اكتملت الاستعدادات في مناطق النظام السوري لإجراء انتخابات تشريعية غداً الاثنين، في ظل عدم اكتراث من السوريين الذين لا يرون فيها إلا تكريساً للطبيعة الفئوية والحزبية والمناطقية لمجلس الشعب (البرلمان)، والذي بقي على هامش الأحداث الكبرى التي عصفت بالبلاد التي تتحكم بها الأجهزة الأمنية ورئيس ذو صلاحيات مطلقة. انتخابات مجلس الشعب السوري هذه هي الرابعة منذ بدء الثورة السورية في عام 2011، وفق دستور وضعه النظام عام 2012 لم يبدل من الواقع السياسي شيئاً، بل كرّس سلطة بشار الأسد ومنحه صلاحيات مطلقة.
ويتكون مجلس الشعب من 250 مقعداً، نصفها للعمال والفلاحين. ومن المؤكد أن أغلب هذه المقاعد تذهب إلى مرشحين من حزب البعث الحاكم وبعض الأحزاب الصغيرة التي تدور في فلكه. ولا يُنتظر على الإطلاق أن تأتي هذه الانتخابات بجديد يغيّر من الطبيعة الحزبية والفئوية والمناطقية لهذا المجلس، والذي يفتقد أي فعالية سياسية، إذ يُبقيه النظام على هامش الأحداث جاعلاً منه ديكوراً سياسياً لا أكثر.
وبحسب مصادر إعلامية في النظام السوري، بلغ عدد المرشحين في انتخابات مجلس الشعب السوري الحالية 8953 مرشحاً، بينهم 1317 امرأة، فيما يصر النظام على إجراء انتخابات حتى للمناطق الخارجة عن سيطرته من خلال فتح صناديق اقتراع في عدة مدن.
لا مبالاة بشأن انتخابات مجلس الشعب السوري
ويؤكد مروان. ز (52 عاماً)، وهو من سكان بلدة جرمانا قرب دمشق، أنه غير معني على الإطلاق بهذه الانتخابات، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “أعضاء مجلس الشعب لا يقدمون ولا يؤخرون وليس بيدهم من الأمر شيء”. ويضيف أن “السلطة حريصة على ألا يدخل المجلس معارض حقيقي لسياساتها”، لافتاً إلى أنه “حتى المرشحون المستقلون هم مرتبطون بالنظام وأجهزته. وهم غالباً تجار أو متنفذون أو أمراء حرب يقودون مليشيات تخدم النظام”.
من جانبها، ترى سعاد. ت (56 عاماً)، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “همّ المواطن اليوم تأمين لقمة العيش ولا تهمه انتخابات مجلس الشعب السوري أو غيرها”، مضيفة: “ماذا فعل المجلس السابق لنا. لا شيء. لا ننتظر من المجلس الجديد شيئاً أيضاً”. وتوضح أن “المجلس عاجز عن محاسبة الحكومة لأن أعضاءه وأعضاء أغلب الوزراء من حزب واحد”.
ولا يمكن للنظام إجراء انتخابات مجلس الشعب السوري في مناطق واسعة من جغرافية البلاد هي خارج سيطرته كالشمال السوري كله، والذي يقع الجانب الغربي منه تحت سيطرة فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً). كما يقع الجانب الشرقي للشمال السوري تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي أكدت أنها لن تسمح بوضع صناديق انتخابية في مناطق واقعة تحت سيطرتها ما خلا مربعين أمنيين تابعين للنظام في مدينتي الحسكة والقامشلي.
وفي مدينة حماة وسط البلاد، يشير أحد النازحين القادمين من محافظة الرقة إلى أنه “غير متحمس” للمشاركة في انتخابات مجلس الشعب السوري. ويشير في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن المجلس “لا علاقة له بأي حلول للقضية السورية”، مضيفاً أن “أعضاءه مجرد أشخاص النظام راض عنهم، والفائزون معروفون قبل إجراء الانتخابات، فالنتائج معروفة، لا يمكن أن يدخل قبة البرلمان شخص مناهض للسلطة أو حتى لديه ملاحظات جوهرية على سياستها في الداخل والخارج”. وفي الريف الجنوبي لمحافظة السويداء جنوب سورية، سيقاطع الشيخ سمير أبو مهدي انتخابات مجلس الشعب السوري. ويشير في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “من يعاني من العطش لا يمكنه الانتخاب”، مضيفاً أن “قرية أم الرمان تعاني منذ ثلاثة أشهر من العطش بسبب تعطل آبارها الأربع والحكومة والمجلس يكذبان علينا”.
من جهته، يقول ربيع ناصيف، من قرية دوما في الريف الشرقي لمحافظة السويداء، في تصريح لـ”العربي الجديد”: “لو دفع المرشحون الملايين التي صرفوها على الدعاية لتأمين المياه للناس لذهبنا جميعاً إلى الصناديق وانتخبناهم”. أما كمال العلي من محافظة طرطوس فيقول لـ”العربي الجديد” إنه سيشارك في انتخابات مجلس الشعب السوري رغم إدراكه “أن المجلس لا يقدم ولا يؤخر، خصوصاً بالنسبة لأهالي طرطوس الذين فقدوا شبابهم في الحرب، وتركت عائلاتهم للجوع والفقر”. ويستهزئ العلي من برامج المرشحين “خصوصاً الذين يتحدثون عن محاربة الفساد وهم لولا الفساد لما كانوا اليوم يملكون الأموال التي يصرفونها على الانتخابات”.
وفي السياق، يرفض نبيل السويدان من محافظة درعا، جنوب سورية، في حديث مع “العربي الجديد”، تشبيه انتخابات مجلس الشعب السوري بالمسرحية “لأن المسرحية تأتي في سياق خدمة هدف وقضية، في حين أن الانتخابات لا تخدم سوى مصالح السلطة، وتهدم مصالح الشعب”. في حين يرى أحمد الحريري أن على الناس إعطاء فرصة للمرشحين الجدد”، مضيفاً لـ”العربي الجديد”، أنه “من الخطأ الحكم على نتيجة قبل حدوثها”.
غياب للشرعية
وقد وأد النظام الحاكم للبلاد منذ انقلاب عام 1963 الحياة السياسية بشكل كامل، حيث كرّس حكم الحزب الواحد (البعث)، وبعد عام 1970 كرّس حكم الفرد (الأسد الأب ولاحقاً الابن).وتعليقاً على انتخابات مجلس الشعب السوري الاثنين، يرى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن مجلس الشعب قبيل انطلاق الثورة في عام 2011 كان “وسيلة لإرضاء شخصيات مرتبطة بالنظام وتحقيق التوازن في السلطة”. ويضيف أنه “لم يكن الهدف من إجراء الانتخابات وصول أشخاص يمثلون بالفعل السوريين تحت قبة البرلمان”، لافتاً إلى أنه “بعد الثورة تكرّس هذا النهج أكثر، فتحول البرلمان إلى ساحة لتبيض صفحات أشخاص يتزعمون مليشيات، وإدخال شخصيات محسوبة على روسيا وإيران”.
ويخلص القربي إلى القول إن “غاية النظام من إجراء الانتخابات الحصول على جزء من الشرعية الخارجية، أما في الداخل فلا شرعية لها على الإطلاق فأغلب الشعب السوري إما مهجر أو معتقل أو مشرد”. ويشير إلى أن “نسبة المشاركة في الانتخابات في الدورات السابقة كانت متدنية جداً، وهو ما ينسف شرعيتها”، متوقعاً نسبة مشابهة في انتخابات الاثنين، ومعتبراً “الأنظمة الديكتاتورية على العموم لا تكترث لهذا الأمر”.
ويرفض النظام تطبيق القرار الدولي 2254 الذي ينص على إجراء انتخابات وفق دستور جديد، وهو ما ينزع عن انتخابات الغد أي شرعية لدى المعارضة والمجتمع الدولي. وفي السياق يوضح القاضي السوري السابق والخبير القانوني أنور مجني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الانتخابات لدى النظام “استحقاق دستوري لأن مدة البرلمان السابق انتهت”، مضيفاً أن “مجلس الشعب وفق الدستور يمتلك سلطة التشريع”. ويشير إلى أن انتخابات مجلس الشعب السوري “بالتأكيد ليست سليمة وليست شرعية لأن نصف الشعب غير قادر على المشاركة بغض النظر عن مسألة قبوله لها من عدمه”، مضيفاً أن “النظام يريد توجيه رسائل للمجتمع الدولي بأنه يملك السيادة والشرعية وأنه ينفذ استحقاقات الدستور وأي تفاهمات حول القضية السورية يجب أن تمر من خلاله”.
وينص الدستور الذي وضعه رئيس النظام بشار الأسد في عام 2012 على أن مجلس الشعب “يتولى السلطة التشريعية في سورية، ومن مهامه: حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء، وإقرار الموازنة العامة للدولة وخطط التنمية، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة، والعفو العام”. بيد أن الوقائع تشير إلى أن المجلس عجز عن حجب الثقة عن أي وزير في الحكومة رغم أن الظروف المعيشية في مناطق النظام كارثية.
ويرى المحامي السوري عبد الناصر حوشان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الانتخابات التي ستجرى غداً الاثنين “جريمة دستورية وجنائية، وسياسية”، مشيراً إلى أن الدستور الذي وضعه النظام ينص على “حق المواطن في الإسهام في الحياة السياسية ومنها حق الترشح والانتخاب”. ويضيف أنه “بناء عليه فإن التهجير القسري لأكثر من نصف الشعب السوري يعني حرمانه من حقوقه السياسية ومنها الترشح والانتخاب، والانتخابات اليوم تجري في غياب نصف الشعب وذلك مخالفة لأحكام الدستور وبالتالي فإن العملية برمتها غير دستورية”. ويشير إلى أنه “رصدنا عمليات تزوير في السجل الانتخابي العام وبيانات السجل المدني وبيانات مكتب الإحصاء المركزي وكل هذه البيانات هي أساس السجل الانتخابي”، معتبراً أن “لا أثر دستورياً أو قانونياً أو سياسياً على شرعية النظام التي نزعها عنه الشعب السوري”.
المصدر: العربي الجديد
بروباغندا الإنتخابات يمارسها نظام دمشق والجميع يعلم بأن الناجحين معروفين لأنهم دفعوا قيمة الكرسي بمجلس التصفيق مسبقاً، عدد المرشحين 8953 مرشحاً، بينهم 1317 امرأة، مع إصرار النظام بإجراء انتخابات حتى بالمناطق الخارجة عن سيطرته من خلال فتح صناديق اقتراع في عدة مدن.