سمير لوبه كاتب مصري متميز، له العديد من الانتاج الادبي…الوعد والمقسوم رواية سمير اوبه التي أقرؤها تعتمد أسلوب السرد على لسان علام الشخصية المحورية فيها. كما أنها تعتمد تقنية الخطف خلفا السينمائية في سردها. كذلك التداخل في سرد أحداث الرواية بين عصرين ؛ الماضي منذ خمسينات القرن الماضي. والحاضر في العقد الاول في القرن الواحد والعشرين…
علام ابن الاسكندرية يصل الى مطار الإسكندرية قادما من أمريكا بعد رحلة امضى فيها هناك حوالي العشرين عاما. علام أصبح في الثمانين. يتوكأ على عصاه، يفكر كيف مضت حياته بين الإسكندرية والغربة في أمريكا، حيث ترك وراءه رفات زوجته وابنه وابنته وعائلتها…
يتجول علام في الاسكندرية يتابع المتغيرات التي أصابتها بغيابه. ويتابع في ذات الوقت في ذاكرته رفاق رحلة الحياة التي عاشها بين أهله وناسه في الإسكندرية…
يبحث عن اصحابه او من تبقى منهم ومن اولادهم او احفادهم، يصل لابن احد اصدقائه محامي. يستعين به على تسيير أموره. فتح بيته المغلق وإعادة تأهيله، وفي ذات الوقت يسوح ذهنيا مع رفاق حياته الراحلين…
كانوا ثلاثة، جميعهم من الكادحين، يعملون في أعمال مختلفة في الاسكندرية حيث يتكاثر فيها الأجانب المتواجدين فيها منذ عشرات السنين.
اليونانيين الذين كانوا قد هربوا بحياتهم ولجأوا الى الإسكندرية منذ الحرب العالمية الثانية هربا من النازيين الألمان. استقروا في مصر وبنوا أعمالهم اليدوية التي يتقنوها، واصبحوا جزء من نسيج المجتمع والحياة. تحتوي الاسكندرية الكثير من الآخرين الاجانب غير المصريين، الذين وجدوا فيها فرصة العمل والاحتضان والأمان وتأمين لقمة العيش. علام واصدقاؤه يعملون هذا مع معلم -اسطى- يوناني في مكوى وذاك في السوق، والكل يركض لتحصيل لقمة عيش تسد الرمق، وتستر الحال، وتفتح آفاق المستقبل ليجد كلا منهم ابنة الحلال التي غالبا ما تكون ابنة الحي، يراها وهي تكبر، يكبر حبها في قلبه، وسرعان ما يطلبها أهله من أهلها. ويبنون اسرة وينجبون اولادا، يكررون بها حياة اهلهم. ينجبون الأولاد ويكدحون ليؤمنوا لهم لقمة عيش و بيت يأويهم وحياة فيها الحب والكرامة الانسانية مصانة…
تكشف مراجعة علام لحياته واصدقائه عبر اكثر من خمسين عاما أن الحاضر الاقوى في الحياة هو الحب بصفته تلك الجذوة التي تهيمن على روح صاحبها ويعمل سواء كان ذكرا أو أنثى ليعيدوا سيرة ابونا آدم وامنا حواء، إعمار الأرض بالأبناء والأعمال. كما يظهر غلبة الجانب الخير في أغلب من استعادهم علام من ذاكرته، ولكن مع ذلك تحوي الحياة ذاتها ما يجعلها غير مكتملة الوفاء للإنسان. هناك الموت الذي يصيب العزيز أب وأم واحيانا الاخوة والابناء. ومع أن الموت قانون الله في الكائنات الحية ومنها الإنسان. يقبلها ويتفهمها، لكنها تحزنه كل الوقت. الحياة حلوة ويحبّ من تذوقها أن يحتفظ بها. كما أن في الحياة بعض الشر من البعض المتربص في حياة الآخرين ، هناك من يستودع ممنوعات عند أحد شخصيات الرواية، لتضبط عنده ويسجن لأكثر من عقد من السنين. وكذلك الظلم الذي أصاب احداهن فضربت الشرطي الذي خرّب عليها بسطة البيع المتواضعة بمطواة واردته قتيلا لتعيش في السجن لأكثر من عقد ايضا. هذا غير معاناة صنوف الحياة. فذاك الذي يصاب بحادث سير ويصبح قعيدا لتخدمه اخته عقود حتى يموت، وهي تلك الفتاة التي ربطت حياتها بحبيبها لعقود. ويتزوجوا بعد ذلك ليكون قدر الله عبر الزلزال المدمر الذي أصاب الاسكندرية ويموتوا مع الكثيرين ممن ماتوا جراءه. هي الحياة تخفي في أيامها الجديدة الكثير من المستجدات الجيد والسيء. ولكن الاهم ان الكل ابناء الاسكندرية يناوشون الحياة لتأمين لقمة عيش وحياة افضل.
الجانب العام حاضر في الرواية كخلفية تؤطر الزمان الذي يعيشه الناس، مع ما ينعكس عليهم هذا الجانب العام على كل المستويات…
تتحدث الرواية عن ثورة عبد الناصر ورفاقه في الخمسينات من القرن الماضي، وإسقاط الملكية في مصر. لم توضح ضمنا دور الثورة في تحرير مصر من المستعمر الانكليزي. لكنها تتحدث عن تأميم عبد الناصر لقناة السويس وأن مصر لن تستسلم للعدوان الثلاثي وقتها من انكلترا وفرنسا والكيان الصهيوني. كما تمر على الوحدة السورية المصرية، وأن هناك اختلاف ما، يوحي بعد ذلك بحصول الانفصال. وكذلك إحضار بعض الشهداء من الجنود الذين قاتلوا في اليمن ضد الملكية مناصرين للثورة اليمنية. كذلك يتابعون التصعيد مع اسرائيل قبل معركة حزيران ١٩٦٧م والهزيمة. كذلك تنحي عبد الناصر عن الحكم وعودته عن التنحي بناء على مطالبة الجماهير. ووعده بأن يسترد سيناء التي احتلها الصهاينة: ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. كما قال عبد الناصر. لكن الموت يسبق إليه. ويحضر السادات رئيسا جديدا. ويتم عبور خط بارليف الحصين بسيناء في رمضان ١٩٧٣م ويرى المصريين أنهم استعادوا كرامتهم. كما تومئ الرواية عن انفتاح العلاقات بين أمريكا ومصر. لا تقترب الرواية من الصلح مع العدو الصهيوني وكامب ديفيد ولا عن مقتل السادات. وتذكر الرئيس مبارك عندما تعهد بمساعدة منكوبي الزلزال المدمر الذي أصاب الإسكندرية، كما تومئ الرواية لأحداث عام ٢٠٠١ وضرب أمريكا حيث يقتل ابن علام نتيجة الضربة. وكذلك احتلال العراق من قبل امريكا عام ٢٠٠٣م…
المهم ان الجانب العام من سياسة الدولة عبر عقود يكاد يكون غائبا في حياة الناس في الرواية… فحياة الناس تسير دون اي اثر لحضور الدولة والسلطة…
تنتهي الرواية بوفاة علام نفسه. وتركه لبيته وتراثه والأجندة -دفتر المذكرات- التي كتب بها رحلة عمره أمانة عند ابن صديقه المحامي…
وتستمر الحياة…
في التعقيب على الرواية اقول:
نجحت الرواية في اخذي كقارئ إلى عوالمها الداخلية بحيث اصبحت جزء من شخوصها. تعايشت مع عمر علام المديد وذاك الصديق الذي سجن ظلما والآخر الذي تأخر بزواجه لعقود تعبيرا عن وفائه ووفاء حبيبته… الخ.
كما نجحت الرواية في تنوير حياة الإنسان المصري الذي يكدح ويعمل بكل مصداقية ليبني حياة تسد الكفاف. لكنها تؤمن مناخا للحب والزواج وإنجاب الأولاد وخلق حميمية مجتمعية مع المحيط…
يؤلمنا هذا الواقع القاسي اقتصاديا والذي لم يظهر أي متغير له علاقة بالدولة لتحسين شروط عيش الناس عبر عقود. بل على العكس نرى نقدا حادا على تحديثات وتخريب في الإسكندرية الخازنة لآلاف من السنين كتراث وآثار واوابد خالدة، معبرة عن العابرين منها واليها منذ اسكندر الاكبر مؤسسها…
اختم أن الأدب والرواية بالذات مهمتها أن تعيد تنشيط ذاكرة الناس بما عاشوه الأمس واليوم وما سيعيشون غدا… لكي لا ننسى. ودورها ايضا الانتصار لقيم الخير والحب والعمل والكرامة الانسانية والعدالة كقيم تعني انسانية الانسان في كل زمان ومكان…
الوعد والمقسوم قاربت هذه المطالب بكل مصداقية وشفافية ووفاء…
قراءة وازنة ممتازة
شكرا جزيلا أستاذ أحمد العربي
رواية “الوعد والمقسوم” للكاتب المصري “سمير لوبه” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من قبل الكاتب ” احمد العربي” تتحدث الرواية عن علام الإسكندراني بعد عودته للإسكندرية بعد غياب عشرين عاماً بأمريكا ينقل الوضع الاجتماعي والآقتصادي .