في أعقاب حرب أكتوبر 1973، والجدل حول عمليات التسوية السياسة للصراع العربي الإسرائيلي، بدأت بعض الأفكار داخل بعض الأحزاب السياسة الإسرائيلية السارية، نحو الدولة متعددة القوميات لحل المشكلة الفلسطينية، وهو ما رفضه اليمين الإسرائيلي، الذي ركز مع الولايات المتحدة الأمريكية على مفهوم السلام، وإقامة علاقات طبيعية مع مصر، بوصفها أكبر قوة عسكرية وسياسية في المنطقة العربية. من هنا طرحت أفكار من قبيل إنشاء مناطق منزوعة السلاح، يقام فيها مشروعات اقتصادية مشتركة بين البلدين. لم يكن اليمين الإسرائيلي مهتما أساسا بحل المشكلة الفلسطينية، وإقامة الدولة، وإنما طرح في مفاوضات كامب ديفيد، إعلان مبادئ عن حكم ذاتي غامض في صلاحياته، ولا يتجاوز اختصاصات روابط القرى بل أقل منها في هذا الصدد، وهو ما رفضته منظمة التحرير الفلسطينية، والدول العربية التي قررت مقاطعة مصر الساداتية، ونقل الجامعة العربية إلى تونس.
كان إعلان المبادئ حول الحكم الذاتي بعيدًا عن التجارب الدولية للحكم الذاتي للأقليات القومية على الصعيد الداخلي او الدولي على نحو ما تم للأكراد في العراق، وجنوب السودان قبل انفصاله، وتأسيس دولة مستقلة.
فكرة إنشاء الدولة متعددة القوميات كما طرحها “راكاح” لم تكن جزءًا من تفكير قادة إسرائيل وأحزابها السياسية، وذلك لأنهم يريدون الاستيلاء الكامل على الأراضي الفلسطينية من خلالها إستراتيجية الاستيطان، وتكثيفه في الضفة الغربية، ومواجهة الكثافة الديموغرافية الفلسطينية، سواء داخل أراضي 1948 أو المناطق التي تم احتلالها بعد عدوان 5 يونيو 1967 .ظلت غزة وكثافتها السكانية ، وثقافة الفلسطينيين التقليدية نسبيا تعتمد علي الدين في مقاومة إسرائيل ومن ثم نمي التيار الإسلامي من خلال منظمة حماس ، ومن ثم شكل القطاع عقبة كأداء في مواجهة سياسة التهجير القسري والاستيطان ، واعتبر بعض السياسيين الإسرائيليين وخاصة اليمينيين أن الأردن هو الوطن الطبيعي للفلسطينيين ! علي خلاف قرارات الشرعية الدولية.
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قرارا اعتبر الصهيونية إيديولوجية عنصرية ، ثم تم التراجع عنه فيما بعد بعد عمليات التسوية السياسية .
العقل السياسي الصهيوني المتطرف لايزال تهيمن عليه فكرة أرض الميعاد، والدولة اليهودية من النهر إلي البحر ! اعتمادا علي بعض الأساطير الدينية ، وفي ذات الوقت يمثل الإدراك السياسي لهؤلاء القادة عقبة لأنهم يعتبرونها مصدر خطر علي أمن الدولة والشعب الإسرائيلي .وذلك حتي مع ضمانات أمنية ، ومناطق منزوعة السلاح وفق بعض التصورات الأمريكية والأوروبية .
لاشك أن هذا النمط من الفكر الإستيطاني المتطرف يشكل عقبة إزاء مشروع تشكيل شرق أوسط جديد يقوم علي التعايش السلمي ، وضمانات أمنية للأطراف المختلفة .علي نحو ما حاولت السياسة الأمريكية القيام به وفشلت ! عدم إقامة دولة فلسطينية مستقلة بعد عدوان 5 يونيو 1967 ، هو جزء رئيس من نظرية الأمن الإسرائيلي، وفي ذات الوقت تعبيرا عن الهدف الأكبر المتمثل
فى تحويل إسرائيل إلى دولة إقليمية كبرى، مع إيران تركيا فى ظل تقدمها العلمى والتكنولوجى والاقتصادى. على أراضى 1967 المحتلة، وهو هدف بات راسخًا، مع التغيرات فى الجغرافيا السياسية الحزبية نحو اليمين، واليمين المتطرف. على الرغم من عملية أوسلو وإعلان المبادئ عن اقامة حكم ذاتى فلسطين فى الضفة والقطاع ذو طبيعة انتقالية، إلا أن السياسة الإسرائيلية كانت ضد إقامة دولة فلسطين مستقلة، ومنزوعة السلاح، وضد أن تكوين القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة. فى هذا الإطار كانت السياسة الإسرائيلية، تحاول دائما تأجيج الصراعات البينية بين السلطة الفلسطينية، وبين منظمة حماس –والجهاد الاسلامى-، والخلاف الأيديولوجي بينهما حول الدولة الفلسطينية.
أدى دعم إيران لحماس –من خلال التدريب والتسليح- إلى تقديم إسرائيل حماس كجماعة أصولية وإرهابية على نحو ما أخذت به دول أوروبية داعمة لإسرائيل، الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت مقاومة حماس للاستعمار الاستيطانى الاسرائيلى، وأيضا لسياسة الحصار الجوى والبحرى والبرى لقطاع غزة، والعقاب الجماعي جزء من العقبات ضد الشعب الفلسطينى على نحو أدى إلى تمدد إيديولوجية حماس الأصولية بين سكان القطاع، وأيضا داخل بعض السكان فى الضفة الغربية، بالنظر لعدم فعالية السلطة الفلسطينية، وشيخوخة كوادرها القيادية ، وخاصة تنظيم فتح ، وبعض من عدم الكفاءة في إدارة شؤون الضفة والسكان وتركيزها علي الأولوية الأمنية مع السلطة الإسرائيلية .
أدت المواجهات المختلفة بين إسرائيل وحماس إلى تكريس المنظمة كطرف فلسطينى فاعل، ويحمل إيديولوجية المقاومة الإسلامية، التى وجدت بيئية تقليدية حاضنة لها لها فى القطاع وتحولت إلى فكرة مقاومة، لدى السكان وبعض الأجيال الشابة.
لا شك أن منظمة حماس استطاعت أن تحقق الأغلبية فى المجلس الوطنى الفلسطينى، وهو مؤشر على تمدد أفكارها لدى الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، والضفة الغربية، مع نمو دور اليمن الدينى المتطرف، واليمين عموما . تحولت فكرة الدولة الفلسطينية، إلى جزء من اللامفكر فيه، على نحو ما تم فى أعقاب عملية طوفان الأقصى، تم السيوف الحديدية. باتت استراتيجية الحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو، هو القضاء على حماس وكوادرها وقياداتها، آيا كانت نتائج حرب الإبادة، والمذابح والتهجير القسرى، والتجويع للشعب الفلسطينى فى غزة. يحاول نتنياهو –لاسباب إيديولوجية وشخصية- خلق منطقة منزوعة السلاح فى القطاع، وقيام حكم عسكرى اسرائيلى -لمرحلة حتى يتم التفكير فى مستقبل القطاع. من هنا يبدو الخلاف بين الرئيس الامريكى بايدن، ونتنياهو حول الأعتراف بمشروع دولة فلسطينية فى الضفة القطاع، مع الاستيطان، وتكثيفه فى الضفة الغربية، ومواجهة مسألة كثافة الديموغرافية الفلسطينية، سواء داخل أراضى 1948، أو فى المناطق التى تم احتلالها بعد 5 يونيو 1967. وذلك في ظل ضمانات أمنية واسعة النطاق لإسرائيل ومرحلة انتقالية زمنية كافية . هذا الخطاب حول الدولة يطرح ولاتزال المجازر تتم في أراضي القطاع وارتفاع متزايد القتلى والجرحى ، وتقف الولايات المتحدة وبريطانيا ضد أي قرار لوقف اطلاق النار من مجلس الأمن الدولي .
خطاب بايدن عن الدولة والاعتراف بها –مع بعض الدول الأوروبية- لا يعدو أن يكون فكرة غامضة، غير محددة المعالم، ومحاولة استبعاد حماس والجهاد الاسلامى، فى مقابل إصلاح السلطة الفلسطينية، وتجديدها، لكى تستطيع إدارة شئون قطاع غزة!
الإدارة الأمريكية، لا تمارس أى ضغوط على الحكومة الإسرائيلية باستثناء عدم تمديد الحرب إلى لبنان، أو مناطق أخرى فى ظل سقوط مفهوم وحدة الساحات المقاومة لإسرائيل لان إيران لا تريد اتساع الحرب، والانخراط فيها، حتى لا تستفز الولايات المتحدة الأمريكية، وتتدخل فى حرب إقليمية واسعة النطاق.
المفاوضات غير المعلنة لا تشير إلى تبلور مفهوم الدولة، والمراحل الانتقالية، حتى اعلانها على خريطة الجغرافيا السياسية الإقليمية للشرق الأوسط.
رفض نتنياهو، واليمين الاسرئيلى، والمتطرف لإقامة الدولة من المرجح أن يستمر حتى نهاية الحرب العدوانية الوحشية على الشعب الفلسطينى.
من هنا تنتظر المنطقة، نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولجنة التحقيقات التى ستتم لتحديد مسؤولية القيادات الإسرائيلية عن صدمة طوفان الأقصى، وخاصة قادة الجيش، والشاباك، وأمان ونتنياهو ، والموساد ، واحتمال الدعوةلانتخابات إسرائيلية جديدة.
وهو ما يجعل مشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية غامضا وشعاريا طالما لم تضغط الإدارة الأمريكية بقوة على الحكومة اليمينية، ومعها دول الاتحاد الأوروبى، وسيغدو رهينا للانتخابات فى إسرائيل، والولايات المتحدة، والمرجح أن ثمة رفضا لها، بعد الأزمة الوجودية لإسرائيل الدولة والمجتمع، فى أعقاب صدمة طوفان الأقصى، والكفاح الوطني الفلسطيني تجاه العدوان والحرب الإسرائيلية ومجازرها إزاء المدنيين.
المصدر: الاهرام
قراءة موضوعية وموثقة تاريخياً لحل الدولتين ، منذ القرار الأممي 181 لعام 1947 لتاريخه ، حل الدولتين كلمة حق يراد بها الباطل ، لماذا الانتظار لأكثر من خمسة وسبعين عاماً على القرار الأممي ، لماذا لمينفذ ؟ جواب السؤال نعرف الغاية من طرحه الآن .