ساكو وفانزيتي

محمد علي صايغ

في لقطة مهمة من فيلم ” ساكو وفانزيتي ” الشهير الذي لاقى إقبالاً واسعاً من مثقفي بلدنا ، في لقطة من لقطات الفيلم يصدرُ الحكم على  ساكو اليساري الشيوعي وعلى فانزيتي الفوضوي بالإعدام ..   وقد تم التوكيل لليساري محامي من أقدر المحامين في زمانه .. كانت نصيحة المحامي أن يتقدم اليساري وزميله بمذكرة تطلب العفو والرحمة من رئيس البلاد ..  قبل اليساري بتقديم طلب العفو ، في حين رفض الفوضوي تقديم هذا الطلب مقتنعاً بأن لا جدوى منه ، وقد أصبح طلب العفو الذي قدمه اليساري عن طريق محاميه حديث الناس وشكل رأياً عاماً طاغياً … فقد قام ملايين من المواطنين  بالتوقيع على طلب منح العفو  ل ” ساكو وفانزيتي ” معاً ، وعندما وصلت ملايين أوراق الاسترحام الممهورة من جموع المواطنين والتي تحملها ” روليات ” النقل إلى قرب مكتب الرئيس ،  لم يقبل الرئيس إلا أن يتقدم سأكو بنفسه  بتقديم الطلب إلى الرئيس مباشرة .

وفعلاً يتقدم سأكو من الرئيس حاملا طلب العفو والرحمة من حكم الإعدام ، وبعد أن أمسك الرئيس بالطلب .. سأل الرئيس المحكوم ” ساكو ” قائلا : كيف يمكن أن تطلب العفو من سلطة تتهمها وتكيل لها شتى الاتهامات  من أنها سلطة فردية  وقحة ، وناهبة للناس ، ولا عدل فيها ولا قضاء ، وتفرض سطوتها قهراً على الناس دون مراعاة لدستور أو قانون … كيف بعد كل الكلام الذي قلته عنا وجردتنا  من أي دور أو عمل إيجابي .. وتطلب منا بكل صفاقة وبدون خجل العفو والرحمة منا .. وصاح به .. قل لي كيف .. كيف ؟؟

فأجابه سأكو : أطلب ذلك لأنني انا وانت إنسان ، والإنسان والإنسانية أكبر وأعظم من كل ما قيل وما سيقال .. نعم قلت كل ذلك ولكنني أطلب العفو لأننا جميعا من طينة الإنسان التي ننتمي اليه كلانا ، وإنسانيتنا تجعلنا نطلب بقائنا لا فنائنا …

بعد كل ذلك .. وبالرغم من ملايين التواقيع على طلب العفو عن ” سأكو ” وبالرغم من وجود رأي عام تعاطف مع قضية ” سأكو وفانزيتي ” فإن الرئيس أصر على تنفيذ حكم الإعدام ولم يمنح العفو ، ونفذ حكم الإعدام بحقهما .

هذا الفيلم يحكي بوضوح انعدام معايير الإنسانية عن الحكام الدكتاتوريين القابضين على الحكم ، ويعطي صورة حقيقية عن أن المخالفين او المعارضين للحكام أعداء يستحقون الموت ، وأن شعارات حقوق الإنسان،  والشعارات الديمقراطية والحقوق الدستورية والقانونية مجرد شعارات وحقوق نظرية وعلى الورق ، وأن المطالبة بها أو المطالبة بتطبيقها في ظل الاستبداد يقود إلى السجون أو قد يؤدي إلى إذهاق الحياة .. فلا رأي ولا رأي ٱخر مسموح به يخالف السلطان ، والكل يجب أن ينتظم ويتكيف مع الاستكانة والخضوع ضمن بوتقة ” القطيع ”  ..

ولكن الإنسان وقدرته على التغيير باقية ومستمرة ما دام موجوداً .. وان التغيير في التاريخ حتمي .. وأن قدرات الإنسان و طموحه في ظل التطور والتغيير أكبر وأقوى من كل الذين يعملون إلى توقيف عجلة الزمن عندهم ، وقسر الزمن في سلطتهم واستدامتها وتأكيدها . ولكن دون جدوى .. فالتغيير قانون طبيعي في الحياة يفرض وجوده وآثاره على الجميع أفرادا وحكومات ودول …..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى