أثارت دعوة الفنان السوري سميح شقير، إلى التقارب بين الحراك في محافظة السويداء جنوبي سوريا، ومشروع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) جدلاً ومخاوف خلال الأيام الماضية، ورود أفعال واسعة من أبناء السويداء، ترفض أي نوع من هذا التقارب، على اعتباره “بوابة لعداء” مع بقية السوريين، وتمهيدا لاعتبار المحافظة “جزيرة معزولة” عن محيطها.
ومنذ أكثر من 5 أشهر، يواصل أهالي السويداء انتفاضتهم السلمية، التي اندلعت بسبب تدهور الوضع المعيشي والأمني، للمطالبة بإسقاط النظام السوري وخروج إيران من البلاد باعتبارها محتلة، وتطبيق القرار الأممي 2254، الذي يضمن تحقيق انتقال سلمي للسلطة عبر انتخابات ديمقراطية بإشراف الأمم المتحدة.
وتزامناً مع حملة إعلامية لـ”قسد” تدعو حراك السويداء للتحالف معها، لقاء إغراءات كثيرة، منها الحصول على النفط، نشر سميح شقير منشوراً على صفحته في “فيس بوك”، رأى فيه أن خيار التقارب مع “قسد” ممكن في ظل ما اعتبره “ارتهانا لفصائل شمال غربي سوريا لتركيا”، وذلك بالرغم من أن قسد تنادي بمشروع انفصالي عن سوريا، وترحب علانية بالتفاوض مع النظام السوري، كما يؤكد ناشطون أنّ قسد مرتهنة لأميركا ولها دور في سفك الدم السوري.
من يروج للتقارب مع “قسد”؟
ظهرت دعوات التقارب بين حراك السويداء، ومشروع قسد، من دون سابق إنذار، بالرغم من أن المتظاهرين في المحافظة أكدوا على رفضهم لمشاريع الانفصال أو التقارب مع “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”قسد”، حيث اعتبروها “قارب نجاة للنظام السوري وليس للسويداء”.
مصادر محلية في محافظة السويداء، ذكرت لـ موقع تلفزيون سوريا، أن الغالبية العظمى من المشاركين في الحراك السلمي يرفضون أي تقارب مع “قسد”، لكن وفي الوقت نفسه، هناك عدد قليل يسعون بقوة لنشر فكرة التنسيق مع “قسد” بين المتظاهرين، وهم من المحسوبين على حزب اللواء، والتيار السوري الفيدرالي المشكّل حديثاً.
وقالت المصادر، إن حزب اللواء يديره شخص مقيم في فرنسا يدعى مالك أبو خير، بينما لم تتوضح معالم التيار السوري الفيدرالي، علماً أن أفكار الطرفين متطابقة من ناحية المطالبة بالتقارب مع “قسد” وتشكيل كيان انفصالي لمحافظة السويداء.
وتعرّض أعضاء هذين الحزبين للطرد من ساحة المظاهرات في السويداء لأكثر من مرة، لأن كافة القائمين على الحراك يرفضون بالمطلق دعوات الانفصال أو “الإدارة الذاتية”، كما أن الحركة الشبابية السياسية، والفئة الممثلة للحراك (الكتلة الوطنية) ترفضان الجلوس على طاولة واحدة مع الحزبين المذكورين.
ويستغل حزب اللواء، والتيار السوري الفيدرالي، حاجة السكان المادية من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن لصفوفهما، وإغرائهم بالأموال التي تصل من الداعمين لهما في الخارج، من خلال تخصيص رواتب شهرية للمنتسبين.
جدال ورود فعل على دعوة سميح شقير
لم يمض وقت قصير على نشر سميح شقير لمنشوره الداعي إلى التنسيق مع “قسد”، حتى بدأت الردود عليه من أبناء السويداء نفسها، حيث ذكر الكاتب ماهر شرف الدين، أن سميح شقير يبرر ويدعو بشكل غريب للموافقة على “الاتحاد مع مناطق قسد”.
وطالب شرف الدين، الفنان شقير بـ “التفكُّر في عواقب مثل هذا المشروع الخطير والمحكوم بالفشل، والذي سيحوّل محيطنا المحتضن لنا إلى محيط مُعادٍ لنا مقابل أوهام ووعود فارغة تنشرها الدعاية “القسدية”، ناهيك عن تدمير صورة الحراك الثوري المشرّف في السويداء، والذي أعاد وصل ما قطعه نظام الأسد بين المناطق والمكوّنات السورية”.
وكتب معلّقون على منشوري ماهر شرف الدين، وسميح شقير، آراءهم المتباينة، إذ رأى أحدهم أن “مشروع الإدارة الذاتية على نمط قسد أو مسد هو مشروع انفصالي ولا يمت بشيء لنظم الإدارات الذاتية على النمط الأوروبي الحضاري”، كما ذكر آخر أن “قسد تملك مشروعاً استيطانياً وجودياً، لا علاقة له بمبادئ الثورة ولا يعنيها إجرام آل الأسد إذا كان في صالح دولتهم المنشودة”.
“مشروع نصب واحتيال لتوريط المجتمع”
لم يكن منشور سميح شقير أول شرارة بما يخص دعوات التنسيق بين حراك السويداء ومشروع قسد، حيث نشر الكاتب ماهر شرف الدين المنحدر من السويداء أكثر من حلقة على صفحاته الشخصية، أكد فيها أن “مشروع قسد الذي يتم الترويج له من قبل قلة قليلة في السويداء، يستثمر باليأس، حيث جنّد المشروع بعض الأشخاص للترويج له وتوريط المجتمع، بدعوى أنه حبل الخلاص، بينما هو مشروع نصب واحتيال”.
ويحاول أنصار “قسد” إغراء سكان السويداء، بأن مجرد التنسيق معها سيوفّر النفط في السويداء، على اعتبار أن حقول النفط السورية تقع تحت سيطرتها، لكن “شرف الدين” شدد على أن هذه الوعود “وهمية وغير قابلة للتطبيق”.
وتساءل شرف الدين بالقول: “كيف ستصل شاحنات النفط إلى السويداء، مع العلم أن المسافة بين المحافظة، ومناطق نفوذ قسد تبلغ مئات الكيلومترات، ويفصل بين الطرفين مواقع الميليشيات الإيرانية والنظام وتنظيم داعش؟”.
ورغم ذلك، دعا الكاتب قوات “قسد” إلى إرسال شحنة بسيطة من النفط إلى السويداء لإثبات واقعية تطبيق الوعود.
وتابع: “مشروع قسد يقتات على الحماية الأميركية، ومن دون هذه الحماية لن يبقى وجود لقسد، لكون تركيا وروسيا وإيران تطمع بالسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا، ولو جرى التنسيق مع قسد، وانتهت، ستصبح السويداء جزيرة معزولة عن العالم، وبذلك نكون قد خرجنا عن الإجماع السوري بأنّ مشروع قسد انفصالي وتغيير ديمغرافي، وعلينا في هذه الحالة تحمّل النتائج الكارثية، ومنها معادة السوريين وجيران السويداء ومحيطها”، مشيراً إلى أن “عدداً قليلاً من الشباب المضلَلين يروجون لمثل هكذا مشروع، أما الغالبية العظمى يرفضون هذا الطيش”.
وشارك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط فيديو الكاتب ماهر شرف الدين، وعلق عليه بالقول: “المهم دعم الأحرار في السويداء في مواجهة المشاريع الانفصالية المشبوهة وفي مواجهة نظام الاستبداد، كل التحية للثورة السلمية في جبل العرب وللشيخ حكمت الهجري وصحبه الكرام”.
ما وجهة نظر سميح شقير؟
هناك من اتهم الفنان سميح شقير بالازدواجية في منشوره، حيث ذكر أن منطقة شمال غربي سوريا تخضع لسيطرة “ميليشيات” مرتهنة لتركيا، التي “تسعى للتصالح مع النظام السوري”، في حين لم يذكر أن “قسد” نفسها تعتبر وفق حساباته مرتهنة للولايات المتحدة، كما أنها أعربت في أكثر من مناسبة عن جاهزيتها للتنسيق مع النظام والتصالح معه، وهو ما فُهم أنه تبسيط لكارثية سلوكيات قسد ومشروعها.
وشرح سميح شقير في حديث مع موقع تلفزيون سوريا موقفه بهذا الخصوص، حيث قال:
لم أقل لحراك السويداء التحقوا بقسد، ولم أقل إنهم يقدمون نموذجاً متكاملاً، بل وتحدثت عن وجود مشكلات لديهم ولدى كل قوى الأمر الواقع عامةً، وجوهر ما قلته أن هناك سوريين مثلكم يتقدمون إليكم بمبادرة للتقارب والتنسيق، ولا أجد منطقياً ما يمنع الحوار معهم على أرضية البحث عن مشتركات، فلا تنصتوا إلى الأصوات التي تريد أن تقف حائلاً دون حوار قد ينتهي إلى تفاهم ما، وقد لا يصل، ولكن المحاولة مطلوبة ورجوتهم أن لا يعدموا السياسة.
أنا بالطبع ضد كل ارتهان لأجنبي، لكن نتائج الصراع في المنطقة أفضى إلى هيمنة وارتهانات شاملة لصالح قوى دولية وإقليمية، إذاً هذا هو حال جميع قوى الأمر الواقع من الإدارة الذاتية إلى القوى المسيطرة في الشمال السوري، مثلما تتمثل أيضاً بابتلاع ايران وروسيا للنظام السوري تماماً، وليس بعيداً إن هوجمت السويداء أن تحتاج لحماية دولية أيضاً (..) ولكن هناك فروق يمكن ملاحظتها، ومنها أن الإدارة الذاتية لشرق الفرات تبدو أكثر حرية في ترتيب بيتها الداخلي، وفي طرح المبادرات وكانت أقل انغماساً في الدم.
أما عن الحوار مع النظام، فهذه إحدى المآخذ على قسد، ولكن المشكلة أنها ليست قسد وحدها من تحاوره بالرغم من عدم وصول حوارهم إلى شيء، فالمعارضة منخرطة في حوار مع النظام رسمياً عبر جنيف وأستانا وسوتشي واللجنة الدستورية خلال سنين كثيرة ومن دون التوصل لشيء أيضاً، لكن ما يميز “الإدارة الذاتية” أنها تطرح في الآونة الأخيرة مبادرات جيدة البنود ولن نستطيع الحكم عليها إن لم نختبر جديتها من خلال الحوار ومراقبة سلوكها على الارض .
أنا أعتقد أنه لا بد من وجود آخرين يفكرون مثلي، لكني كتبت ما كتبت لأني بمراقبتي لاحظت أن الغالبية تميل إلى أطروحات ترفض حتى فتح أي حوار مع الطرف الآخر، وهذا ما دفعني لطرح رأي جوهره سؤال: وماذا يضيرنا إن حاورنا، فربما نجد مشتركات يمكن البناء عليها، بل وبشكل خاص أجدها فرصة، أولاً لاختبار جدية الإدارة الذاتية لشرق الفرات، وأيضاً لاعتقادي بأن هذا الحوار سيدفع للضغط على الإدارة الذاتية لتجاوز سلبياتها والاقتراب أكثر من نموذج سياسي إداري يمكن التعاون معه كخطوة لتكامل جهود السوريين في بناء سوريا الجديدة خارج عباءة الديكتاتورية والاستبداد.
وبحسب قول شقير، في النهاية لن يستطيع أحد أن يجبر حراك السويداء على شيء فهو حراك أظهر قوته وقدرته على تجاوز المطبات والضغوط، ويُشهد له بالحكمة وقوة البصيرة، وفي النهاية هو رأي، فهل يمكن في زمن ثورة الحرية قمع حرية إبداء الرأي؟
من جهته، ذكر الكاتب والسياسي يحيى العريضي، أن الطرح المقدم من سميح شقير قد يتوافق مع حراك السويداء إذا كان ذلك اختياراً، فيه إجماع، لا فرضاً بحكم الاضطرار.
وقال العريضي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا “لا أرى طرحاً رسمياً، كي أقيّمه، أو أحدد مآخذ عليه أو حسنات، هدف حراك السويداء، انسجاماً مع تاريخها الوطني، إعادة سوريا إلى أهلها، واحدة موحدة، خالية من الاستبداد والاحتلال؛ نهجها التحرك نحو الهدف بصبر وإرادة وعمل، أدواتها القرارات الدولية الداعية لانتقال سياسي، وتسير باتجاه ذلك، ونحو تحقق هذا الهدف، وأي مشروع منسجم مع هذا الهدف، ويعمل له، تجدها معه”.
وفق تقدير العريضي، فإن “حراك السويداء ليس في عجلة من أمره، ينمو ويسير بثبات، ويدرس كل خطوة نحو هدفه، يحسب لهذا الحراك حتى اللحظة أنه سحب ورقة “حماية الأقليات” من يد منظومة الاستبداد، عبّر عن سلميّة ثورة السوريين، وعكس الرقي السوري واستحقاق الحرية”.
وختم “اسم مبادرة السويداء: تجدُّد الثورة السورية، واليد ممدودة لكل السوريين، والحراك بانتظارهم، وحرية سوريا قادمة دون استبداد، دون احتلال، وسيادة القانون.. لتفعل كل محافظة سورية ما تفعله السويداء، لتكون المبادرة السورية الكبرى، وهذا ما تحتاجه سوريا”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا