“الحوار مقدمة العمل والديمقراطية غاية وطريق” تحت هذا العنوان كتب الدكتور جمال الأتاسي يوماً ما، في ثمانينات القرن الفائت كراساً سُمي (كراس الحوار) بحث فيه احتمالات وإمكانيات الحوار، بل وضرورته، واستطاع من خلال هذا الكراس أن يعيد بناء وتكوين المعارضة السورية الديمقراطية، ويعيد لملمة صفوفها، واستحضارها إلى مكان تقاربي، وهو ما سمي فيما بعد (التجمع الوطني الديمقراطي) فهل ما زلنا نحمل نفس المقدمات، ونفس الإمكانيات، ونفس النتائج؟ وهل الضرورات مازالت هي نفسها الآن كما كانت في تلك المرحلة؟ والجواب هو: نعم إذ أن الاعتقاد وبكل وضوح وصراحة، أن كل المقدمات وكل الضرورات مازالت هي نفسها، وتحمل احتمالات وإمكانيات، بل وضرورات، وأهمية الحوار الوطني الديمقراطي من جديد، وهو ما يفترض بالضرورة أن يعمل عليه الجميع بلا استثناء، أي كل القوى الوطنية الديمقراطية وكل قوى الثورة الوطنية الديمقراطية في سورية، وفي سواها في أقاليم الوطن العربي، من أجل إعادة بناء صرح جديد من الديمقراطية والعمل الوطني الديمقراطي لا يستثني أحدًا ولا يُقصي أي جهة أو تنظيم.
ورب قائل يقول هل سيكون الحوار من أجل الحوار؟ وهل يمكن أن نستمر بالحوار فقط بدون ان يتقدم هذا الحوار خطوات إلى الأمام؟ والقول الموضوعي يؤكد بكل هدوء وصراحة على أن الحوار بحد ذاته هو تقدم إلى الأمام، وبمجرد ممارسة الحوار وإشاعة طقس الحوار يعني أن الجميع يمسكون بناصية التفاهم والتقدم ومن ثم تلاقح الأفكار والموضوعات والقضايا والأطروحات، وبالتأكيد فإن الحوار يَفترض أن يعيد إنتاج المسائل التي يمكن أن يكون الخلاف عليها، وأن يعيد بناء تكوينات فكرية سياسية جديدة متطورة، وتواكب ما يجري في الآن المعاصر وفي مستقبلات الأيام، لكن وبنفس الوقت فإن مجرد الاستمرار بالحوار يعني أننا نتقدم، أن نستمر ضمن قناعة التواصل الحواري وعبر جلسات حوارية لا تنقطع، يعني أننا في الطريق الصحيح الذي يتطور ويتقدم ويحمل داخله إمكانية التطور والتقدم والبناء.
ولضرورات الاستمرار في ثورة الحرية والكرامة وباعتبار أن (الثورة هي الوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها الشعوب، أن تخلص نفسها من الأغلال التي كبلتها، ومن الرواسب التي أثقلت كاهلها فان عوامل القهر والاستغلال التي تحكمت فيها طويلاً، ونهبت ثرواتها، لن تستسلم بالرضا، وإنما لا بد لقوى الوطنية والثورة، أن تصرعها وأن تحقق عليها انتصاراً حاسماً ونهائياً) كان لابد من الإمساك بديناميات الحوار الجدي.
وتأسيسًا على ذلك كان لابد من إعادة طرح مسألة الحوار المنفتح والحقيقي بين كافة أطياف السوريين، حتى ضمن لون الطيف الواحد، من منطلق أن الحوار بحد ذاته يعتبر خطوة إلى الأمام، وتحريك للمياه الراكدة، وإعادة إنتاج جديد للكثير من المسبقات والأطروحات والرايات، التي من الممكن أن يكون الزمن قد تجاوزها، وأن المياه الكثيرة التي جرت تحت الجسر، لابد وأنها قد أخذت معها العديد من المتغيرات، التي علاها الصدأ، وأصبحت عقبة كأداء في طريق الإنجاز، بدلًا من أن تكون حافزًا وهاديًا للتقدم والتطور وحسن الأداء. ويبدو أن واقع السوريين الصعب للغاية هذه الأيام، وعلى كل الصعد السياسية والاقتصادية، الأمنية والعسكرية والاجتماعية أيضًا، تدفعنا جميعًا إلى إعادة صياغة محددات لا غرو أنها ضرورة وتهيئة للقادم من الزمن ودفعًا إلى اشتغال جدي على إنتاج عقدٍ اجتماعي سوري، يلامس جميع الآمال التي عقدت عليها بناءاتها ثورة الحرية والكرامة، وهي تتحرك بملايين الجماهير السورية، أملُا بالخلاص من الاستبداد والطغيان الأسدي، واشتغالًا أكيدًا لا حياد عنه، نحو دولة المواطنة وسيادة القانون انجازًا لثورة الحرية والكرامة المفتقدتين في ظل نظام الأسد، منذ سبعينات القرن الفائت وصولًا إلى ما فعله بشار الأسد وحلفائه بالسوريين، من مقتلة مازالت مستمرة منذ ما يقرب ١٣ سنة مضت لكنها لم تنقض .
إن إعادة التأسيس اليوم لحراك حواري جاد يدرك مسؤولياته ومهماته، ويعمل بحق من أجل لمِّ الصفوف وإنهاء حالة التشظي المستفحلة والمستشرية كمرض، طالما عانت منه قوى وأحزاب وفصائل السوريين على مدى عقود زمنية متوالية.
إنما يدعونا ذلك للحركة الفعلية والجادة ولم الصفوف، وانبعاث حركة وطنية سورية واحدة تجمع ولا تفرق، تتوافق مع بعضها ولا تقبل التشظي، بل تعمل وفق منجزات العمل الوطني الديمقراطي الطالع من حيثيات العمل الوطني السوري الجامع الذي يرفض الفرقة والتبعثر، خاصة ونحن نحتفي بذكرى وحدة ال ٥٨ التي تجاوز عمر انطلاقتها السنة السادسة والستين.
نعود للقول سيبقى الحوار الوطني السوري ضرورة ضمن المهام الوطنية المطروحة، في ظل ما يجري في الإقليم والمحيط العربي من هجمة صهيونية نازية على أهل غزة، ودمار مسكوت عنه غربيًا وعربيًا، ينبيء بتغيرات كبرى ستطال المنطقة برمتها.
بعد مرور 13 عام على الثورة السورية، على نخبنا الوطنية الثورية االعمل من أجل مستقبل ثورتنا والوطن، إنطلاقاً من إن الحوار مقدمة العمل والديمقراطية غاية وطريق، من الحوار الوطني المنفتح والحقيقي بين كافة أطياف وشرائح الشعب السوري من منطلق أن الحوار بحد ذاته يعتبر خطوة إلى الأمام ، ولأنها ضرورة ضمن المهام الوطنية المطروحة والمتغيرات على الساحة الوطنية والإقليمية .