لا يوجد تعريف رسمي لخطاب الكراهية في القانون الدولي لحقوق الانسان، لذلك تشير معظم صكوك الأمم المتحدة إلى ” التحريض على التمييز أو العداء أو العنف “
عدم وجود تعريف رسمي لخطاب الكراهية يتطلب مزيدا من الوضوح حول ذلك المفهوم كي لانقع في فخ إساءة استعمال ذلك المصطلح الذي أصبح ذا صفة عالمية وجزءا من القانون الدولي .
لقد احتاط الأمين العام للأمم المتحدة لاحتمال إساءة استعمال مصطلح الكراهية حيث صرح بالآتي : ” مكافحة خطاب الكراهية لا تعني تقييد أو حظر حرية التعبير, بل تعني منع تصعيد خطاب الكراهية ليتحول إلى شيء أكثر خطورة ، لا سيما التحريض على التمييز والعداوة والعنف وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي” .- الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حزيران/يونيو 2019
ورد في موقع الأمم المتحدة على الانترنت فيما يتعلق بخطاب الكراهية ووضع الاستراتيجية الأممية لمواجهته المقدمة الآتية :
” استجابة للاتجاهات المثيرة للقلق المتمثلة في ازدياد كراهية الأجانب والعنصرية والتعصب وكره النساء ومعاداة السامية وكراهية المسلمين في جميع أنحاء العالم أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية في 18 حزيران /يونيو 2019 “
تلقي تلك المقدمة بعض الضوء على مفهوم الكراهية من خلال الأسباب التي دفعت الأمم المتحدة لمواجهة خطاب الكراهية وهي انتشار كراهية الأجانب والعنصرية والتعصب وكره النساء وكراهية المسلمين ومعاداة السامية , بينما يتحفظ الأمين العام للأمم المتحدة على احتمال إساءة استخدام مفهوم خطاب الكراهية – الذي لم يجد حتى الآن تعريفا نهائيا له- بتوسيع نطاق ذلك المفهوم ليصل إلى حد مصادرة الحق في التعبير تحت دعوى مكافحة الكراهية .
ليس جديدا إساءة استخدام المفاهيم التي ليس لها تعريف واضح مثل مفهم ” الإرهاب ” وأوضح مثال على ذلك تعريض المعارضين السلميين السوريين إلى محكمة سميت بمحكمة الإرهاب وإصدار أحكام بالغة العنف والقسوة عليهم في أسوأ استخدام لمصطلح الإرهاب من أجل إرهاب حرية التعبير
حرصت الأمم المتحدة في أدبياتها الخاصة بمكافحة الكراهية على تكرار عبارة من نوع ” في ظل الإحترام الكامل لحرية الرأي والتعبير ” تفاديا لاحتمال إساءة استخدام مفهوم الكراهية .
يتضح مما سبق أن مفهوم ” خطاب الكراهية ” يعني ذلك الخطاب الذي يحرض على التمييز العنصري كما بين السود والبيض أو بين العرب والأوربيين أو يحرض اليهود على العرب الفلسطينيين …الخ , أو العنف والتمييزضد المرأة أو كراهية المسلمين أو كراهية الأجانب , ذلك التحريض الذي يدفع لاستخدام العنف وارتكاب الجرائم .
ومما لاشك فيه أن أي توسيع لمفهوم الكراهية الأممي والذي أصبح جزءا من القانون الدولي ليشمل موضوعات ليست واردة ضمن الموضوعات التي سبق الإشارة إليها , ينبغي أن يقابل بحذر شديد , وبمطلب ضروري في توضيح طبيعة الموضوع الذي يتم زج مفهوم ” خطاب الكراهية ” فيه , وإلى أي حد يبدو منطقيا وضعه تحت بند ” خطاب الكراهية , أم أن الأمر في جوهره ليس سوى استخدام لمفهوم ” خطاب الكراهية ” في غير محله .
وكمجرد مثال فنحن نشهد في وسائل التواصل الكثير من تبادل الشتائم , والإسفاف , وافتقاد أدب الحوار , وذلك مؤسف بالطبع , وهو محل منطقي للنقد , لكن ذلك لايمكن إدراجه تحت مفهوم الكراهية , صحيح أن مفهوم الكراهية لم يمتلك حتى الآن تعريفا نهائيا له , لكنه وفق القانون الدولي لم يعد مفهوما غامضا إلى الحد الذي يمكن تحميله مالا يحتمل , وأحيانا إلى الحد الذي يجعل منه عجينة طيعة يتم تشكيلها حسب الطلب ثم إلصاقها بقوانين حقوق الانسان .
أما الأكثر سوءا فهو استخدام مفهوم ” خطاب الكراهية ” كسلاح ضد حرية التعبير والنقد في وضع نحن في أمس الحاجة فيه لتعزيز العقل النقدي , ليس كركن من أركان الديمقراطية فقط ولكن لاستعادة العقلانية في العقل العربي , تلك العقلانية التي نحتاجها في كل حقول المعرفة بما في ذلك حقل الفكر السياسي على وجه الخصوص .