سورية تولد من جديد: الانتصار الذي أعاد الأمل للسوريين

فاطمة عبود

عيون السوريين التي طالما شخصت نحو السماء، مترقبة بخوف وجزع طائرات السوخوي والميغ بأشكالها وأنواعها وهي تحوم في سماء سوريا، منتهكة حرمتها، ومستهدفة المدنيين العزل الذي لا حول لهم أو قوة، بمشهد لا يمكن أن يمحى من ذاكرة أي سوري، العيون التي كانت تترقب صواريخ الطائرات القاتلة، وبراميل الموت الهابطة من مروحيات الهيلوكوبتر في السماء، هي نفسها اليوم تتحول إلى عيون أخرى في مشهد آخر، هذه العيون تترقَّب بكل ما أوتيت من شغف سقوط النظام السوري الغاصب شيئاً فشيئاً، وتراقب انسحاب أذنابه من مدن سوريا بدءاً من حلب ومروراً، بحماة وحمص ودرعا والسويداء وانتهاءً بدمشق، حينها سيسطر التاريخ في صفحاته الخالدة حدثاً مهماً من تاريخ سوريا عنوانه الأبرز انتهاء حكم الطغاة من عائلة الأسد والذي استمر لأكثر من خمسين عاماً، سيصف التاريخ، وسنكون شاهدين على ذلك، كيف انهزم هذا النظام على يدي أحرار سوريا ملطخاً بالخزي والعار.

 الأخبار العاجلة التي تتصدَّر محطات الإعلام التلفزيونية الفضائية وتغطي الأحداث التي تجري على أرض الواقع في سوريتنا، وتبثها إلى جميع أنحاء العالم، تتسابق مع فرحة السوريين الأحرار، لذلك يمكن أن نقول إن السوريين منذ 27/11/ 2024 يعيشون حالة من الدهشة والفرح والحبور التي لا يمكن وصفها بالكلام أو التعبير عنها بالكتابة، مشاعرهم مختلطة ولا يمكن تحديدها، فقد اصطدم عندهم الواقع بالأحلام، والماضي بالحاضر، والألم بالأمل، إذ يتناقل السوريون الأخبار فيما بينهم غير مصدقين ما يجري على أرض الواقع، وسط حالة من الفرحة الجماعية العارمة، وعدم التصديق لما يحدث على الرغم من أنَّهم يرون تقدُّم جيوش الأحرار ضمن عملية (ردع العدوان) رأي العين.

ما يميز السوريين اليوم هو أنهم ليسوا متفرجين منفعلين بما يحدث على أرض سوريا، بل هم أنفسهم أصحاب الفعل والقرار؛ ذلك لأنهم دفعوا ثمن هذه اللحظات التاريخية من دمائهم وأرواحهم

يحاول السوريون الأحرار عبر مواقع التواصل الاجتماعي توصيف ذهولهم بعد حدوث المعجزة التي طال انتظارها، فتراهم يضحكون تارة من فرط سعادتهم، ويبكون تارة من فرط سعادتهم أيضاً، وقد يختلط البكاء بالضحكات، فبعد أن قنط معظمهم من النصر على الطغمة الظالمة، وأصبحت لديهم حالة شبيهة باليقين من أنَّ الظلم الذي خيم بظلامه على سماء سوريا، وفرد جناحيه على مساحة واسعة منها، لن ينقشع، فتخلَّى بعضهم عن حلم العودة إلى الوطن، مستسلمين للعجز عن الفعل أمام جبروت الطغيان وبطشه، الآن، ومن جديد، يعود الأمل لكثير من السوريين الذين أضنتهم الغربة بعذاباتها، وأوجعهم الاغتراب عن أرض لا ينتمون إليها، ووجوه لا يعرفونها، وأتعبهم الاشتياق، واجترار الذكريات، الآن، قرار العودة إلى وطنهم وبيوتهم التي هجروها رغماً عنهم بين ليلة وضحاها، هرباً من الموت والذل، أوشك قاب قوسين أو أدنى من التحقُّق.

من جهة أخرى، امتزجت مشاعر الفرح بتحقيق السوريين لحلمهم بالقضاء على الظلم والظالم وتحقيق الحرية المنشودة بمشاعر الحزن والألم عند بعض السوريين، فبعضهم خرجوا من سوريا نازحين بعد أن هدمت بيوتهم، وما بقي لهم بعد العودة مكان يعودون إليه، بل أضحت بيوتهم أطلالاً تخبئ تحت ركامها كثيراً من الذكريات التي لا تفارقهم، ومنهم من فقدوا أحبابهم في بلاد الغربة، فأصبحت العودة إلى الوطن عودة ترافقها غصة مرة، وغدت فرحتهم فرحة مشوبة بالأسى والفقد، وبعضهم لم يبق لهم من أحبابهم سوى قبور دفن أصحابها على عجل، في حين كان أولادهم وذويهم بعيدين عنهم، وبعضهم لم يكن لأحبابهم قبور يزورونها، بل تناثرت أجسادهم واحتضنتها الأنقاض المتراكمة حتى امتزجت بها.

فما على السوريين في هذه الفترة العظيمة سوى أن يرفقوا المشاعر بالعمل الإيجابي، وذلك حين يتحول الفرح بالعودة إلى الوطن إلى تصميم على إعادة بناء الوطن الذي استعادوه بيوتاً وقرى ومدناً، وبناء الوطن لا يقتصر على بناء الحجر فقط، وإنما يشتمل على إعادة بناء الإنسان السوري

المهم أنَّه من بين كل هذه المشاعر التي تحدثنا عنها اختفت مشاعر الخوف التي طالما أنهكت قلوب السوريين الأحرار، وحلَّت مكانها مشاعر عودة الثقة بالنفس التي عمل النظام السوري لفترة طويلة على زعزعتها والتشكيك بها، هذه الثقة المتجددة تعكس إيمان السوريين بقدرتهم على صنع التغيير، وإعادة بناء وطنهم رغم كل التحديات التي لم تكسر إرادتهم، عودة الثقة بالنفس هي الخطوة الأولى نحو استعادة الكرامة والعمل المشترك لبناء مجتمع يسوده العدل والمساواة، وهي رسالة للعالم بأن إرادة الشعوب لا يمكن أن تُقهر.

إنّ ما يميز السوريين اليوم هو أنهم ليسوا متفرجين منفعلين بما يحدث على أرض سوريا، بل هم أنفسهم أصحاب الفعل والقرار؛ ذلك لأنهم دفعوا ثمن هذه اللحظات التاريخية من دمائهم وأرواحهم، وهم يدركون بوعي تام أن عليهم إتمام معركتهم حتى تستعيد سوريا عافيتها، فما على السوريين في هذه الفترة العظيمة سوى أن يرفقوا المشاعر بالعمل الإيجابي، وذلك حين يتحول الفرح بالعودة إلى الوطن إلى تصميم على إعادة بناء الوطن الذي استعادوه بيوتاً وقرى ومدناً، وبناء الوطن لا يقتصر على بناء الحجر فقط، وإنما يشتمل على إعادة بناء الإنسان السوري الذي أصيب رغماً عنه بإصابات نفسية واجتماعية يصعب تجاوزها بسهولة، فلا بدَّ من ترميم الجراح حتى تشفى وتتعافى؛ لأنَّ سوريا التي تصرخ اليوم بأعلى صوتها، تعلن مخاضها الجديد، في مرحلة تاريخية مفصلية، وهي بحاجة إلى أبنائها الأحرار الذين سيصنعون مجدها رغم أنف الطغاة المستبدين، بغض النظر عن اختلافاتهم وطبقاتهم وانتماءاتهم.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى