المهلة التي منحها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للنظام السوري من أجل الانسحاب من محيط نقاط المراقبة التركية في إدلب إلى حدود اتفاق سوتشي، تقترب من نهايتها بحلول نهاية الشهر الجاري، وسط تساؤلات وتكهنات متزايدة حول الخيارات التركية لحل معضلة المجال الجوي للمحافظة المغلق في وجه الطائرات التركية بالأنظمة الدفاعية السورية والروسية.
وبينما يهدد اردوغان بإطلاق عملية عسكرية واسعة ضد النظام السوري بحلول نهاية المهلة المحددة، لم تؤكد الجهات التركية الرسمية بعد التوصل لأي صيغة تتيح لسلاح الجو التركي استخدام المجال الجوي لمحافظة إدلب، وهو ما يُصعب ويقلل من فرص إطلاق أي عملية عسكرية واسعة، ويجعل منها عملية محفوفة بالمخاطر قد تكلف الجيش التركي الكثير من الخسائر.
وفي كل العمليات العسكرية السابقة التي نفذها الجيش التركي في سوريا، انطلاقاً من درع الفرات ومروراً بغصن الزيتون ووصولاً إلى نبع السلام، اضطر الجيش لتأخير عملياته مراراً من أجل التوصل إلى تفاهمات سياسية وعسكرية مع أمريكا وروسيا لإتاحة استخدام المجال الجوي في مناطق العمليات. وبينما كانت العمليات السابقة كلها ضد تنظيمات مسلحة كتنظيم الدولة والوحدات الكردية، فإن عملية عسكرية ضد جيش نظامي مزود بأنظمة دفاعية متطورة ستكون أصعب من سابقاتها وستتطلب بكل تأكيد توفير غطاء جوي واسع بدون الوقوع تحت تهديد الأنظمة الدفاعية التي يمتلكها النظام السوري وتنشرها روسيا في سوريا.
ومنذ أسابيع، أرسل الجيش التركي تعزيزات عسكرية هائلة إلى داخل محافظة إدلب، شملت أكثر من 2500 عربة عسكرية تشمل دبابات ومدرعات ومدافع، بالإضافة إلى آلاف الجنود وعناصر القوات الخاصة، لكن المجال الجوي لإدلب ما زال المشكلة الأكبر أمام إطلاق العملية العسكرية التركية المنتظرة.
فمنذ بداية التصعيد، قتل قرابة 20 جندياً تركياً كان آخرهم ثلاثة أمس الخميس، و2 مساء الأربعاء، أغلبهم سقطوا في ضربات جوية نفذها النظام السوري، وهو ما يجعل من إمكانية بدء عملية عسكرية بدون غطاء جوي مخاطرة كبيرة بحياة مئات الجنود الأتراك في نقاط المراقبة.
والأربعاء، اعترف اردوغان بأن أكبر مشكلة تواجه قوات بلاده العاملة في إدلب السورية حالياً، هي عدم إمكانية استخدام المجال الجوي، واعداً بحل هذه المشكلة «قريباً»، بدون الكشف عن الآلية التي يمكن أن يتم من خلالها حل هذه المعضلة الكبيرة المتمثلة في تحييد طيران النظام وروسيا من جهة، وتأمين مجال جوي آمن للطيران التركي. وفي أول محاولة للتغلب على هذه المعضلة، زودت تركيا فصائل المعارضة السورية بصواريخ أرض جو محمولة على الكتف، وتمكنت هذه الصواريخ بالفعل من إسقاط عدد من الطائرات المروحية والاستطلاعية التابعة للنظام، ورغم أنها تمكنت من تحييد الطيران المروحي من أرض المعركة، إلا أنها لم تشكل أي تهديد للطائرات الحربية التي واصلت عمليات القصف بكثافة.
ولاحقاً، زودت تركيا الفصائل ببعض الصواريخ أرض جو حرارية شكلت تهديداً أكبر على الطائرات الحربية، حيث كادت على مدار يومين متتاليين أن تسقط طائرة حربية سورية وأخرى روسية، لكنه ثبت أيضاً أنها وسائل «مزعجة» لكنها غير قادرة على تحييد طيران روسيا والأسد. كما أرسلت تركيا كل الأنظمة التي تمتلكها والتي يمكن أن تساعدها في تحقيق هذا الهدف، وأبرزها أنظمة الدفاع الجوي التركية قصيرة ومتوسطة المدى وأنظمة التشويش وإعاقة تحرك الطيران المعادي في مناطق تفعيلها، لكن لم تظهر نتائج مطمئنة لهذه الأنظمة لحتى الآن.
وبالتوازي، بدأت تركيا في الشهر الأخير بالعمل مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من أجل تزويدها منظومة دفاعية من طراز باتريوت على وجه السرعة لمواجهة المخاطر القادمة من الأراضي السورية، دون الحصول على وعود قطعية حتى الآن. وبالحد الأدنى، تأمل تركيا أن تتمكن من الحصول على موافقة من الناتو لنشر منظومة باتريوت تابعة لإسبانيا ومتواجدة على الأراضي التركية من أجل نشرها في ولاية هاتاي على الحدود مع محافظة إدلب، على غرار ما جرى بداية الأزمة السورية حيث نشرت إيطاليا وإسبانيا منظومات باتريوت على الحدود مع سوريا.
كما طلب اردوغان في اتصاله الأخير مع ترامب تزويد بلاده منظومة باتريوت على سبيل الإعارة وعلى وجه السرعة، بعيداً عن الدخول في مشاورات مطولة لشراء المنظومة في الوقت الحالي، لكن اردوغان قال إنه ربما بحاجة إلى اتصال آخر مع ترامب لبحث تفاصيل وإمكانية المساعدة الأمريكية لتركيا في إدلب.
وفي خيار آخر، تتحدث أوساط تركية غير رسمية، عن أن اردوغان يبحث في خيارات غير تقليدية لتأمين أي منظومة دفاعية فعالة، وسط أنباء عن مقترحات بإمكانية الحصول على منظومة دفاعية بشكل عام من أوكرانيا التي زارها قبل أسابيع وعقد معها سلسلة اتفاقيات عسكرية ودفاعية وغيرها.
المصدر: القدس العربي