صدر نرد للنشر والدراسات ضمن سلسلة إسناد النهضة كتاب نظرية المعرفة و جهازنا المعرفي. للكاتب خليل احمد المنصور…
يبدأ الكتاب في سرد كل ما يتعلق بالنظريات المعرفية والفلسفية منذ الفلاسفة المؤسسين سقراط وأفلاطون وأرسطو…الخ وصولا الى فلاسفة عصر النهضة والتنوير الأوروبي. كما ذكر الفلاسفة والفقهاء والأصوليين الإسلاميين ابن رشدووالاشعري والغزالي والجويني والشاطبي الخ. وحيث يصل الى العصر الحديث وما طرح من رواد النهضة العرب في القرن الماضي. الى وقتنا الحالي. حتى أيامنا وانعكاس ذلك على الأفق المستقبلي المنظور والمطلوب للربيع العربي وما بعده…
يلفت النظر في الكتاب المؤلف من ٢٢٨ص أن الكاتب خليل منصور ولكونه غطى كل ما كتب عن المعرفة والفلسفة أفكارا وروادا، ومارا بالإسلام عقيدة وسياسة. أنه اضطّر أن يكون كتابه مركزا ومكثفا إلى درجة تجعل القارئ يمر على موضوعات تحتاج كتب ونصوص طويلة. تختصر بجمل وكلمات بحيث يصعب هضمها واستيعابها بهذه العجالة. وهذا يوقع الكتاب في أزمة انه لم يشبع موضوعه. شرحا وتوصيفا ونقدا. وحتى لم أستطع التقاط مقاربته لموضوع الكتاب حول نظرية المعرفة و جهازنا المعرفي.
إننا هنا لا نريد أن ندخل في سجال مع الكتاب أو الكاتب. فلكل مجتهد نصيب …
سأدخل في موضوع استدعاه الكتاب حول الإسلام بجانبه السياسي الأصولي والفقهي وماذا بقي لنا لنسير بموجبه في سياستنا المعاصرة في بحثنا الدؤوب عن صناعة الدولة التي تبني الحياة الأفضل للسوريين والعرب والمسلمين…
لقد تحدث الكتاب عن السياسة في الإسلام فهي مضبوطة بالقرآن والسنة الصحيحة. حيث تحدث عن عصر الخلفاء الراشدين وإنهم كانوا أقرب ما يكونوا من أصول الممارسة الشورية زمن الرسول محمد ص . وان ما حصل بعد عصرهم نقل الحكم الإسلامي ليكون جبري و”ملك عضوض” حكم بالقوة وليس بالشورى. وان هذا الحكم أخذ شرعيته من فقهاء نظّروا لقبول الحاكم المسلم مهما فعل وعدم الخروج عليه. الا في حال أعلن ردّته عن الإسلام. وما دون ذلك جعل المسلمين ملزمين بقبول الحاكم حتى لو ظلم او أفسد او ضرّ بمصالح المسلمين.
لقد ظهرت مدارس فقهية كثيرة عملت على جعل ذلك مشروعا من باب التنظير الديني. حيث ظهر رأي يرى إرادة الله متحققة بوجود الحاكم ولو أراد الله ابداله لغيره. يعني اعيد قرار وضع الحاكم المسلم وخلعه في يد الله. كما نظّر البعض أن الله يحاسب الحاكم الظالم ولكن بعد حين. وهم المرجئة. وكذلك الذين يرون كل مانعيشه من سلوكياتنا بما فيها تجاه الحاكم نحن مجبورين عليها المدرسة الجبرية. بالمقابل هناك مدرسة المعتزلة وحرية الاختيار والسلوك الإنساني.…
المهم لقد كان التنظير الإسلامي المتراكم تاريخيا يعطي السلطة المطلقة للحاكم وما على الناس إلا التسليم له…
نعم هذا ما حصل فعليا في المدرسة المشيخة الإسلامية التقليدية. وكانت مرجع الحاكم كل الوقت ووجد ايضا بشكل دائم رجال الدين من ينظرون للسلطان ويغطون على مظالمه ويمدحونه فيما لا يستحق ويساعدونه في ظلم العباد …
لكن هناك منحى آخر التنظير الإسلامي أخذ منحى مختلف حيث انتصر لجوهر الإسلام وهو تأكيد الحرية والعدالة والشورى وتحقيق مصالح العباد ومقاصد الشريعة التي أسس لها الشاطبي. صحيح أن الكاتب ذكر ذلك في الكتاب. لكن لم يبني عليه في استنتاجه النهائي عندما أراد أن يجيب عن نظرية المعرفة التي يراها والسياسة التي يريدها. فعاد الى ان نبدأ من القرآن والحديث الصحيح وان نستفيد من اجتهادات الفقهاء.
نعم ان هذا الطرح ذاته ادى لانتاج فقهاء السلطان تاريخيا. وأن لا اتفاق بين منظري الإسلام المعاصرين حول ما يجب الاجتهاد حوله في السياسة المعاصرة حول أمور السياسة وغيرها من القضايا الاقتصادية والمجتمعية. طبعا هذا غير متحقق عند أهل السنة وداخلهم. فما بالك أن ذكرنا الشيعة وبقية المذاهب الاسلامية…
لذلك نعود الى مقاصد الشريعة ونعتبرها المدخل الذي نعتبره محققا مراد شرع الله في حياة المسلمين. ومقاصد الشريعة في العصر الحديث أصبحت ممكنة المعرفة في مجتمع ما وضمن زمانه ومكانه بشكل دقيق . من خلال المنهج العلمي الذي يطال المجتمع والأفراد وحراك المجتمع نحو الأفضل…
لم يعد التقدم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أمرا متروكا لاجتهادات الأفراد لقد صار ممكنا علميا عبر الدراسة العلمية لكل مجال من هذه المجالات.
كما أن مصالح العباد أصبحت تنصب على حق العيش الكريم بتحقيق شروط الأمان والتعلم والعمل وصيانة الحرية والكرامة الانسانية وتأمين حقوق الإنسان كاملة. وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعميمها على كل الناس وخلق البنية الديمقراطية في المجتمع التي تعود في نسبها إلى الشورى في الإسلام.
ولذلك لا غطاء يحمي أحد من انه يعمل بشرع الله ويقوم بكل الموبقات التي لم يحاسب عليها حكّام كثيرون عبر التاريخ على أنهم كانوا يحكمون بالإسلام والإسلام منهم بريء.
في هذا العصر الحكم للشعب وإن العقائد بما فيها الإسلام هي المرجعيات السلوكية، المثل العليا والأخلاق والدور الاجتماعي الإيجابي لكل الناس. أما السياسة فهي متحققة في النظام الديمقراطي المضبوط بقواعده: انتخاب المجلس النيابي وباقي السلطات بما فيها القضاء المستقل وتداول السلطة والمحاسبة وتحقيق الخطط المقرّة من الشعب لتحقيق حياته الافضل…
اوضح أن الكثير من المفكرين الإسلاميين المعاصرين والحركات الإسلامية تطورت لتطرح القريب من ذلك وتجعله اساس برامجها التي عملت لتحقيقها في سورية وتونس والسودان ومصر وأغلب الدول العربية. لكن شيطنتها من قبل اعدائها ومن الغرب وخاصة بعد الربيع العربي. جعلها الشيطان الذي يرجمه الجميع بحق أو بباطل في وقتنا الحاضر ..
كما أن الربيع العربي والثورات التي حصلت بعده وبغض النظر عن مآلاتها ونكسها بالقوة والخديعة وبمساعدة الاعداء. فإنها تؤكد أن الشعوب العربية قد التقطت جوهر اسلامها وحقوقها الانسانية وقامت تطالب بإسقاط الاستبداد والظلم والفساد والقهر والمحسوبية والتفاوت الاجتماعي. لتحقق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.
هذا بعض مما استدعاه الكتاب …
كتاب “نظرية المعرفة وجهازنا المعرفي” للكاتب “خليل احمد المنصور” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الكتاب سردية معرفية لما صدر من نظريات معرفية والفلسفية منذ الفلاسفة المؤسسين سقراط وأفلاطون وأرسطو…الخ وصولا الى فلاسفة عصر النهضة والتنوير الأوروبي والفقهاء والأصوليين الإسلاميين ابن رشدو والاشعري والغزالي والجويني والشاطبي ليصل الى العصر الحديث وما طرح من رواد النهضة العرب في القرن الماضي.