أهوال السابع من أكتوبر لم تحدث من فراغ – فلماذا أصبح قول ذلك غير ممكن؟

ألان رسبريدجر

معاداة السامية حقيقة واقعية لكن هذا لا يجب أن يمنعنا من الاعتراف بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تضم مجرمين ومتطرفين وطغاة ليست لديهم مصلحة في حل سلمي للمسألة الإسرائيلية-الفلسطينية؟

هل أتتكم الرغبة خلال الأسابيع الأخيرة في إطلاق الشتائم عند تفكيركم بإسرائيل؟ وفي حال التفكير بــنتنياهو، ألا تتبادر إلى الذهن شتائم أقوى حتى؟

لتعزيتكم ربما، أوردت تقارير أن بعض الأفكار القذرة بالقدر نفسه راودت الرئيس جو بايدن حول رئيس الوزراء الإسرائيلي. ويُقَال إنه وصفه بأنه “رجل لعين شرير” و”حقير”. هذا أكثر من كافٍ لتعليق عضويته في حزب العمال البريطاني لو كان ينتسب إليه.

وبعدما قتلت إسرائيل ما يصل إلى 28 ألف شخص (عدد سكان تشيتشيستر تقريباً) انتقاماً للفظائع التي ارتُكِبت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تستعد لشن هجوم على رفح، وهي منطقة في غزة تؤوي حالياً حوالى 1.5 مليون رجل وامرأة وطفل.

ما الذي يمكن قوله في هذا السياق؟ دعا أكثر من نصف البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة إلى وقف لإطلاق النار في غزة خلال شهر تقريباً بعد السابع من أكتوبر. وكذلك فعل البابا ورئيس أساقفة كانتربري [أعلى سلطة دينية في المملكة المتحدة]. لكن ثمانية من أعضاء حزب العمال أُقِيلوا فعلياً من الحزب لمطالبتهم بالأمر نفسه في الـ15 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وظن المدافع الكبير عن حرية التعبير، توبي يونغ، بأن من المعقول حظر أي شخص يستخدم عبارة “من النهر إلى البحر” على “تويتر”/ “إكس” على أساس أن الكلمات تعني محو دولة إسرائيل. حتى إن بعضهم اعتقد بأن الهتاف بذلك يستحق محاكمة مطلقيه. ومع ذلك، أعلن نتنياهو أخيراً أن إسرائيل “يجب أن تكون لها سيطرة أمنية على كامل الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن” – وبذلك القضاء على فكرة وجود دولة فلسطين. هل إحدى الفكرتين مقبولة لإعلانها والأخرى لا؟

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمجلس الأمن الدولي أواخر أكتوبر إن الهجمات التي شنتها حركة “حماس” “لم تحدث من فراغ” – وطالبته إسرائيل على الفور بالاستقالة. كان ما قاله غير مقبول للقول. لكن هل يعتبر أي شخص عاقل أن بالإمكان البدء بفهم الأحداث المروعة التي وقعت في السابع من أكتوبر من دون النظر إلى 56 عاماً من التاريخ سبقتها؟

في أعقاب المذبحة التي ارتكبتها “حماس”، وجدتُ نفسي أستمع باهتمام إلى التدوين الصوتي (البودكاست) المتعدد الحلقات الذي كرسه الصحافي في “نيويورك تايمز” عزرا كلاين للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. منذ أوائل أكتوبر الماضي، استمعت إلى ما لا يقل عن 13 حلقة – مدة كل منها حوالى ساعة – تعمق فيها كلاين أكثر من أي وقت مضى في ماضي هذه المنطقة المضطربة وحاضرها ومستقبلها. وعلى وجه التحديد، فعل ما استنكرته إسرائيل في قول الأمين العام للأمم المتحدة: لقد ذهب يبحث عن السياق والفهم.

قبل عيد الميلاد مباشرة، تأمل كلاين في الطريقة التي غيّرت فيها محادثاته حتى الآن تفكيره في شأن إسرائيل. قال: “لست متأكداً من أن إسرائيل تجعل الشعب اليهودي أكثر أماناً، وفي الواقع، أشك في ذلك إلى حد ما”.

وتابع متأملاً “أنا يهودي. هل أشعر بالأمان؟ هل أشعر بأن معاداة السامية تراجعت في العالم الآن بسبب ما يحدث هناك، أم يبدو لي أن ثمة موجة هائلة من معاداة السامية، وأن اليهود أنفسهم في أماكن غير إسرائيل معرضون إلى ما يحدث في إسرائيل؟… إن إسرائيل مكان من المحتمل، في بعض الظروف، أن يحمينا. لكنها أيضاً، في ظروف أخرى، مكان يمكن أن يعرضنا لخطر”.

هناك درجة من الدقة والصدق الصريح في هذا الرد الذي أجده نادراً في النقاش البريطاني الذي يتطلب من المرء، في شكل قابل للتوقع في صورة مرهقة، أن ينحاز في شكل لا لبس فيه. أو يتطلب، في كثير من الحالات، “الوقوف إلى جانب إسرائيل”.

وينطبق الشيء نفسه على حلقة أخرى تحدث فيها نمرود نوفيك – أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز وعضو ما يُسمَّى “قادة أمن إسرائيل” – عن سياق هجمات السابع من أكتوبر. هذا صحيح – الرغبة نفسها في الفهم التي أدت إلى اتهام غوتيريش بـ”التحيز والكراهية” ومطالبته بحزم حقائبه.

ألقى تحليل نوفيك باللوم الشديد على الفشل الذريع وعدم الجدوى اللذين يسمان سياسة الاحتواء الإسرائيلية المفترضة. كان لاذعاً في شأن نتنياهو، ومستنكراً الضم “السريع” للضفة الغربية من قبل المستوطنين، ويائساً من “خنق” الحكومات الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، وصريحاً حول سياسة نتنياهو المتعمدة لتمويل “حماس” – “35 مليون دولار شهرياً تأتي في حقائب”، وفق وصفه.

ومضى أبعد من ذلك – شجب اثنين من أعضاء حكومة نتنياهو الائتلافية ووصفهما بأنهما “مجنونان”. ونعت وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بأنه “بلطجي شوارع” ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأنه “ينفذ أجندة مروعة في الضفة الغربية” – تتلخص، في الواقع، في حل الدولة الواحدة “القريب من الفصل العنصري”.

لم يقاطع كلاين نوفيك ليطالبه بإدانة “حماس” – إدانة هي العنصر الأساسي في عدد من المقابلات البريطانية – ولم يشِر إلى أن نوفيك كان يبدو أنه يبرر مذبحة السابع من أكتوبر. كان من الممكن أن يكون ذلك سخيفاً لأن مجموعة “قادة أمن إسرائيل” التي تضم نوفيك، هي مجموعة مختارة من الأعضاء المتقاعدين في مؤسسة الدفاع في البلاد (جيش الدفاع الإسرائيلي وشين بيت وموساد والشرطة الإسرائيلية).

لكن هل يجب أن يكون المرء صقراً أمنياً في صورة قاطعة قبل أن يصبح قادراً على النطق بما لا يُسمح قوله عادة؟ ربما يتطلب الأمر أن يشير كاتب عمود إسرائيلي، روجيل ألفر، إلى “الفردية التاريخية” لنتنياهو – الرجل الذي “كسر تماماً قواعد كل من الديمقراطية والديكتاتورية، وخلق هجيناً ينظر إليه العالم كله في يأس، وهو غير قادر على التعامل معه بفاعلية”.

هناك بالطبع معاداة حقيقية ودنيئة للسامية. ثمة حقاً متعصبون سيصدقون أي نظرية مؤامرة سخيفة حول إسرائيل. دينوهم، علقوا عملهم، همشوهم.

لكن كما يقول نمرود نوفيك: الحكومة الإسرائيلية الحالية هي حكومة تضم مجرمين ومجانين ومتطرفين وطغاة ليست لديهم مصلحة في حل سلمي للمسألة الإسرائيلية-الفلسطينية. ومن المؤكد أن أهوال السابع من أكتوبر لم تحدث من فراغ.

أن نقول ذلك ليس من قبيل “معاداة إسرائيل” ولا “معاداة الصهيونية”، ناهيك عن معاداة السامية – لكن هذه العبارات الثلاث تُدمَج معاً في صورة عرضية بعض الأحيان.

في الوقت نفسه، نراقب بلا حول ولا قوة – لكن آمل في ألا نفعل ذلك بصمت – في حين يُطلَق العنان لشيء مثل “مذبحة” على غزة. أنا أستخدم كلمة قالها هذا الأسبوع نائب البابا، الكاردينال بيترو بارولي. وغني عن القول إنه تعرض لتوبيخ فوري من قبل إسرائيل. إنه أمر لا يُسمح بقوله، كما ترون.

 

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بروباغندا معاداة السامية أصبحت معلق على رقاب الجميع علماً بأن العرب هم أساس الساميين واليhود القادمين من اوروبا وأثيوبيا ليس ساميين، والأباراتهايد التي مارسته وتمارسه الحكومة الصhيونية بقيادة نتNياهو وبن غاVير هي التي جاءت بطوفان الأقصى ، وماتمارسه حالياً بغزة يفوق الإبادة الجماعية والHلوكست الفلسطيني ، فهل من يوقف هذا الإجرام والإرهاب ؟.

زر الذهاب إلى الأعلى