لا توجد في سوريا قوانين تحمي الملكيات الخاصة من بطش الدولة، فتأميم الممتلكات الخاصة وتحويلها إلى ملكيات عامة، هو أمر شائع الحدوث منذ عهد حافظ الأسد، ودائماً ما يتم تبرير الخسارات الفردية وتشريعها، بأن ذلك ما تقتضيه المصلحة العامة.
استمر هذا النهج في عهد الأسد الابن، وازداد تطبيقه بعد اندلاع الثورة السورية، حين استثمر النظام السوري نزوح عدد كبير من السوريين من المناطق التي كان يحاصرها ليستولي على أملاك السوريين فيها؛ ويغطي من خلال هذه الأملاك جزءاً من الديون المترتبة عليه للدول التي ساندته بحربه ضد شعبه الثائر.
مدينة القصير على الحدود السورية اللبنانية، تمثّل نموذجاً عن سياسة “التشبيح” هذه، حيث أُممت الأملاك الخاصة التي تعود ملكيتها لسوريين اضطروا لمغادرة المنطقة، ومنحها النظام لإيران وحزب الله. واليوم وصل الأمر ذروته، بعد أن قام النظام السوري بغض الطرف عن تمادي أذرعه الأمنية، التي شرعت بالاستيلاء على عقارات لا يزال أصحابها متواجدين داخل سوريا ويمتلكون كافة الوثائق التي تثبت ملكيتهم.
في العاصمة السورية دمشق، يخاف عدد كبير من أصحاب الأملاك من الإبقاء على عقاراتهم فارغة؛ حيث بات أي عقار فارغ اليوم هو صيد ثمين للأجهزة الأمنية والعسكرية، التي من الممكن أن يدخل عناصرها بصفتهم الأمنية إلى أي عقار فارغ ويستقروا فيه من دون أن يستطيع أحد ردعهم.
مواطن سوري من دمشق، يمتلك عقاراً في منطقة قدسيا بريف دمشق، روى ل”المدن”، كيفية استيلاء عناصر الأمن على عقاره قائلاً: “أقطن في منطقة الميدان ولدي عقار في منطقة قدسيا، لم أسعَ يوماً إلى تأجيره لرغبتي بتزويج إبني فيه. قبل أشهر علمت من سكان البناء في قدسيا أن عناصر الأمن قاموا باقتحام منزلي مرات عدة، وعندما راجعت الأفرع الأمنية في المنطقة أخبروني حينها أن سبب زياراتهم المتكررة هو شكوكهم بتواجد إرهابيين فيها”.
وأضاف” مع بداية الحجر الصحي أعلمني الجيران بنقل أحد هؤلاء العناصر عفش منزله وأمتعته إلى بيتي وسكن فيه، وعندما ذهبت إلى المنزل وطلبت منه المغادرة، هددني بصفته الأمنية وأرغمني على السكوت عن حقي، وبعد أن لجأت لفرع الأمن السياسي في المنطقة واستخدمت بعض الوساطات توصلنا إلى حل وسطي، حيث تم إجباري على تأجيره المنزل بعقد رسمي لمدة خمس سنوات بسعر بخس للغاية يبلغ 15 ألف ليرة سورية فقط، علماً أن إيجار المنزل يقدر اليوم ب175 ألف ليرة”.
يتكئ عناصر الأمن في تهديداتهم وسلبهم لممتلكات المدنيين على قانون “مكافحة الإرهاب”، الذي أصدره النظام السوري في عام 2012، والذي يشرع من خلاله مصادرة العقارات الخاصة بالمدنين؛ حيث تنص الفقرة رقم 19 من القانون بما يلي: “في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة”.
أحد المواطنين من دمشق استولى عسكري من قوات النظام على منزله في منطقة حرستا في ريف دمشق، التي شهدت في الأعوام السابقة صراعاً بين جيش النظام وقوات المعارضة المسلحة. ويقول المصدر: “كان هناك عسكري يقطن منزلي في حرستا ويرفض الخروج منه على مدى الأشهر الماضية، وعندما اشتد الجدال بيننا وهددته باللجوء إلى القانون لإخراجه، هددني برفع تقرير إلى الجهات الأمنية يفيد بأنني متورط بأعمال إرهابية حدثت في حرستا سابقاً وأنني كنت أؤي معارضين مسلحين في منزلي”. وتابع: “لذلك فضلت السكوت، لأن الأمر لو حدث سيتم اعتقالي، وسينتهي الأمر بفقداني لملكية جميع العقارات التي أمتلكها، وليس عقار حرستا الذي يحتّله فقط”.
أما أصحاب الرتب العالية في الجيش والأجهزة الأمنية، فهم يستولون على العقارات بشكل مباشر، من دون الحاجة إلى تهديد أو إلى دفع ثمن بخس لاستئجار العقار أو شرائه، وفي الغالب يقومون باختيار عقارات كبيرة وغالية في وسط المدينة وفي مناطق فاخرة.
وتروي مواطنة سورية موجودة في الامارات وتمتلك عقارات في منطقة البرامكة، كيف استولى أحد الضباط على شقتها قائلة: “أمتلك شقتين متجاورتين، أسكن لوحدي في أحدهما، والأخرى فارغة منذ أعوام. وقبل أربعة أشهر سافرت إلى دبي لزيارة ابنتي، وبسبب كورونا وتعليق السفر، اضطررت إلى البقاء في دبي لفترة أطول. وخلال تلك الفترة علمت من جارتي أن عناصر الأمن قاموا بتجديد الشقة الفارغة من الداخل. وقالوا إن الشقة أصبحت للمعلم”، في إشارة إلى الضابط الذي يترأسهم.
تلك التجاوزات والانتهاكات بحق ملكيات المواطنين، دفعت عدداً كبيراً منهم إلى تأجير بيوتهم أو بيعها بثمن بخس، بهدف حمايتها من بطش النظام وعدم تركها فارغة. ويقول مصدر في مجال العقارات من دمشق ل”المدن”، إن “معظم أصحاب العقارات يحاولون في الفترة الأخيرة إيجاد مستأجرين للبيوت التي يملكونها، ويؤجرونها بأسعار منخفضة للغاية، حتى بات البعض يؤجر عقاره الذي يُثّمن بما يزيد عن مئتي ألف ليرة سورية في السوق بمبلغ رمزي، يتراوح بين 10-30 ألف ليرة”.
وأضاف أن ذلك يحصل “وفقاً لمبدأ بات سائداً، أن فتح المنازل أمام العائلات المحتاجة لمأوى سيكون له أكثر من جانب إيجابي، فهو من ناحية سيساعد هذه العائلات على إيجاد مأوى بعد التضخم الكبير في أسعار العقارات في السوق، والتي لا تتوافق أبداً مع دخل المواطن السوري، ومن ناحية أخرى سيحمي هذه العقارات من بطش الأجهزة الأمنية”.
المصدر: المدن