لم ينتظر الأتراك دقيقة واحدة بعد انتهاء المهلة التي أعلنوها حتى بدأوا الهجوم الموسع لأن المناوشات على الأرض موجودة منذ استهداف جنودهم وبذلك أثبت الأتراك تصميمهم على المضي قدماً في ما قالوه على الرغم من أن كثير من المحللين الذين لا يريدون لتركيا تحقيق أي نصر حتى وإن كان صغيراً كانوا يراهنون على التمديد أو التراجع التركي ومنح المزيد من الوقت للنظام وروسيا ولكن تركيا حزمت أمرها وبدأت المعركة وذلك لأسباب كثيرة لعلنا نذكر أهمها ألا وهو عدم إمكانية التراجع عن ضرب النظام والمضي قدما في هذا المجال لأن أي تراجع يعني وكما يعرفه الأتراك أنفسهم خسارة كل شيء في سورية وأن ممارسات النظام وتعنت روسيا في اﻵونة الاخيرة خصوصاً لناحية استهداف الجيش التركي أعطتا تركيا جرعة إضافية لبدء الحرب مهما كانت النتيجة بعد أن أجرت كل الاتصالات الدولية ووضعت جميع الدول أمام مسؤولياتها كما أنها استكملت الاستعدادات الداخلية على كافة المستويات المدنية والعسكرية ورفعت منسوب الجرعة الوطنية والقومية التي يتمتع بها أصلا المجتمع التركي والتي تربى عليها من العصر الأتاتوركي بحيث أن أي تركي مهما كان مكانه في الحكم او المعارضة عسكرياً أم مدنياً لا يمكن أن يساوم على تركيا وقوتها وجيشها وعلمها أياً كان الطرف المقابل لها كما أن الأتراك لديهم قناعة شبه أكيدة بأنه عندما تدق ساعة الصفر وتصبح الحرب حقيقة واقعة فإن الجميع سيقف متفرجاً على النظام إن لم يضحوا به رغم أن الأتراك مستعدين للذهاب إلى أبعد من ذلك بالرغم من إرسالهم الرسائل إلى روسيا بأنهم لا يريدون المواجهة المباشرة معها وهي غير مستهدفة إلا أن بعض وسائل الإعلام التركية وبعض المحللين والسياسيين ذكر بأن روسيا وتركيا قد تواجهتا ستة عشر مرة بحروب على مر التاريخ بإشارة واضحة على استعداد تركيا للذهاب إلى حرب جديدة إن تطلب الأمر ذلك من أجل الحفاظ على مكانة تركيا ومكتسباتها.
بدأت الحرب وستنتهي، ولا أعتقد ان تداعياتها ستكون كبيرة فاﻷتراك أهدافهم محددة وهي إعادة تطبيق اتفاقيات سوتشي وأستانة وعودة النظام إلى مكانه قبل التقدم الأخير وربما يقدم الروس على جعل النظام ينسحب وتطبق الاتفاقيات لكي لا يجعلوا الأتراك يحققون انتصاراً واضحاً خاصة انهم والايرانيين يقفون جانباً من الناحية العملية كي لا تتفاقم الأمور وهو ما تتم ملاحظته على الجبهات ومن خلال الرسائل التي وصلت أنقرة من إيران وميليشياتها بأنهم لن يستهدفوا القوات التركية على الرغم من تعرضهم للقصف من قبلها كونهم مع النظام في نفس المكان وذلك لأنهم لا يريدون الحرب مع تركيا حسب ما يقولون.
لهذا سيكون الخاسر الأكبر في هذه الحرب هو النظام الذي ظن بأن بإمكانه الذهاب بعيداً في ظل التساهل التركي الذي رآه في مناطق خفض التصعيد التركي الأخرى متناسياً أن الشمال السوري ومنذ اتفاقيات أضنة له بعد استراتيجي وأمني خاص لدى تركيا.
ستنتهي الحرب إلى تطبيق الاتفاقيات القديمة ولكن على تركيا ألا تقبل بضمانة الروس وحدهم مع الإيرانيين بل أن تتوسع دائرة الضامنين لتصبح هذه الاتفاقات واقعا ملموسا على الأرض من أجل إقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري لكي يتحقق بعض الاستقرار والتهدئة حتى يتم الحل السياسي المنشود لأنه لن تكون هناك حلول عسكرية. ربما يتساءل القارئ أين هم السوريون في هذه المعادلة؟ نقول له أن السوريون هم آخر من يعلم موالات ومعارضة بما يجري على أرضهم وهم وقود للحرب فقط قد يستعملون من قبل هذا وذاك إلا إذا أراد الأتراك في هذه المرحلة تغيير أدوات اللعبة وإعطاء المعارضة دوراً أكبر في الاتفاقيات الجديدة وهذا ما أستبعده اﻵن في ظل وجود من يتصدرون المعارضة الحالية.