س1- كثيرون من متابعي الشأن السوري يترقبون تغييرات دراماتيكية قد تحدث بعد سريان قانون سيزر الشهير، هل تعتقدون أن تنفيذ هذا القانون سيزيد من خناق النظام السوري أم من خناق السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرته؟ وهل نستطيع الربط بين تعيين ممثل رئاسي لبوتين وبين تجنيب كثير من مؤسسات الدولة السورية العقوبات بسبب تأجيرها للروس لمدة طويلة؟
سيكون القانون أداة ضغط أميركية، سياسية واقتصادية، على النظام السوري للذهاب إلى المفاوضات بجدية وتطبيق القرار 2254 ومتابعة الحل السياسي، وسيبدأ تنفيذه في منتصف الشهر الحالي، وستكون وتيرة تطبيقه رهن تجاوب النظام السوري مع الطلبات الأميركية، ما يعني أن آثاره أيضًا ستكون تصاعدية، لكنها -بحسب القانون- يمكن أن تتوقف في حال كان النظام جديًا في المفاوضات والحل السياسي.
نستنتج من ذلك أن درجة تجاوب النظام مع متطلبات الحل السياسي هي التي تحدِّد درجة وشدة تطبيق القانون، ومن ثم انعكاساته الاقتصادية على الوضع في البلد وحياة الناس. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن ما يبدو مطالب وشروطًا أميركية هي مطالب قطاع واسع من الشعب السوري، بل أيضًا مطالب أكثرية المجتمع الدولي، دول أوروبا والدول العربية، وأخيرًا أصبحت مطالب روسية بدرجة ما، بعد أن عبرت روسيا عن امتعاضها من النظام وأدائه، بصورة غير مباشرة، عبر نشر عدد من المقالات التي تنتقد النظام وأداءه بقسوة. باختصار، نظام الأسد هو الذي يتحمل المسؤولية الكبرى عن الآثار التي يمكن أن تنجم عن تطبيق هذا القانون، بيده أن يوقف تنفيذه عبر إبداء الجدية والإيجابية بتنفيذ القرار 2254.
أقول ذلك، على الرغم من معرفتي بالمصلحة الأميركية في كل قرار أو سلوك لها في العالم، على أقل تقدير من حيث مصلحتها بإجراء مزيد من الضغوط على إيران وتقييد نفوذها، وتحديد سقف لروسيا في نشاطها العالمي في المنطقة لا يتجاوز المصلحة الأميركية، فضلًا عن الاحتفاظ بدور ما لها في منطقة شرق الفرات السورية. فسورية بذاتها لم تكن أولوية أميركية طوال السنوات الماضية، ولم تضع أميركا في حسبانها إسقاط النظام بل تعديل سلوكه، وقانون سيزر غايته، على المستوى السوري، ضبط سلوك وتوجهات النظام بما ينسجم مع متطلبات الحل السياسي المطروح دوليًا.
تتمثل أهم آثار القانون، في حال تفعيله، بتجنب الدول والشركات الخاصة والأفراد التعامل الاقتصادي مع النظام السوري والمؤسسات والشخصيات المحسوبة عليه، خوفًا من التعرض للعقوبات الاقتصادية الأمريكية، الأمر الذي سيؤدي إلى الحدّ من قدرة النظام على القيام بوظائفه الاقتصادية المختلفة، والتي باتت أصلًا محدودة جدًا قبل دخول قانون سيزر حيز التنفيذ، مثل توفير المحروقات والطاقة عمومًا. وسيحدّ القانون من أموال المساعدات التي تذهب عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى إلى النظام باعتباره ما زال النظام الشرعي للبلاد، وسيجبر الدول التي كانت تريد إعادة سفاراتها ودبلوماسييها إلى سورية، وتطبيع علاقاتها بالنظام، على إعادة حساباتها، وسيمنع أي دولة أو جهة من الإسهام في إعادة الإعمار بوجود النظام بهيئته الحالية.
سيحدث أيضًا تراجع سريع في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، وسيرافق ذلك ارتفاع كبير في الأسعار، وستنخفض القدرة الشرائية للسوريين في الداخل أكثر وأكثر.
أما بخصوص الخطوة التي اتخذها الرئيس الروسي بوتين، بتعيين سفير بلاده لدى النظام السوري “ألكسندر يفيموف” ممثلًا خاصًا له في سورية، فإنها تدل على استعداد روسيا لأداء دور إشرافي، بصلاحيات أوسع، على اقتصاد النظام السوري خلال المرحلة المقبلة، في ظل وجود مخاطر حقيقية ببدء مرحلة اقتصادية صعبة مع دخول قانون سيزر حيز التنفيذ، وتدل أيضًا على عدم ثقة روسيا بالنظام وإدارته للاقتصاد، وحرص بوتين على أن يكون مطلعًا، وبصورة سريعة، على الوضع السوري، في ظل تسارع الحوادث والتطورات، والتخوف من انفلات الوضع أو اصطدام الفاعلين على الأرض السورية، ما قد يضيِّع على بوتين ما يراه “انتصارًا” في سورية.
س2- سوريا في وضعها الحالي دولة فاشلة، هل تعتقد أن المجتمع الدولي جاد ولو بنسبة 50% بتنفيذ القرار 2254 لوضعها على سكة التغيير المقبول لتجاوز الفشل؟ ما الشروط الممكنة لتنفيذ هذا القرار دولياً؟
عندما نقول “المجتمع الدولي”، فإن هذا يعني تحديدًا، وعمليًا، الولايات المتحدة الأميركية، وبدرجة ثانية أوروبا.
أعتقد أن المجتمع الدولي، للدقة، راغبٌ في إيجاد حلّ سياسي، وليس جادًا؛ ما يعني أن المجتمع الدولي لا تؤرقه سورية اليوم بقدر ما تؤرقه مسائل أخرى، مثل الوجود الإيراني في سورية، حدود الدور الروسي في المنطقة، قضية اللاجئين، والقضايا المتعلقة بالإرهاب.
الرغبة قائمة لدى المجتمع الدولي، لكن الجدية غائبة، ولو كانت الأخيرة موجودة لاختلف سلوكه خلال السنوات الماضية تجاه الوضع السوري. المجتمع الدولي اليوم يريد حلًا في سورية أصبح في منزلة “الأحجية”، وفي الحقيقة تقع على عاتقه نسبة كبيرة من المسؤولية عن وصول الوضع السوري إلى هذه الدرجة الشديدة من التعقيد التي تعيق وضع تصور حقيقي وجدي وممكن لما بات يسمى “المسألة السورية”.
يريد المجتمع الدولي اليوم حلًا تتوافر فيه شروط عدة؛ التسليم بدور روسيا في سورية، لكن ضمن الحدود التي تسمح بها أميركا، ضمان عدم انتقال الوضع السوري وتفجره في دول الجوار (خاصة في لبنان)، الحدّ من النفوذ الإيراني في سورية، خروج الميليشيات والجماعات المسلحة المختلفة، ضمان عدم عودة “داعش” والإرهاب، تثبيت المصلحة الإسرائيلية في الأمن، وربما قريبًا تُوضع مسألة الجولان السوري المحتل على الطاولة، تفهّم المخاوف التركية والكردية في آن معًا في شمال سورية، أما على المستوى السوري فيريد المجتمع الدولي حلًّا لا يبقي النظام كما هو، ولا يسقطه دفعة واحدة، أي يريد حلًّا “بين البينين” كما يُقال.
شخصيًا، لست متفائلًا، وما زال لدينا الكثير الكثير من الوقت للقول إن السوريين بدؤوا أولى خطواتهم في الطريق الصحيح، وما يزيد من تشاؤمي هو، بالدرجة الأولى، عدم وجود طرف سوري، وطني، ديمقراطي، منظم ومتماسك، خبير وبعيد النظر، يتقن ربط التكتيك بالاستراتيجية، ويحظى بثقة أكثرية السوريين.
س3- مؤسسات المعارضة، كالائتلاف وهيئة التفاوض وحتى الحكومة المؤقتة، هي مؤسسات تختفي خلفها دول لها اجندات في سوريا. كيف يمكننا الخلاص من هذه الحالة، والوصول إلى قرار وطني مستقل للمعارضة؟ هل ترى ضرورة عقد مؤتمر وطني مستقل يمثل السوريين يشكل مرجعية وطنية؟
اعذرني أولًا لقساوتي في توصيف “الهيئات” و”المؤسسات” المعارضة الموجودة حاليًا؛ فهي ليست أكثر من مجموعة من “الكراكيب” الموجودة في الطريق، لا تفيد شيئًا، لكنها تعرقل المارة. هذا لا يعني، بالطبع، أنني لا أحترم عددًا من الشخصيات في داخلها، وهي قليلة بالطبع، ولا يعني أيضًا تبجيل ذات المتحدث. إنه مجرد رأي شخصي، وأعتقد أن الواقع يقول أكثر من ذلك.
صُمِّمت هذه “الكراكيب” أصلًا لتكون مطواعة للدول وأجهزتها، وليس بيدها شيء إلا الانتظار، فضلًا عن أنها تفتقر إلى الصفة الوطنية بمعناها العمومي، أي بمعناها الذي يرى سورية كلًا واحدًا موحدًا، ويقدِّم خطابًا وطنيًا يلامس الشعب السوري كله، وهذا ما يجعلها معارضات جزئية وحصرية وكانتونية، وأشعر أنها تأقلمت مع واقع النفوذ الدولي والإقليمي والتقسيم في سورية، فكل منها يوجه خطابه لترضى عنه دولة بعينها، وجزء محدود أو محدّد من السوريين فحسب.
بالتأكيد، معارضة هذه أوصافها، كما أرى بالطبع، لا أتوقع أن تنتج أو تقدم شيئًا يُعتد به، وهذا رأيي فيها منذ السنة الأولى للثورة، ومن ثمّ لا يمكن لحلٍّ مأمول أن يصدر عنها، ولا يمكن أن تكون عنصرًا مهمًا أو فاعلًا في أي حلّ.
سمعت رأيًا لفريدريك هوف يطلب فيه من المعارضة أن تغادر إلى أوروبا لتصبح فاعلة ومنتجة، وتخرج من العباءة التركية والقطرية والسعودية، وقد تلقفه البعض وعدّوه فتحًا يحتاج إلى التطبيق فحسب، وأنا أردّ على هذا الاقتراح بالقول “لا يصلح العطار ما أفسده الدهر”، ولا يمكن إعادة بناء المعارضة باستخدام المواد نفسها، المواد التي خربت البناء في السابق، جهلًا أو قصدًا. ثم إن المشكلة لا تكمن في المكان الذي تعمل فيه المعارضة بدرجة أولى، بل في خفّتها أولًا، المتمثلة بغياب السياسة والعقل السياسي، وفي افتقادها للشجاعة الذي يتمثل بالقابلية شبه الأصيلة للامتثال إلى إرادات الدول ثانيًا.
الحل بالتأكيد هو في خارج هذه المعارضات، وبيد الشباب أولًا الذي ما زال غائبًا عن السياسة، وصَرف جلّ وقته وعمله في المنظمات المدنية والإعلام.
أما بخصوص المؤتمر الوطني السوري المأمول، فلم يحن وقته بعد، وما زال أمامنا الكثير لنصل إليه، وله شروط ومعايير عديدة غير متوافرة اليوم، ما يعني أن الدعوات الموجودة اليوم لعقد “مؤتمرات وطنية” لن تتمخض إلا عن إنتاج “كراكيب” جديدة، لها طعم ونكهة “الكراكيب” القديمة.
المصدر: عنب بلدي