اختار كتاب هذه الرسالة الذين يعيشون في الساحل السوري بظروف أمنية خانقة موقع “غلوبال جستس سيريا نيوز” ليبعثوا من خلاله هذه المعلومات التي يهمهم أن تصل إلى السوريين كافة.
رغم أن العلويين يبدون من الخارج كتلة واحدة متماسكة، إلا أن الحقيقة ليست كذلك؛ فعلاقاتهم البينية الداخلية يحكمها عوامل عدة جعلت منهم كتلة بشرية منفعلة لا فاعلة لعوامل وأسباب، أهمها :
– أولاً : العامل التاريخي:
يعاني العلويون عقدة دونية ناجمة عن الإحتلالات المتكررة لمناطقهم بدءاً من غزوات الصليبين الذين اتخذوا من مناطق العلويين ممراً لحملاتهم إلى بيت المقدس وما نجم عن هذه الحملات من اقترافات بحقهم كالإغتصاب والسبي، ثم معاناتهم من تعسف الأيوبيين الذين أقاموا الحد عليهم لقناعتهم أنهم مارقون عن الدين ويتوجب معاقبتهم، ثم جاء الأتراك ليستكملوا حملات الترويع ضد العلويين ولعل خوازيق السلطان سليم ومجازره ضدهم في حلب مازالت ماثلة في وجدانهم الجمعي.
لقد دفعت هذه الحملات العلويين إلى الإنكفاء على ذاتهم في الجبال الساحلية وبعض التلال القريبة من الشاطئ.
لم يكن انعدام الأمن والطغيان الخارجي العامل الوحيد وراء هذه العقدة الدونية، بل ساهم الفقر المدقع بمفاقمة المشاكل النفسية لدى العلويين لدرجة أن الفقر أدى إلى انفصام الشخصية العلوية إلى شخصيتين إحداهما تتملق كي تستمر بالحياة، والأخرى تحرص على عدم البوح بمكنونات الذات التي تحافظ في أعماقها على أسرار الديانة العلوية الباطنية التي كانت سبباً في اتهامهم بالهرطقة من قبل غلاة المذهب السني وبالتالي دفعوا ثمناً غالياً لتمسكهم بسرية مذهبهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما زالت آثار فتوى ابن تيمية ماثلة في أذهانهم والتي تجرمهم وتُنكر اسلامهم وتحرم التعامل معهم.
ولعل الفقر قد لعب دوراً في ترسيخ الشعور بالمظلومية العلوية لاسيما في فترة ما يسمى “سفر برلك” إضافة إلى أنهم خلال فترة ما بعد الاستقلال اضطروا إلى إرسال بناتهم للعمل كخادمات لدى الطبقة البرجوازية في لبنان (ويُذكر بهذا الصدد أن البعض يرى أن ممارسات الجيش السوري الوحشية في لبنان مردها إلى روح انتقامية لدى العسكر العلوي من ما يعتقدونه عسفاً لبنانياً ضد بناتهم الخادمات).
– ثانياً: دور نظام حافظ الأسد في الإمعان بتحطيم الشخصية العلوية:
يُقال إن حافظ الأسد قد انتشل العلويين من فقرهم المدقع ولكنه فعل ذلك بطريقة ميكيافيلية خبيثة: لقد قام باستخدامهم في صفوف أجهزته الأمنية والعسكرية وأعطاهم ميزات وصلاحيات مطلقة مقابل شراء ذممهم وولائهم وخدماتهم كي يستمر وعائلته متسلطين على رقاب السوريين أجمعين.
ماهي المنهجية التي اتبعها؟
لقد نفذ الأسد عملية مقايضة تفتقر إلى أدنى حدود الأخلاق تقوم على تقديس القائد المتمثل بشخصه وتكريس الفردانية في المجتمع العلوي وتتلخص هذه العملية بالمبدأ التالي:
“أيها العلوي، أنت تضمن لي ولاءك الدائم وتفانيك في خدمتي، وأنا بدوري أضمن لك أن أغض النظر عن كل ممارسات الكسب غير المشروع التي تمارسها، كما أني أضمن لك شرعنة كل هذه الممارسات غير القانونية؛ ويجب عليك الاستمرار بهذه السلوكيات حتى تصبح من المسلمات اليومية إلى درجة أن الشعب يستمرؤها”.
ومن أجل ضمان ديمومة الولاء أوعز حافظ الاسد إلى أجهزته (التي تراقب بعضها البعض) أن تحتفظ بملفات الفساد في الأدراج كي يتم استخدامها ضد من تخوّل له نفسه التوقف عن الولاء.
*علاقة حافظ الأسد مع رجال الدين كانت علاقة السيد بعبده، فقد قام الأسد بشراء ذممهم من خلال الإغداق عليهم وإقناعهم أنهم أصحاب الحل والعقد مع الدهماء العلويين شريطة الترويج لفكرة أن وصول حافظ الأسد إلى السلطة وحكمه لدمشق الأموية ليس صدفة تاريخية بل هو مشيئة ربانية ذكرها الإمام “علي” في كتاب الجفر حول ظهور القائد الملهم الذي أرسله الإمام كي يقتص للعلويين من الغبن الذي وقع عليهم عبر تاريخهم.
لقد وصل الأمر ببعض جلاوزة النظام أنهم أقنعوا مشايخ الطائفة بأن صورة حافظ الأسد تتجلى وتظهر في القمر؛ وبالتالي تتوجب عبادته والتضحية من أجله بالغالي والنفيس.
*إن ما يُقال عن مجلس لمشايخ الطائفة هو فكرة وهمية إذ لا وجود لمثل هذا المجلس لدى الطائفة العلوية، لأن حافظ الأسد كان يخشى موضوع تجمع العلويين تحت راية دينية واحدة، ولذلك مارس ضدهم سياسة “فرق تسد”، ولكنه فسح لهم مجال التدخل لدى أجهزة الأمن لتأمين خدمات لأبناء الطائفة مما يُكسب رجال الدين العلويين الإحترام بين اتباعهم، ولكن يبقى مدى قوة رجل الدين محدداً بمدى ولائه للقائد، ومع الأخذ بعين الإعتبار أن أية محاولة شذوذ من قبل رجل دين علوي عن السياق العام المرسوم يؤدي إلى قيام الأجهزة الأمنية بإنهائه وتحقيره أمام أتباعه.
*لابد من التأكيد في هذا السياق أن أبناء الطائفة العلوية (الفخذ الكلازي وهم النسبة السكانية الأكبر بين العلويين) يكنون ولاءً كبيراً لمشايخهم، والذين بدورهم يصدرون الفتاوى المتواصلة أثناء ثورة السوريين بضرورة الولاء المطلق للرئيس بشار الأسد ليتحقق النصر على أعدائه وأعداء الدين، والجدير بالذكر أن العلويين يقسمون الى عدة أفخاذ داخلية هي:
(النميلاتية، الحدادية، الخياطية، الكلبية)، وهؤلاء يشكلون مجتمعين الفخذ الكلازي الذي يشكل النسبة الأكبر بين العلويين؛ ويقطنون جنوب مدينة اللاذقية، وفي القرداحة ومحيطها والحفة ومحيطها وجبلة ومحيطها وطرطوس وقراها ومصياف وقراها وبعض أحياء حمص وريفها وريف حماه وسهل الغاب.
والجدير بالذكر أن أبناء هذا الفخذ يُعرفون بتماسكهم وتعاضدهم مع بعضهم البعض بطريقة تعصبية، كما أنهم يشكلون الكتلة الصلبة لأجهزة مخابرات نظام الأسد وجيشه؛ ويقال إن نسبة واحد إلى ثلاثة من النميلاتية هم متطوعون في أجهزة أمن النظام.
وأما الفخذ الآخر من العلويين فهم “الحيدريين ” ويقطنون شمال مدينة اللاذقية ويتصفون بعلاقات مفككة خلافاً للكلازية، ولذلك يُلاحظ أن الكلازية لايقيمون وزناً للحيدرية.
*المعارضة الداخلية العلوية: مرحلة الثمانينات (الشيوعيون وتحالفهم مع الإخوان المسلمين ومنهجية النظام في التعامل معهم):
انتشرت في عقد الثمانينات ظاهرة نشوء الأحزاب الشيوعية والقومية اليسارية بين شباب الأقليات؛ وكانت هذه الأحزاب السرية تطالب نظام حافظ الأسد بتحقيق الديمقراطية في سورية. استغل نظام الأسد رفض الأكثرية لهذا النوع من الفكر والتحزُّب، وخلق الذريعة لتجريد هذه الأحزاب من المصداقية حتى بين صفوف الأقليات معتمداً على صيغة تخويفية مفادها أن هذه الأحزاب تتعاون مع الإخوان المسلمين الذين لايعترفون بالأقليات بل يسعون الى إفناء هذه الأقليات في حال استيلائهم على الحكم . وفي الواقع نجح نظام الأسد في تجريد هذه الأحزاب من الوصول إلى أية نجاحات للتغلغل الكثيف في مجتمعات الأقليات معتمداً على القبضة الأمنية الحديدية حيث زج بأعضاء هذه الأحزاب في السجون لعقود من الزمن وقام بترهيب ذويهم.
*المعارضون العلويون في الخارج: رغم قلة عددهم ، فإنهم أيضاً لا يشكلون وحدة متماسكة. البعض منهم لا سيما من أمضى فترة طويلة في سجون الأسد الأب والابن، يعتبرون أنفسهم الأصدق في التعبير عن روح الثورة لدى العلويين والسوريين بشكل عام. أكثرهم ينظر إلى هؤلاء المعارضين العلويين الآخرين في الخارج بأنهم قفزوا من قارب النظام لأسباب انتهازية، وأن بعضهم مازال موالياً للنظام في قرارة نفسه، وقد يكون البعض منهم مخبراً للنظام مقَّنعاً بصفة معارض. ويخنق هؤلاء أكثر نظرة وتفكير المعارضين الآخرين غير العلويين.
ومن جهة أخرى، يرى المعارضون العلويون الذين انشقوا عن النظام أن نظرة التعالي والتشكيك التي يتعرضون لها من إخوتهم في بلاد المغتربات لا أساس لها من الصحة لأن حالهم مثل حال كل من انشقوا عن النظام من طوائف ومكونات المجتمع السوري الأخرى والذين كانوا تكنوقراط يخدمون في الوظائف المدنية، إضافة أن ما يضفي مصداقية على مسيرة هؤلاء العلويين المنشقين أنهم لا يستطيعون التواصل بحرية مع ذويهم في الداخل وأنهم لا يستطيعون زيارة لبنان التي يسيطر حزب الله على مطاره خشية تسليمهم الى النظام السوري.
الحقيقة أن لدى هؤلاء شعور بالظلم في تقييمهم من قبل المعارضين العلويين السجناء سابقاً يؤدي إلى حالة من الشرخ وعدم التعاون وانعدام الثقة ينعكس سلباً على محاولات إعداد خطة عمل لتحريك الشارع العلوي الموالي الذي يعاني من ظلم للنظام وتهميشه لموالاته .
الخلاصة :
رغم أن منظومة الاستبداد وأجهزتها الاستخبارية قد نجحت في ترهيب الطائفة العلوية وفي إقناعهم أنها الأم الحامية لهم، وأن زوالها يعني بالضرورة زوالهم، ورغم أن بعض مكونات الثورة لم تقم بما يكفي لإقناع العلويين أن هذه الثورة هي ضد منظومة الاستبداد وليست ضدهم؛ ورغم أن ما يجول في نفوس معظم العلويين من حنق لا يبوحون به ضد آل الاسد هو كبير؛ فإن الشعب السوري الذي ثار على منظومة الطغيان يتطلع إلى كتلة الموالاة العلوية كي تتخذ موقفاً عقلانياً ضد العائلة؛ ويأمل هذا الشعب من العلويين أن يفهموا أن عائلة الأسد قد وضعتهم في موقف العداء ضد كل مكونات المجتمع السوري، وأن هذه العائلة قد أفقرت وصَحَّرت الطائفة العلوية واتخذت منها مطية لتحقيق أهداف العائلة في استمرار الاستحواذ على مقدرات سورية وقهر شعبها متذرعة بأنها تقاوم الصهيونية العالمية.
وتذكروا يا أيها العلويون أن ماجنيتموه مادياً خلال أربعين عاماً من خدمتكم لآل الأسد قد دفعتموه دماءً من خيرة أبناءكم خلال عشر سنوات.
وللتذكير فقط أن ثلث القدرة الشبابية المنتجة من طائفتكم قد فنيت، وثلث آخر من شبابكم قد أُعطِبَ وأصبح عاجزاً خارج دائرة الفعل والإنتاج. والمحصلة لهذه الأضاحي هي ماتعيشونه الآن من فقر وفاقة، في الوقت الذي ينعم آل الأسد بمليارات الدولارات غير عابئين لمعاناتكم .
لقد حان وقت الصحوة وزمن الفعل.. فهل من مجيب؟
المصدر: غلوبال جستس