مضت نحو 9 سنوات على الهجوم الذي استهدف مدينة مارع في ريف حلب شمالي سورية بالأسلحة الكيميائية، واستخدم في الهجوم وفق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية غاز الخردل السام، حيث خلصت المنظمة إلى أن تنظيم “داعش” هو من يقف خلف الهجوم على المدينة.
ولم توضح التقارير مصادر الأسلحة التي كانت بحوزة التنظيم حينها. وفي الخصوص بيّن رئيس مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية نضال شيخاني، لـ”العربي الجديد”، أنّ “التنظيم كان في مرحلة عصيبة في أثناء قصف التحالف الدولي (بقيادة واشنطن) والمواجهات مع الجيش الحر والفصائل”، قائلاً إنّ “إمكانية التصنيع واردة، لكن إمكانية حصول التنظيم على السلاح أو تسليمه كانت الأبرز”، ومشيراً إلى أنّ إمكانات تصنيع التنظيم للقذائف كانت محدودة، والقذائف التي وجدت في موقع الاستهداف حديثة التصنيع وفق ما أكد خبراء المركز، وهي من صناعة معامل الدفاع السورية.
وبحسب شيخاني، فإن استخدام تنظيم “داعش” للسلاح الكيميائي في مارع في 21 أغسطس/ آب 2015 “أتى للتغطية على جريمة الغوطة الشرقية في عام 2013، وقد استخدم التنظيم السلاح الكيميائي كأداة استراتيجية لتهجير سكان مارع، وهي الوسيلة نفسها التي استخدمها النظام السوري من خلال عملياته العسكرية بالسلاح الكيميائي على عدة مناطق وبلدات سورية”.
وبالنسبة إلى نوع الذخائر، أشار مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية إلى عمله على تحليل الذخائر المستخدمة في مارع، والذي أكد من خلال تقريره أن هذه الذخائر يعود تصنيعها وكفاءتها إلى معامل الدفاع التابعة للنظام السوري.
وسيلة خلط أوراق
وفق الباحث السياسي محمد المصطفى، لا يمكن للتنظيم وخلال فترة قصيرة أن يمتلك قدرات تمكنه من تصنيع غاز الخردل، مبيّناً في حديث لـ”العربي الجديد” أنه “لا يوجد عاقل في العالم يعتقد أن تنظيماً مثل تنظيم داعش لم يستقر لسنوات طويلة في المنطقة، بإمكانه إنتاج غاز الخردل السام، إذ إن هناك دولاً ذات إمكانات متقدمة عسكرياً لا يمكن لها تصنيع الغاز، بالتالي التنظيم زُوّد بالغاز، أي حصل عليه من قبل جهات أخرى، وهي إما أن تكون المليشيات الإيرانية أو عن طريق النظام السوري بوساطة أجهزته الأمنية”.
وأضاف المصطفى أنّ “افتراض امتلاك التنظيم لهذا النوع من الأسلحة أو قدرته على إنتاجه يدفع إلى استنتاج أن التنظيم قادر على استخدامه في عدة مواقع، وبالتالي كان أولى بالتنظيم أن يستخدمه وفق الفرضية ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، أو في معاركه ضمن سنجار في العراق وحتى ضد المليشيات العراقية، أو خلال مرحلة تقهقر التنظيم في سورية ضمن منطقة الباغوز”.
وقال المصطفى: “الواضح تماماً أنّ التنظيم حصل على الغاز السام من مليشيات تابعة للنظام أو أجهزة النظام الأمنية، وتزويد التنظيم بالسلاح هو لدفع شبهة استخدام هذا النوع من الأسلحة، ومحاولة خلط الأوراق بقضية الأسلحة الكيميائية في المنطقة، إذ إن هذا النوع من الأسلحة استخدم في المنطقة لعشرات المرات، لكن ما وثق منه، أو سجل، بضع عمليات فقط، وقوات النظام استخدمت الأسلحة عشرات المرات في أكثر من موقع وأكثر من معركة ولمدة طويلة”.
وتابع أنّ “التنظيم استخدم عدة قذائف، من ثم وراء هذا خطة مدبرة ومحبوكة لخلط الأوراق وإبعاد التهمة عن النظام، وتوجيه رسالة بأنه ليس الطرف الوحيد في سورية الذي يمتلك هذا النوع من الأسلحة، وبالتالي هذا يساعده كثيراً على التملّص ومحاولة اتهام الجهات الأخرى بامتلاك هذا النظام”.
واستبعد العقيد المنشق عن جيش النظام السوري، مصطفى بكور، خلال حديثه لـ”العربي الجديد”، أن يكون “داعش” قادراً على إنتاج السلاح الكيميائي بإمكانياته الذاتية، مضيفاً أنّ “الأمر يحتاج إلى مخابر وبرامج وتجهيزات وخبراء وبنية تحتية معقدة واستقرار أمني وعسكري وهو غير متوفر لأي من الفصائل خلال فترة الحرب.
وقال: “لا شك في أنّ التنظيم حصل على الأسلحة الكيميائية من جهة معينة، وعلى الأغلب هي مستودعات الجيش العراقي في الموصل، أو مستودعات جيش الأسد في الرقة ودير الزور وريف حلب الشمالي، ولا يستبعد أن يكون نظام الأسد، قد تعمّد إتاحة الفرصة للتنظيم بالوصول إلى سلاحه الكيميائي، لأنه كان يعرف حجم عداوة التنظيم لغيره من الفصائل وخاصة الجيش الحر”.
طرق التهريب وسيلة إيصال الأسلحة
وكان تنظيم “داعش” خلال فترة نشاطه ضمن سورية، يحصل على الأسلحة عبر طرق التهريب، وذلك من خلال النظام السوري، حيث بيّن مصدر ميداني لـ”العربي الجديد”، أنّ منطقتي بئر القصب وشعاب في ريف السويداء جنوبي سورية كانتا نقطتي تهريب أسلحة لتنظيم “داعش”، وعمليات التهريب في المنطقة كانت عملياً موجهة لتنظيم “داعش” ويشرف عليها ضباط في الجيش.
وذكر المصدر أنّ من بين المواد التي جرى تهريبها في المنطقة غاز السارين، وعمليات التهريب هذه جرت ما بين عامي 2014 و2015، مشدداً على أنّ المنطقة لم تكن منطقة نشاط لأي من فصائل الجيش السوري الحر حينها، وإنما كانت منطقة نشاط لتنظيم “داعش” حصراً وبعض مهربي الوقود والدخان.
وتوصل فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، في التقرير الرابع الصادر عن المنظمة يوم 22 فبراير/ شباط الحالي، إلى أسباب دفعته للاعتقاد بأنّ تنظيم “داعش” ارتكب هجمات بالأسلحة الكيميائية، حيث استخدم غاز الخردل السام في استهداف مدينة مارع في ريف حلب شمالي سورية عام 2015.
وأثبت فريق التحقيق المستقل، وفق ما قالت المنظمة في بيان لها، “أنّ الحمولة الكيميائية نُشرت عن طريق المدفعية من المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، حيث إنه لم يكن أي كيان آخر يمتلك الوسائل والدوافع والقدرات لنشر خردل الكبريت”.
ووفق استنتاجات الفريق، فإنّ الهجوم الذي نفذ في مارع لم يحدث إلا بناء على أوامر مباشرة من الفرع التنفيذي لتنظيم “داعش”، وتمكن فريق التحقيق “من ربط هياكل تنظيمية إضافية وأفراد إضافيين باستخدام ونشر الأسلحة الكيميائية من قبل التنظيم، بما في ذلك ديوان الجند التابع للتنظيم ولجنة التطوير والتصنيع العسكري، وتحديد ما مجموعه أربعة أفراد وردت أسماؤهم كجناية. وحُدد عضوان آخران من تنظيم “داعش” باعتبارهما المحركين الرئيسيين لبرنامج الأسلحة الكيميائية للتنظيم”.
المصدر: العربي الجديد