لم يرشح أي شيء مهم يخص محافظة إدلب ومصيرها ومستقبلها من مخرجات قمة (سوتشي) الأخيرة التي جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. لكن التصعيد العسكري الكبير والواسع الذي واكب وتبع القمة المذكورة ينبئ بملامح معينة لبعض ما ينتظر إدلب أو يخطط له في قادم الأيام.
فعلى وقع انتهاء قمة (أردوغان بوتين) راح نظام بشار الأسد يصعد عسكريًا على جبهات القتال في إدلب، وخاصة جبهة جبل الزاوية وقراه الممتدة وصولًا إلى مدينة أريحا، التي تقع على سفح جبل الأربعين، وهو جزء من جبل الزاوية، وجميعها تقع جنوب خط m4، حيث تحولت الاختراقات الأمنية والعسكرية والتسللات المتكررة التي دأب النظام السوري على ممارستها منذ توقيع بروتوكول اتفاق ٥ آذار/ مارس ٢٠٢٠ إلى سياسات عدوانية متواصلة، وأكثر همجية وتصعيدًا، باتجاه قرى جبل الزاوية، التي ظن أهلها وساكنوها، بعد عودة معظمهم إليها خلال السنتين المنصرمتين، أنهم في أمان نسبي ومؤقت، قد يدوم ويستمر، ولأن العودة التي قاموا بها إلى قراهم هي أفضل بالتأكيد من حيواتهم المرة والصعبة التي عاشوها خلال وإبان حالات النزوح الكبرى التي أجبرتهم جميعًا وبشكل قسري بالتزامن مع المحرقة الأسدية والمقتلة الإرهابية من قبل نظام الطاغية، التي طالت كل تلك المناطق، نحو الشمال السوري والحدود التركية السورية، إبان الحرب الهمجية التي مورست ضدهم عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠ وأدت فيما أدت إليه إلى قضم ونهب مزيد من أراضي محافظة إدلب، فذهبت مدن (خان شيخون) و(معرة النعمان) وأيضًا مدينة سراقب، وقبلها كثير بل معظم الريف الحموي، الذي كان في تلك المرحلة خارج سيطرة النظام السوري.
لكن التصعيد العسكري الأسدي اليوم والذي يدفع الآلاف من السوريين إلى التهجير والنزوح القسري، مرده إلى أن هناك ما يشبه العودة من قبل النظام السوري وداعميه، إلى نفس السياسات التي سبقت اتفاق آذار/مارس 2020 المشار إليه والذي تم في سوتشي الروسية بين رورسيا وتركيا توخيًا ومن أجل وقف التصعيد العسكري الأسدي وهو الذي جاء ضمن اتفاقات مناطق خفض التصعيد التي سبق وأدت إلى قضم كثير من الأراضي والهيكتارات السورية لصالح النظام السوري، وهي التي كانت قبل اتفاقات خفض التصعيد المشار إليها بحوزة وتحت سيطرة الفصائل المعارضة في ريف حمص، ومحافظة درعا، ومحافظة ريف دمشق ومناطق أخرى مشابهة.
ولأن اجتماع القمة الروسية التركية _كما أشرنا لم يرشح عنه شيء واضح بعد بما يخص مصير محافظة إدلب، أو ما تبقى من إدلب وريفها بين ظهراني وتحت سيطرة فصائل المعارضة، ولأن البعض مازال يتحدث ويطنب في الحديث عن مقايضات ما هنا أو هناك، ومصالح معينة منجدلة فيما بينها، قد تفضي إلى مزيد من التغييرات، وكثير من التمددات، ضمن سياسات استراتيجية وتكتيكية متبدلة روسية وإيرانية، تود وتعمل على أن يتمكن ويحصل نظام بشار الأسد على أكبر حصة ممكنة من أراضي شمال سوريا، هو مايزال عاجزًا عن الوصول إليها بالتساوق مع تدخلات دولية وتحركات شعبية سورية في الجنوب/ السويداء ودرعا، وأيضًا اشتباكات عسكرية واسعة شمال شرقي سوريا بين العشائر العربية في الشرق السوري وقيادات تنظيم قسد الإرهابي، والتي ما برحت متواصلة رغم التدخلات الدولية، والتراجعات العشائرية والانسحابات أمام السلاح الحديث الأميركي الذي تحوز عليه ميلشيا (قسد).
وما يمكن استنتاجه في مصائر ومستقبلات إدلب اليوم يوحي بأن الأوضاع في إدلب وما حولها ماتزال متحركة وغير مستقرة، والهدنة هشة وهلامية، وما جاء مع الاتفاق البروتوكولي عام ٢٠٢٠ يؤكد أنه كان اتفاقًا مؤقتًا، وحيث لا يمكن أن يصبح المؤقت دائمًا، إلا في في حالات ومتغيرات نادرة ووفق معطيات ومؤشرات جديدة واستثنائية. فإن استشراف مستقبل إدلب ما برح في حالة عثار كبير، ويعثر في الأكم وفي الوهد.
بينما ما انفك التصعيد العسكري الدموي في إدلب يؤرق الساكنين والقاطنين هناك، سواء كانوا من أهل المنطقة الأصليين، أو من السوريين المهجرين قسرًا إليها منذ عدة سنوات على أيدي نظام الأسد، وهم الذين جاؤوا إلى إدلب وريفها لا يلوون على شيء، بل هربًا وفرارًا من سلاح كيماوي بشار الأسد المحرم دوليًا، وبراميله وصواريخه البالستية وقنابله العنقودية، وسياسات الأرض المحروقة التي اتبعتها ومشت عليها روسيا الاتحادية البوتينية في سوريا، وجربت عبرها المئات من أسلحتها الحديثة، قبل أن تختبرها بشكل أوسع وأكثر دموية في أراضي دولة أوكرنيا وضد شعبها، الخارج من هيمنة وسيطرة الدولة الروسية وقسوتها.
اليوم وبعد مضي أكثر من ثلاث سنوات ونيف على الاتفاقات الخاصة بمحافظة إدلب مازالت سياسات المقتلة الأسدية التهجيرية مستمرة، ومايزال المجتمع الدولي يراقب من بعيد استمرار هذه المقتلة متفرجًا على هذا المجرم الطليق، ويكتفي بين الفينة والأخرى بتصريحات إعلامية أو عقوبات اقتصادية لن تفضي بالضرورة إلى كنس الاستبداد المشرقي القروسطي الأسدي الجاثم على صدر السوريين منذ أكثر من خمسة عقود خلت. وماتزال السياسات والاستراتيجيات الدولية الأميركية والأوروبية تكتفي في إطلاق تلك التصريحات دون أي فعل أو ممارسة جدية، ودون أي توقيف فعلي لسياسات إيران الطائفية، وروسيا وأطماعها في المنطقة، حيث يستمر النظام السوري في سياساته الطغيانية استنادًا واتكاءً إلى الدعم الروسي والإيراني مع ميليشياته من حزب الله، إلى الحشد الشعبي العراقي، والحرس الثوري الإيراني، وهؤلاء الذين كان قد أتى بهم من دول شتى كشذاذ للآفاق، عبر سياسات التغيير الديمغرافي المتبعة، التي باتت واضحة المعالم وتنبئ بمزيد من الأخطار التي تعطي ملمحًا مستقبليًا في المنطقة، قد يؤدي إلى مزيد من الصراعات البينية التي تطول وتستمر وتترك أثرها بالتالي على مجمل الإقليم.
وإذا كان نظام بشار الأسد اليوم يستقوي ويستند إلى حالة الانفتاح والتطبيع العربي والإقليمي معه، فإن تعثر ديناميات التطبيع مع العرب خاصة نتيجة تملصه من الوعود التي كان قد قطعها على نفسه قبل ولوجه بالجامعة العربية، من الممكن أن تعيد المشهد إلى ما قبل التطبيع مع نظام الأسد، ومن ثم تساهم في أن تفرمل وتعوق سياسات النظام السوري العسكرية والعدوانية تجاه أهالي إدلب والشمال السوري.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا