في منتصف الثمانينات جاء أحد خبراء الاقتصاد الأمريكان بدعوة من الجامعة الأمريكية بمصر، في محاضرة له في الجامعة الأمريكية وفي حضور المصريين، ومنهم عقول كبيرة في الاقتصاد والعلوم السياسية، وقال: إن مصر لا تسير في الطريق السليم، وهذه النتيجة لها سببين عندى، الأول أن مصر كما يعرف العالم أنها الدولة الاولى فى زراعة القطن طويل التيلة، وكانت المفاجأة لى أن مصر تستورد “الجينز” وكان لابد أن تكون المصدرة الاولى للجينز..
السبب الثانى والمهم للغاية، اكتشفت أن مصر ترحب بكل المستثمرين الاجانب، وتفتح لهم كل الأبواب المغلقة، وتقول للمستثمر، استثمر ما تريد في مصر.. وهذا خطأ كبير، لان الدول الكبرى في الرأسمالية لا تترك كل من جاء للاستثمار أن يفعل ما يريد، ولكنها تضع شروطا ومعايير أمام المستثمر، أولها إختيار مجال تحتاجه الدولة وليس على هوى المستثمر، ثانيا لابد أن يكون المشروع يوفر فرص عمل جديدة خاصة للشباب، حتى الارباح لا يستطيع المستثمر أن يكون حرا فيها..
إنتهى مجمل ما قاله الخبير الامريكى منذ ما يقرب من أربعين عاما، وهذا يعنى أن أى مليادير مصرى لو أراد أن يستثمر في أوروبا أو أمريكا، فانه سيخضع لمعايير وضوابط تلك البلاد، بعيدا عن التدلل الذى يفعله في مصر.
نعم نوجه نقدا حادا للحكومة، على الكثير من السياسات، ونحن لا نطالبها أن تكرر تجربة الستينيات، ولا يكون الحاكم صورة مكررة من الزعيم جمال عبدالناصر، ولكن الذى كنا نحلم به أن نتعلم من تجارب الآخرين، وتجاربنا، نتعلم من تجارب من بدأ معنا وكان يتعلم من تجربة مصر في الستينات وأقصد كوريا الجنوبية..
نتعلم من تجربة مصر على مدى 72 سنة، منها حتى تملك قرارك السياسى لابد أن تعتمد على نفسك، تزرع وتصنع، كنا في الستينيات نزرع ونصنع، كنا نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، وكنا المصدر الأول للدواء في افريقيا والعالم العربى، كنا نصدر ونستورد ولم نذهب للبنك الدولى لكى نتورط في ديون الله أعلم متى وكيف ستسدد..
كنا نحلم أن نتعلم من تجربة الرئيس السادات الذى بدأ حملة تشوية كل انجازات الستينيات، وإنقلب على أهداف ثورة 23 من يوليو، وأفرج عن عصابات الإخوان، فكانت النتيجة إغتياله في ذكرى إنتصار أكتوبر العظيم، وللأسف إستمر حسنى مبارك على نفس النهج الساداتى، وظل ثلاثين عاما رئيسا، أشبه بالموظف الذى يسير الأمور..
ثم بدأ في بيع المصانع وتعطيل متعمد لبعضها حتى يتم التخلص منها، وأثبتت هذه السياسة فشلها، وجاء نظام 30 يونيه ليكمل نفس السياسة التى يتم التخلص من كل شىء، وكأن الحكومة ترى في هذا الخلاص من حالة التخبط الذى يصيب الاقتصاد، ويدفع الثمن المواطن البسيط..
الغريب أن الشعب توقع الانفراجة بعد ذهاب نظام حسنى مبارك، ولكن لم ينتبه الشعب إلا مؤخرا أن رجال نظام حسنى مبارك لايزالون في صدارة المشهد، وأن الأمر أصبح أكثر سوء، فالتخلص من المصانع والشركات.. الخ أصبح يسير بخطى متسارعة، في البيع ومع هذا تضاعف الدين الخارجى، وتضاعف التضخم، وتضاعفت الأسعار!
لا نحلم بعودة جمال عبد الناصر، ولا بعودة القطاع العام بالرغم أن العالم الرأسمالى يوجد هناك صناعات ومجالات تحت سيطرة الحكومة، نطالب فقط أن تتعلم الحكومة من تجارب الأمس وأن تتقى الله في المواطن..
المصدر: فيتو
شعبنا بمصر توقع الانفراج بعد رحيل نظام مبارك، ولكن يبدون بأن رجال نظام مبارك لايزالون هم أصحاب القرارات، لأن الأمر أصبح أكثر سوءً، فبيع المصانع والشركات ومضائق تيران والموانئ و.. أصبحت تسير بخطى متسارعة، مع تضاعف الدين الخارجى، وتضاعف التضخم، وتضاعف الأسعار، ليحلم شعبنا بعودة عصر جمال عبد الناصر، وعودة القطاع العام، متى ستتعلم الحكومة من تجارب الأمس وتتقى الله بالمواطن ؟..