حول المشاريع المطروحة للدستور السوري

الدستور في أي بلد هو قانون القوانين، من روحيته وأهدافه ومبادئه تشتق القوانين التفصيلية، وهو مرجعيتها، ويعتبر العقد الذي ارتضاه المواطنون لتنظيم دولتهم ومؤسساتهم التي تدير أمورهم التشريعية والتنفيذية والقضائية، من أجل ذلك كان لزاما على الدستور أن يعبر عن التوافق الوطني منذ البداية.

لذا لابد من وجود جمعية تأسيسية منتخبة انتخابا حرا ديمقراطيا تتولى وضع دستور للبلاد، وهذا ما كان الوضع عليه في تاريخ سورية منذ نشأة الدولة ووضع دستورها الأول عام 1920وصولا للدستور الذي وضعته الجمعية التأسيسية المنتخبة عام 1928 ثم دستور العام 1950 وبقي الأمر كذلك في سورية حتى جاء انقلاب العام 1963 بمفاهيمه البعثية التي قضت على الديمقراطية قضاء تاما.

ليس عبثا أن تحصر مهمة وضع الدستور بالجمعية التأسيسية المنتخبة ديمقراطيا فأية محاولة فردية أو فئوية لتمرير مسودة دستور أو أفكار دستورية سينظر إليها ليس باعتبارها فقط وضعا للعربة أمام الحصان ولكن وهو الأهم سينظر إليها من قبل فئات اجتماعية باعتبارها محاولة للتأثير على عملية وضع الدستور بصورة مسبقة وذلك لصالح وجهة نظر فئوية أو حزبية أو طائفية أو ايديولوجية وبالتالي ستكون مادة للخلاف والانقسام أكثر من كونها مادة في خدمة الهدف الوطني الديمقراطي الجامع.

لقد مرت سورية خلال السنوات الماضية بتجربة فاشلة حين تم حرف السياق القانوني للقرار 2254 نحو البدء بالاتفاق على دستور جديد لسورية بدلا عن البدء بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي يفترض نقل السلطة السياسية الكاملة إليها ومن ثم إجراء انتخابات عامة في البلاد لتشكيل جمعية تأسيسية تتولى وضع الدستور، وهكذا وضعت العربة أمام الحصان، بل وعهد لمن لم ينتخبه الشعب السوري بل جاء وفق إرادات الدول الكبرى والاقليمية بالتفاوض مع ممثلي النظام لوضع الدستور.

ومنذ ايلول من العام 2019وحتى اليوم لم يكتب سطر واحد من الدستور السوري العتيد، وحتى لو أنه أنجز بمعجزة فلن يكون له أية قيمة فعلية، فلا الشعب السوري ممثل في لجانه بصورة ديمقراطية ولا النظام بصدد قبوله وتطبيقه.

ويبدو أن روح اللجنة الدستورية التي ماتت منذ وقت طويل قد حلت في محاولات متكررة من قبل مراكز بحوث لتقديم ما يوصف بمسودات دستور أي الانابة عن الجمعية التأسيسية المنتخبة في عملية استباقية تختصر على صانعي الدستور مستقبلا الطريق! لكن الواقع أن تلك المبادرات الاستباقية لا تفعل سوى تقديم مادة للخلاف والانقسام ضمن بيئة لا تحتاج لمزيد من الخلافات بقدر ما تحتاج لتوحيد الجهود باتجاه واحد هو إنهاء النظام الاستبدادي الراهن وفق أهداف الثورة السورية الوطنية الديمقراطية.

والمسألة الخطيرة هنا هي أن محاولات وضع الدستور تنطلق من الواقع السياسي والعسكري الراهن باعتباره الواقع الذي يجب البناء عليه وتقنينه في حين أنه يمثل لحظة تاريخية تكاد تشبه ما مرت به سورية تحت سلطة الانتداب الفرنسي من تقسيمات إدارية اتخذت شكل الدويلات الطائفية حين تم تقسيم سورية إلى دولة بلاد العلويين اعتبارا من العام 1920 ودولة حلب ودولة دمشق ودولة جبل الدروز، وجرت بعد ذلك محاولة توحيد دولة حلب مع دولة دمشق ودولة بلاد العلويين في اتحاد فدرالي وبعد فشل تلك المحاولة استعادت سورية وحدتها اعتبارا من العام 1936 وصولا إلى الاستقلال في ظل الوحدة التامة .

ومثل تلك التجربة التاريخية تعني أن على النخب الثقافية اليوم الابتعاد عن فخ وضع مشاريع الدساتير انطلاقا من وضع مشابه لوضع تقسيمات الانتداب الفرنسي.

بل الابتعاد عن مصادرة مهمة الجمعية التأسيسية المنتخبة ديمقراطيا والانشغال بمسودات مشاريع دساتير هي أقرب ما تكون لمشاريع خلافات وجدل وانقسامات منها لإنجاز يساهم في توحيد الشعب السوري وتعبئته من أجل التغيير الوطني الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الدستور هو قانون القوانين وفي أي بلد هو نتيجة عن توافق وطني بروحيته وأهدافه ومبادئه لأنه المرجعية، ويعتبر العقد الإجتماعي الذي ارتضاه المواطنون لتنظيم دولتهم ومؤسساتهم، لذلك كل المحاولات لطرح مشاريع دساتير من مراكز بحوث هو تضليل لمتطلبات شعبنا، الدستور مهمة الجمعية التأسيسية المنتخبة ديمقراطيا بعد التحرير وإسقاط النظام.

زر الذهاب إلى الأعلى