار ما أكّد عليه رئيس الإدارة الانتقالية لتلفزيون “العربي”، أحمد الشرع، موضّحا أبرز سمات المرحلة الانتقالية، نتوقّع تشكيل لجنة خاصة لصياغة “إعلان دستوري- دستور مؤقّت”، خاص بالمرحلة الانتقالية، وإقراره، بعد حل البرلمان، وسيقوم بدور الرقابة على أعمال الحكومة؛ وقد يكون نتيجة لتعديل أحد الدساتير السابقة؛ علاوة على لجنة خاصة بصياغة دستور دائم يصلح لأطول مدة ممكنة.
قد يكون الدافع الرئيسي “للتريّث” هو ما تناقلته بعض المصادر عن وصول الحوار بين أحمد الشرع وزعيم” قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، برعاية أميركية / تركية إلى صفقة شاملة
“نحتاج إلى صياغة دستور، أو حل الدستور السابق، صياغة دستور جديد، أو تعديلات دستورية” فصياغة الدستور يجب أن لا يكون وجبات سريعة… يجب أن يُصاغ بعناية شديدة، وعليه رقابة، وينبغي أن يُستشار به خبراء قانونيون وشرعيون دوليون بحيث يكون دستور يصلح لأطول مدة ممكنة.
هذا مفرق تاريخي. الدستور يجب أن يكون ناظما لحياة المجتمع، بحيث لا تتكرر التجربة السابقة نفسها، وتذهب سوريا إلى ما ذهبت إليه خلال الستين عام الماضية”.
بكل الأحوال، لن يكون من مهمّة هذا المؤتمر تحديد موعد للانتخابات العامة، البرلمانية والرئاسية، بعد تصريح الشرع، الذي أشار فيه إلى أنّ إجراء الانتخابات قد يستغرق أربع سنوات، لأسباب تتعلّق بمشكلات داخلية، كعدم وجود تعداد حقيقي للسكان، في ظل ملايين المهجّرين والنازحين.
ومما جاء في مقابلة الشرع عن الانتخابات العامة الرئاسية قال: “هذا أمر آخر، البنية العامة التحتية للانتخابات متعذّرة جدا، بحاجة إلى بناء من جديد”.
وعن طبيعة هذا الدستور الدائم الموعود، يقول وزير العدل شادي الويسي: “نحن ننتظر الآن المؤتمر السوري العام الذي سيصدر عنه نتائج مهمّة جدا على مستوى التشريع القادم، وآليات عمل الدولة، والنظم التي تحكم الدولة”.
يتابع الويسي: “ستأخذ لجنة إعداد الدستور القادم ما كان يصبوا إليه الشعب السوري. دستور يشمل جميع السوريين بعنايته، من دون أن يكون هناك مواد، تفرض على الشعب السوري ما يخالف تطلّعاته وتوجّهاته القادمة”.
3 – على الصعيد الاقتصادي
لا بدّ أن تأخذ اللجان الخاصة بوضع القاعدة التشريعية للاقتصاد السوري الجديد بعض الملامح التي بدأت تتبلور خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقد تشكّل بعض سمات” النهج الاقتصادي الرأسمالي” الذي تعتزم الإدارة الجديدة تبنيه، ويأخذ طابع الاقتصاد الحر:
تنظيم وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وسياسات مالية ونقدية خاصة، ترتبط بدعم الدولة للقطاعات الرئيسية المرتبطة بالبنى التحتية، وتتوافق مع سياسات ربط الأجور بالأسعار، وسلّم الصادرات بآليات ضرائب مرنة، وتراعي حاجة السوق الاستهلاكية، إضافة إلى إعادة البنية القانونية الناظمة لمشاريع إعادة الإعمار.
“هناك كثير من الخراب في هذه الدولة التي حكمها النظام لأكثر من خمسين عاما، وخلّف دمارا.. كثير من الهدم والدمار. هناك انقسام مجتمعي وتهديم للبنية التحتية، تعليمية وبنية اقتصادية ومنشآت وزراعة إلخ.. وهناك نحن بحاجة إلى قوانين ناظمة تنظم العمل بما يتناسب مع تطلعات الشعب السوري في أن يكون بلد متقدم ومتطوّر”. “أحمد الشرع”- المصدر السابق.
أعلن وزير الخارجية السوري، السيد أحمد الشيباني، عن تريّث حكومته “بالمؤتمر الوطني لكي يتثنى تشكيل لجنة تحضيرية موسّعة، تستوعب التمثيل الشامل لسوريا، من كافة الشرائح والمحافظات، والتي ستكون الحجر الأساس في بناء الهوية السياسية لسوريا المستقبل”.
قد يكون الدافع الرئيسي “للتريّث” هو ما تناقلته بعض المصادر عن وصول الحوار بين أحمد الشرع وزعيم “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، برعاية أميركية / تركية إلى صفقة شاملة، تُتيح استيعاب أفراد وعناصر” قسد” في تشكيلات وزارة الدفاع الجديدة، وتسمح للقيادات السياسية في قسد ومسد المشاركة الفاعلة في لجان المؤتمر الوطني السوري، يمكن لنا أن نتوقّع حصول تغيّرات مهمّة في آليات عمله و طبيعة مخرجاته، بما يعزز عوامل توحيد سوريا، ودمقرطة نظامها السياسي.
ما جاء في خطاب نائب رئيس مجلس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية السابق السابق عبد الله الدردري في لقاء مع نخبة من رجال الأعمال السوريين في الإمارات العربية المتحدة، يُعطي مؤشّرات سياسية وقانونية واقتصادية بالغة الأهمية، قد تجد صدى واسعا داخل أروقة المؤتمر الوطني: “خلال زيارتي في دمشق، سأعرض حزمة من المشاريع التي تساعد على تلمّس كيفية التخطيط، ووضع الرؤية، وتلمس الطريق.. التحرر التنموي السوري الذي هو أساس العقد الاجتماعي القادم.. النقطة الأولى في الإصلاح التي أحملها معي إلى دمشق، هي إصلاح الحوكمة.. المؤسسات.. القوانين.. التشريعات.. العقول.. العقلية التي تُدير البلاد”.
هناك فرصة عندما نسمع أولي الأمر اليوم يتحدّثون عن اقتصاد تنافسي حر، هي فرصة، يجب أن نغتنمها لأنه إذا استطعنا أن نرسّخ عهدا من الاستقرار والحريات ومساءلة السلطات من قبل الشعب، نحن قادرون على مواجهة هذا التحدّي، وتجاوزه”.
المصدر: تلفزيون سوريا