يجدر عدم استباق الأمور. أولاً، رغم مظاهر التفاؤل الحذر لدى قيادة جهاز الأمن حتى الساعات الأولى من مساء أمس، فإنه لا توجد معلومات مؤكدة بأن الرقم 2 في حماس في القطاع، محمد الضيف، قُتل في محاولة الاغتيال الإسرائيلية. الضيف سبق ونجا من عدد من محاولات الاغتيال. ثانياً، يصعب معرفة كيف سيؤثر قتل الضيف، هذا إذا قتل حقاً، على سلوك حماس. مثل هذه الاصابة قد تزيد الضغط العسكري على حماس. والسؤال هو: هل ستشوش على صفقة تبادل احتمالية التوصل إليها في الأصل تبدو ضئيلة على خلفية الاختلافات الداخلية لدى القيادة العليا الإسرائيلية؟
الضيف (59 سنة)، من مخيم خان يونس للاجئين، وهو عضو في حماس منذ تشكيلها في بداية الانتفاضة الأولى في كانون الأول 1987. كان من بين المؤسسين للذراع العسكرية في حماس، وفي الحقيقة هو الوحيد الذي نجا وما زال حراً منذ تلك الفترة. في منتصف التسعينيات اعتبرته إسرائيل مطلوباً كبيراً بسبب تورطه في إرسال انتحاريين لتنفيذ عمليات وبناء قوة الذراع العسكري.
كثير من أصدقائه في القيادة العليا السياسية والعسكرية في حماس قتلوا في بداية سنوات الألفين في فترة الانتفاضة الثانية، بدءاً بالأب المؤسس الشيخ أحمد ياسين الذي قتل في العام 2004 وانتهاء بقادة الذراع العسكري مثل صلاح شحادة الذي قتل في العام 2002 وأحمد الجعبري في العام 2012. حاولت إسرائيل اغتيال الضيف سبع مرات على الأقل، آخرها قبل 18 سنة. ففي صباح 12 تموز 2006 كانت هناك محاولة فاشلة لتصفيته، التي نسيت بعد بضع ساعات عندما هاجم حزب الله منطقة الشمال وبدأت حرب لبنان الثانية.
ليس لدى جهاز الاستخبارات الإسرائيلية أي تأكيد نهائي حول موت الضيف. وسيكون من الصعب الوصول إلى مثل هذا التأكيد على خلفية الأضرار التي تسبب بها القصف الجوي. ربما لحماس مصلحة في إبقاء الجواب غامضاً لفترة طويلة. هكذا تصرفت في عدة حالات قتل فيها قادة كبار أثناء الحرب. كان الضيف الشريك المقرب من رئيس حماس في القطاع، السنوار، وعندما أطلق سراح الأخير من السجن في صفقة شاليط، ترسخ تقسيم للعمل بينهما بالتدريج.
السنوار، الذي هو أيضاً أحد قادة الذراع العسكري في حماس، حصل فيما بعد على أولوية القيادة وركز جهود السيطرة على الذراع السياسية لحماس في القطاع، وهي العملية التي استكملها خلال عقد. استمر الضيف في بناء القوة العسكرية، واستمر الاثنان في بلورة الخطط العملية وعلى رأسها الخطة التي فوتت الاستخبارات الإسرائيلية إدراكها، “سور أريحا”، وهي خطة لتنفيذ هجوم فجائي واحتلال بلدات الغلاف، الذي نفذته حماس بنجاح قاتل في 7 تشرين الأول الماضي.
في السنوات الأخيرة كانت محاولات لاغتيال الضيف والسنوار. قبل بضعة أشهر تمت تصفية قائد كبير في حماس، مروان عيسى. الآن، حسب بعض التقارير، قتل في عملية القصف أيضاً رافع سلامة، قائد محافظة خان يونس. وإذا صح الأمر فسيكون الثالث من بين قادة الألوية الخمسة في حماس الذين قتلوا منذ بداية الحرب. أبلغ الفلسطينيون عن 70 قتيلاً تقريبا وعشرات المصابين في هذا القصف. كان الهدف مجموعة من أكواخ لحماس في منطقة المواصي الزراعية غرب خان يونس، في المنطقة التي هرب إليها معظم سكان القطاع بعد أن دمرت هجمات إسرائيل أجزاء كبيرة منها. يظهر من صور لموقع القصف أن الكثير من المدنيين قتلوا. افترض جهاز الأمن أن بعض القتلى من أعضاء حماس الذين كانوا في محيط الضيف وسلامة في هذه المنشأة التي استخدمتها حماس لعقد اللقاءات السرية فوق الأرض.
سبق القصف جمع طويل ودقيق للمعلومات كجزء من مطاردة كبار قادة حماس، التي تستمر منذ بداية الحرب. بث رئيس “الشاباك”، رونين بار، منذ تشرين الأول ثقة بأن جميع المسؤولين عن التخطيط للمذبحة، وعلى رأسهم السنوار والضيف، سيتم العثور عليهم وسيدفعون الثمن. ربما حان اليوم الذي بدأ فيه هذا الوعد يعطي ثماره. إذا كان الضيف قتل حقاً فسيمر وقت طويل ليتبين تأثير ذلك على موقف السنوار في المفاوضات. والمس بشريكه المقرب قد يؤثر على تشدد الخط الذي يقوده السنوار بشكل مؤقت في المحادثات. في المقابل، بالنسبة لإسرائيل توجد أهمية كبيرة للشعور الذي تولد في أوساط كبار قادة حماس من أنهم لن يتمكنوا من التملص من مطاردتهم لفترة طويلة.
ثمة سؤال آخر، وهو كيف ستؤثر عملية التصفية، إذا تبين نجاحها، على رئيس الحكومة نتنياهو؟ هل سيتمكن من عرضها كوفاء بالالتزام بإغلاق الحساب مع حماس، هذه التصفيات لا تحتاج إلى وجود بري دائم للجيش في القطاع، واستغلال ذلك كذريعة لإنهاء المرحلة الكثيفة للحرب في القطاع؟ حتى الآن، رفض نتنياهو توصيات الجيش الإسرائيلي بفعل ذلك قبل انتهاء العملية في رفح. في ظهيرة السبت، نشر مكتب رئيس الحكومة بياناً غير ملزم بحسبه “رئيس الحكومة أعطى توجيهاً ثابتاً في بداية الحرب بتصفية كبار قادة حماس”. بكلمات أخرى، يقول نتنياهو لكبار قادة جهاز الأمن مرة أخرى: “نجاحكم نجاحي، أما الإخفاقات فسوف تفسرونها وحدكم”.
تصفية مركزة للوقت الثمين
في وقت حاسم للدفع بصفقة المخطوفين قدماً، تتعمق الأزمة إلى درجة الوصول إلى قطيعة خطيرة بين نتنياهو والجهات الرفيعة نفسها. يصف رؤساء جهاز الأمن منذ أسبوع تقريباً وجود فرصة لن تتكرر لتحقيق الصفقة مع حماس، التي ستكون مرهونة بتقديم تنازلات مؤلمة. ولكن نتنياهو يفضل التشدد العلني في موقفه في المفاوضات، ما قد يفشل المفاوضات. الخلافات تعكر العلاقات بين المستوى السياسي والمستوى الأمني. الجمهور الإسرائيلي لم يستيقظ حتى الآن ويلاحظ خطورة القرارات المطروحة على الأجندة. استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى تأييد واسع للصفقة (وتسريع استقالة نتنياهو)، لكن هذا الأمر لم يترجم إلى مظاهرات كبيرة في الشوارع.
في الأسابيع الأخيرة، وفي استمرارية للنموذج الذي ميز سلوكه منذ كانون الثاني الماضي، بذل نتنياهو جهوداً كبيرة لإفشال التقدم في الصفقة. بدرجة كبيرة يبدو أنه أجرى المفاوضات مع دول الوساطة ومن خلالها مع حماس من وراء ظهر المفاوضين من قبله. عرض نتنياهو طلبات جديدة على حماس، بما يتجاوز ما ظهر في اقتراح بايدن – نتنياهو للصفقة التي تبلورت في نهاية أيار الماضي. الطريقة التي اختار تكرارها علناً في كل مرة كان الطاقم الإسرائيلي ينوي الذهاب فيها لإجراء المفاوضات في القاهرة أو في الدوحة، صعبت التقدم في المحادثات. ولاحظت حماس ذلك في الفترة الأخيرة، وينوي رؤساء المنظمة الإرهابية الآن إلقاء مسؤولية إفشال المفاوضات على إسرائيل.
رد حماس على الاقتراح الأخير الذي وصل في 3 تموز شمل إنجازاً مهماً واحداً من ناحية إسرائيل، فهي توافق على التمييز بين المرحلة الأولى في الصفقة والمرحلة الثانية بصورة تبقي لنتنياهو فرصة لاستئناف الحرب إذا فشلت المفاوضات بعد تنفيذ المرحلة الأولى. كان هذا أمراً مهماً بالنسبة له، صمم عليه رئيس الحكومة خلال أشهر. مؤخراً اختار نتنياهو إظهار طلبات أخرى، أبرزها منع عودة مسلحي حماس والوسائل القتالية إلى شمال القطاع، وشمال الممر الذي يسيطر عليه الجيش في منطقة نتساريم الذي يقسم القطاع إلى قسمين؛ والحفاظ على سيطرة إسرائيل في محور فيلادلفيا ومعبر رفح.
أوساط طاقم المفاوضات اعتبرتها طلبات يصعب فرضها على حماس، وقد تبقي المفاوضات عالقة أشهراً كثيرة. هذا في الوقت الذي تعتقد جهات رفيعة في جهاز الأمن بإمكانية التوصل إلى الصفقة خلال بضعة أسابيع، وحذرت من أن تأخير التفاهمات هذه المرة قد يكلف حياة مخطوفين آخرين. ما زال 120 إسرائيلياً محتجزين في القطاع، ويقدر جهاز الأمن بأن أكثر من نصفهم أموات.
مما يساهم في الإحباط من نتنياهو تلك البيانات الصادرة عن مكتبه التي تنشر في توقيت حساس للمفاوضات. أمس، تنصل رئيس الحكومة من تقرير نشرته وكالة “رويترز” عن مناقشة انسحاب إسرائيل في المستقبل من محور فيلادلفيا، ووصفه بأنه “أنباء كاذبة تماماً”. حدث هذا بعد فترة قصيرة من عودة الوفد الإسرائيلي من محادثات القاهرة التي تناولت الحلول الأمنية لمنع التهريب من الحدود مع مصر. بشكل هو الأخطر منذ بداية الحرب، نشأت أزمة بين نتنياهو وأصحاب المناصب الرفيعة في جهاز الأمن، الذين يعملون في قضية المفاوضات: وزير الدفاع، ورئيس الأركان، ورئيس الموساد، ورئيس “الشاباك”، ورئيس قسم الأسرى والمفقودين في الجيش الإسرائيلي. وقد صرح الوزير غالنت وهليفي علناً في صالح الصفقة.
مصطلح “الوقت الثمين” تم إسماعه أكثر من مرة في سياق الصفقة خلال التسعة أشهر الأخيرة. أما هذه المرة، فهو موقف كبار جهاز الأمن. وفي الوقت الذي تتصاعد مظاهرات عائلات المخطوفين، كان على نتنياهو الحسم في القريب. مثلما في أوساط الجمهور، ثمة أغلبية في الكابنت والحكومة تؤيد الصفقة. ولكن رئيس الحكومة يخشى مما سيحدث بعد المصادقة عليها – انسحاب أحزاب اليمين المتطرف: “قوة يهودية” و”الصهيونية الدينية”، وانهيار الائتلاف وإجراء الانتخابات. يبدو أنه العائق الرئيسي الذي يمنع الصفقة أكثر من الاعتبارات الأمنية.
لا يمكن الإبقاء على الخلاف الحالي على نار هادئة. إذا تعثرت المفاوضات في هذه المرة، فمن الواضح أن نتنياهو هو الدافع الرئيسي. وقد تحدث استقالات في القيادة الأمنية. المرشح الأول لذلك هو رئيس قسم الأسرى والمفقودين في الجيش، الجنرال احتياط نيتسان ألون. إذا لم يتحرك شيء فربما يقدم نيتسان الون استقالته ويخلف هذه المهمة لأحد موظفي نتنياهو.
المصدر: هآرتس /القدس العربي