ما هو المشهد الاقتصادي في دمشق بعد رفع الرواتب وأسعار حوامل الطاقة؟

شكل قرار رفع أسعار حوامل الطاقة (كالنفط ومشتقاته، والغاز الطبيعي، والطاقة الكهربائية) صدمة للشارع السوري، خاصةً في توقيته بمنتصف الشهر تقريباً وفي منتصف الأسبوع، ما سبب إرباكاً لجميع القطاعات سواء الإنتاجية أو الخدمية، حيث بات مطلوباً من الجميع تعديل الأسعار والأجور خلال ساعات فقط خاصةً وأن القرار تزامن مع انهيار سريع لليرة حتى تجاوزت الـ15 ألف ليرة لكل دولار (علماً أنها عادت للانخفاض مع نهاية الأسبوع يوم الخميس نتيجة توقف الطلب على القطع الأجنبي في السوق، وهي حالة أسبوعية كما يؤكد خبراء).

صدمة وخوف وارتفاع بالأسعار

“شلف الأسعار” هي الحالة التي سادت الأسواق بعد القرار، حيث تباينت الأسعار بعشرات الآلاف بين محل وآخر لذات السلعة، فعلى سبيل المثال بيع كيلو شرحات الدجاج بــ75 ألف ليرة في محال و60 ألف ليرة في محال أخرى بارتفاع عن السعر قبل يوم وهو 40 – 45 ألف ليرة في اليوم السابق لقرار رفع أسعار حوامل الطاقة.

حاول بعض أصحاب محال المفرق التوقف عن البيع، لكن شائعات فورية انتشرت بأن دوريات من الفرقة الرابعة والسياسية كانت تجول في الأسواق خلسةً لإلصاق تهمة الإضراب بأي محل يغلق أبوابه، فكان الحل بالامتناع عن البيع، علماً أن أحد أصحاب المحال في سوق الكهرباء بدمشق أكد أن “السوق أصيب بحالة من الشلل في منتصف اليوم بعد صدمة الزبائن بالأسعار الجديدة التي وضعت دون أي دراسة دقيقة”.

يعترف صاحب المحل المذكور أنه رفع أسعاره دون دراسة مبرراً أنه “عادةً يتم احتساب سعر القطعة على سعر صرف الدولار، لكن الذي حصل أن أسعار النقل والإنتاج زادت أيضاً، ما يعني أن سعر أي قطعة ارتفع نتيجة أكثر من عامل ودراسة نسبة الرفع شبه مستحيلة بهذه السرعة”.

أصحاب بسطات ومحال الدخان أيضاً رفعوا أسعارهم بشكل جنوني حيث وصل سعر أرخص علبة سجائر إلى 10 آلاف ليرة سورية، في حين بدأ سعر أرخص دخان مهرب وهو الغلواز من 19 ألف ليرة، والكينت 21 ألف ليرة، وسط تباين بالأسعار بمعدل 2 – 3 آلاف ليرة للأصناف المهربة بين محل وآخر.

حميد وهو صاحب محل خضار في جرمانا لم ينزل إلى سوق الهال في اليوم التالي خوفاً من أن رأسماله لن يكفي لشراء الخضار والفواكه وقال “لن أشتري من السوق حتى تستقر الأسعار”. بدوره يقف زياد وهو قصاب ينتظر دخول أي زبون دون جدوى ويتساءل “من سيشتري اللحم بعد اليوم؟ وبكم سأبيع الكيلو بـ150 ألف؟، سأحاول بيع اللحم الموجود في محلي بأي ثمن، ثم أمتنع عن الذبح حتى يستقر السوق ونعلم إلى أين سيتجه الوضع الاقتصادي، ولا أخفيك سراً لو قلت لك أن قضية إغلاق المحل نهائياً والهجرة باتت الحل الأمثل”.

توقيت سيئ

أنس موظف في شركة اتصالات خاصة، راتبه بالكاد يصل إلى 900 ألف ليرة، يقول “قبضت راتبي بداية الشهر، وفي منتصفه قفزت الأسعار بين 50 – 100%، بالتالي لم أعد أستطيع أن أكمل الشهر، دخاني ارتفع 3000 ليرة، وأجرة السرفيس ارتفعت 500 ليرة عن السابق، وسندويشة الفلافل ارتفعت ألفي ليرة وصارت بـ6 آلاف ليرة، هذا يعني أن مصروفي اليومي زاد بما لا يقل عن 7 آلاف ليرة سورية إلى 10 آلاف. هذا عدا عن أن صاحب الغرفة التي استأجرها في عشوائيات العاصمة رفع الإيجار منتصف الشهر نحو 50 ألف ليرة.

جميع موظفي القطاع الخاص مصدومون حالياً من النفقات الإضافية التي انهالت على رواتبهم منتصف الشهر ما جعلهم يقفون عاجزين عن ابتكار حلول تتيح لهم إمضاء الأيام المتبقية من الشهر بنفس النفقات المحددة قديماً بناءً على دخلهم، مطالبين أرباب العمل برفع رواتبهم بما يتناسب والتضخم الحاصل.

حتى أصحاب المهن الحرة أصيبوا بالإرباك حيث باتوا مضطرين لرفع أجرة عمالهم اليومية مقابل رفع أسعار خدماتهم بشكل عام، يقول محسن وهو صاحب ورشة طلاء سيارات، إنه متفق مع عدة زبائن على كلف معينة وقبض رعبوناً تبعاً لذلك، لكنه اليوم لن يستطيع الاستمرار بالاتفاقات السابقة، مؤكداً أن “اليوم التالي لرفع أسعار المحروقات كان عبارة عن شجار ومشاحنات وشتائم بينه وبين الزبائن لأنه أوقف العمل وطلب تعديلاً على المبالغ المتفق عليها”.

توقعات سلبية بعد 3 أشهر

يؤكد خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه، أن تبعات رفع أسعار حوامل الطاقة قد تظهر الشهر القادم بشكل أوضح، وقد تتبين نتيجتها بعد 3 أشهر بشكل تام، ريثما تدخل بضائع جديدة إلى السوق من دورة الإنتاج الجديدة وفقاً لكلف الإنتاج الجديدة التي لن تتوقف عند البنزين والمازوت والغاز بل ستصل إلى الكهرباء والماء وغيرها.

وأضاف “في الشهر العاشر ستظهر نتائج سلبية أخرى ناجمة عن قرار رفع الرواتب إثر ضخ سيولة جديدة، لكن تلك السيولة لن تستطيع شراء أي من المنتجات والسلع وستذهب بأغلبها إلى الضرائب والفواتير وقطاع النقل، ما سيصيب السوق بتضخم ركودي حاد”.

يشير الخبير إلى أن عوامل التضخم الجديدة ستجعل من المنتج المهرب أرخص من المنتج المحلي، لأن كلف الإنتاج المحلية باتت مرتفعة جداً وغير منطقية، ويقول ” قد يصل سعر البنطال الصناعة المحلية إلى 400 ألف ليرة مثلاً، وقد تضطر لطلب سباك إلى المنزل لإصلاح عطل ما فيطلب منك أجرة بنحو 200 ألف مثلاً، ما سيدفع باتجاه الدولرة المخفية ولو كرهت الحكومة ذلك.

ويحذر الخبير من أن التضخم هذا سيتزامن مع افتتاح المدارس، وأمام عجز المواطنين عن شراء مستلزمات وملابس المدارس وتأمين إيجارات النقل للطلاب، قد يزداد التسرب من المدارس بشكل كبير. اجتماعياً يحذر الخبير من موجة سرقات وجرائم قد تضرب العاصمة نتيجة الجوع، إضافةً إلى زيادة موجات الهجرة.

وأصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، يوم 16 آب، مرسوماً تشريعياً ينص على زيادة بنسبة 100% في الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والقطاع العام، بعد رفع أسعار حوامل الطاقة أكثر من 160%، حيث حدد سعر المازوت في المخابز التموينية الخاصة بـ 700 ليرة سورية للتر الواحد، سعر المازوت المدعوم للمستهلك أصبح 2000 ليرة سورية للتر الواحد، وسعر المازوت الصناعي للزراعة والصناعات والمشافي الخاصة 8000 ليرة للتر الواحد، وسعر البنزين “أوكتان 90” المدعوم ارتفع إلى 8000 ليرة سورية للتر الواحد. وسعر البنزين “أوكتان 95” ارتفع إلى 13500 ليرة سورية للتر.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى