تتسارع التطورات في إدلب مع استئناف الطائرات الحربية الروسية غاراتها على المحافظة ووقوع قتلى وجرحى من المدنيين لأول مرة منذ آذار/مارس الماضي عندما وقعت روسيا وتركيا على اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب عقب هجوم دموي للنظام السوري على المحافظة قبل أن يتحول إلى مواجهة عسكرية مباشرة اعتبرت الأكبر والأوسع بين تركيا من جانب والنظام السوري بشكل مباشر وروسيا بشكل غير مباشر من جانب آخر.
حشود عسكرية
وعقب أسابيع من الحشود العسكرية والاستعدادات بدأ النظام السوري بالهجوم على بعض المناطق في جنوب إدلب وخاصة في منطقة جبل الزاوية الاستراتيجي في هجوم يتوقع أن يتصاعد تدريجياً خلال الأيام المقبلة ويهدف إلى السيطرة على المناطق الواقعة جنوب الطريق الدولي «إم 4» وهي المناطق التي لم يتمكن من السيطرة عليها في الهجوم السابق الذي توقف عقب المواجهة مع تركيا والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وانطلاقاً من استراتيجيته التي اتبعها طوال السنوات الماضية، فإن النظام السوري يعمل بشكل ممنهج عقب كل اتفاق لوقف إطلاق النار على إعادة ترتيب صفوفه والانتظار لأشهر قليلة قبل أن يعاود هجومه لقضم مزيد من المناطق المستهدفة وصولاً للسيطرة عليها بشكل كامل. وفي الهجوم الأخير، تمكن النظام من السيطرة على مناطق واسعة واستطاع إحكام سيطرته على كافة المناطق التي يمر منها الطريق الدولي «إم 5» لكنه لم يتمكن من مواصلة هجومه للسيطرة على الطريق الدولي الثاني «إم 4» والذي جرى الاتفاق على فتحه عقب تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة وتأمينه من قبل البلدين، إلا أن التطورات تشير إلى أن السيطرة على الطريق عسكرياً هو هدف الحملة العسكرية المقبلة للنظام السوري.
وعلى الرغم من تسيير أكثر من 16 دورية روسية – تركية مشتركة طوال الأسابيع الماضية على الطريق الدولي، وتأكيد أنقرة استتباب الهدوء في إدلب وتطبيق بنود الاتفاق الأخيرة، إلا أن روسيا والنظام واصلا الحديث عن «الجماعات الإرهابية» والخروقات المستمرة، وغيرها من المبررات التي اتبعت حرفياً وبشكل ممنهج على مدار السنوات الماضية لخرق الاتفاقيات مع تركيا واستئناف العمليات العسكرية في إدلب.
وبينما يبدو أن هجوماً جديداً للنظام أمر حتمي يتعزز يوماً بعد يوم، فإن المجهول يبقى موعد هذا الهجوم وهدفه النهائي وما إن كان سيقتصر على مواجهة بين فصائل المعارضة السورية والنظام، أم أنه سوف يتوسع إلى مواجهة مباشرة بين تركيا والنظام، وهي المواجهة الخطيرة التي يمكن أن تكون روسيا طرفها الثالث إلى جانب النظام سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وما يعزز اتخاذ كافة الأطراف بعين الاعتبار احتمال حصول السيناريو الثاني وحصول مواجهة بين تركيا والنظام، فإن الأخير نقل مئات الدبابات والعربات العسكرية وكتائب عسكرية كاملة لإدلب، إلى جانب استلامه دفعات جديدة من الطائرات الحربية الروسية، كما أجرى تدريبات ومناورات على مواجهة الطائرات المسيرة، في خطوة فهم منها أنها محاولة من النظام وروسيا لتعزيز قدرته على مواجهة الطائرات المسيرة التركية التي كان لها الدور الأكبر في توجيه ضربات تركية موجعة للطرفين في المواجهة السابقة.
وعلى الجانب الآخر، بدأت تركيا في الأسبوعين الأخيرين، بإدخال مزيد من التعزيزات العسكرية إلى إدلب، وقامت بتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية بدبابات ومدافع متنوعة وراجمات صواريخ إلى جانب إدخالها منظومات دفاعية متطورة لنقاط تمركزها الكبيرة بالداخل وذلك في خطوة فهم منها أيضاً أنها تهدف إلى تعزيز حماية القوات التركية أمام الهجمات الجوية التي أدت إلى مقتل العشرات من جنودها في المواجهة السابقة.
أنقرة لا ترغب في المواجهة
وعلى الرغم من أن تركيا كانت على الدوام تقوم بتحركات دبلوماسية واسعة مع كل مؤشر على نية للنظام لمعاودة الهجوم على إدلب، إلا أنها هذه المرة تبدو الاتصالات الدبلوماسية مع روسيا ضئيلة إلى حد كبير باستثناء اتصال جرى قبل أيام بين وزراء الخارجية وهو ما يؤشر ربما لوجود جمود وتراجع في العلاقة بين البلدين على خلفية التطورات الأخيرة في ليبيا.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وخلال لقاء تلفزيوني، مساء الثلاثاء، عندما سئل عن التطورات الأخيرة في إدلب اكتفى بالقول إن الأمور تسير بشكل جيد فيما يتعلق بالدوريات على الطريق الدولي رغم وجود بعض الإشكاليات، وفضل الحديث عن الموضوع من جانب إنساني وملف النازحين وزيارة وزير داخليته سليمان صويلو إلى إدلب قبل أيام. لكن أردوغان الذي هاجم الدور الروسي في ليبيا بقوة، اعترف بأن تحركات بلاده هناك أغضبت روسيا وكشف عن أنه سوف يبحث الملف مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهو الاتصال الذي لا يمكن أن يمر بدون التطرق إلى ملف إدلب كما سوف تؤثر نتائجه على التطورات المقبلة في إدلب.
وبشكل عام، لا ترغب تركيا المنشغلة في ليبيا وملف شرق المتوسط بخوض أي مواجهة جديدة في إدلب، إلا أن المشهد على الأرض يعطي صورة واضحة على أن أي تفجر للأوضاع العسكرية في إدلب لا يمكن لتركيا أن تنأى بنفسها عنه لا سيما في ظل وجود آلاف الجنود الأتراك هناك، وتعهدات تركيا السابقة بالحفاظ على إدلب كمكان آمن للاجئين وعدم سماحها بحصول موجة هجرة جديدة إلى أراضيها، كما ان أي تقدم للنظام وروسيا في إدلب حالياً سيعتبر بمثابة تراجع يوازي التقدم التركي في ليبيا وهو ما ستحاول تركيا منع حصوله، بكل الطرق الممكنة، إلا ان هذا «الممكن» لم يمنع في السابق النظام من التقدم ولو جزئياً في إدلب، وهو ما لن يمنعه في أي مواجهة مقبلة مدعوماً بزخم الغطاء الجوي الروسي.
المصدر: «القدس العربي»