تضغط الأزمات الاقتصادية المتصاعدة والمتتالية في مصر، باتجاه البحث عن تفاهمات سياسية جديدة، عربية وإقليمية، يمكن أن تمنح النظام فرصة للخروج من المأزق، أو على الأقل تخفيف حالة الغضب والاحتقان التي تتصاعد على مستويات متعددة.
وتواجه النظام واحدة من أسوأ الأزمات التي شهدتها البلاد منذ نحو 10 سنوات، بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، والناتجة عن نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات التوليد، وهي الأزمة التي تسببت في احتقان متصاعد في الشارع المصري.
وبحسب مصادر مصرية رسمية، تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن “ما زاد من وتيرة الأزمة، نقص الدولار، وهو ما عطل استيراد الكميات اللازمة من الوقود، وعدم التوصل إلى اتفاقات مع بعض الدول الخليجية، لتزويد القاهرة بالوقود اللازم لتدارك الموقف، ووضع حد للغضب الشعبي”. وأضافت أن “القاهرة انخرطت في مفاوضات مع الجزائر، منذ منتصف الشهر الماضي، من أجل الحصول على شحنات عاجلة من الغاز المسال، حيث تعد الجزائر واحدة من أكبر الدول المصدرة للغاز”.
ولفتت المصادر إلى أن “المفاوضات الجارية في الوقت الراهن، أوشكت على الوصول إلى نهايتها”، كاشفة عن أن “تلك المفاوضات لم تتوقف على الجانب الاقتصادي فقط، بل تجاوزته لتشمل أيضاً اتفاقات أخرى مرتبطة بقضايا مشتركة بين البلدين، في المقدمة منها ملفات سياسية مهمة”.
أزمة الطاقة سياسية بالدرجة الأولى
وحول مساعي مصر للخروج من أزمة الطاقة الحالية عن طريق “التفاهمات السياسية”، التي تسعى للوصول إليها، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير عبد الله الأشعل، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “أزمة الطاقة في مصر سياسية بالدرجة الأولى، وليست فنية، في ظل الطريقة التي تدار بها مناحي الحياة المختلفة من قبل النظام، وكذلك وجود حالة من عدم الشفافية والوضوح في العمل الحكومي المتعلق بقضايا الطاقة، ضمن السياسة العامة لتغييب المواطن المصري عن حقائق الأمور، حيث إننا لم نعد نعرف هل مصر من الدول المصدرة للغاز والبترول أم دولة مستوردة، ومصر دولة غنية بمصادر الطاقة أم فقيرة؟ فعلياً لم نعد نعرف أين نحن من خريطة الطاقة والموارد الطبيعية”.
وأضاف الأشعل أن “ملف الطاقة في مصر، بات محور تجارة ومصدر دخل لفئة محددة في الدولة، ولم يعد ملفاً وطنياً يخضع النقاش فيه لمبادئ الأمن القومي المصري، فكيف للدولة أن تصدّر الغاز لإسرائيل ومن ثم تعود تستورده منها، وكيف تعطى إيطاليا الأحقية في التصرف في مصادر الطاقة، خصوصاً في ظلال قضية الطالب (جوليو) ريجيني”.
وبيّن الأشعل أن “التحركات المصرية الحالية في سبيل تخفيف أزمة الكهرباء في مصر، تعد مناورات، سواء التواصل مع الجزائر أو الخليج، وبالتالي فقد لا تجدي هذه التحركات نفعاً على المدى البعيد أو حتى المتوسط، بل ربما تدخلنا في مقايضات مع الدول الأخرى التي يتواصل معها النظام المصري لاستيراد الغاز أو المحروقات”.
وأشار إلى “حيرة كبيرة تجاه السياسات العامة في التعامل مع القضايا الاستراتيجية للأمة المصرية، خصوصاً في ظل توجهها لإسرائيل والإمارات والجزائر للبحث عن بدائل سريعة لتخفيف الأزمة”.
وقال إن “المطلوب من الحكومة المصرية أن تكشف عن المعلومات الحقيقية لملف الطاقة، والطريقة التي يدار بها منذ سنوات، وهل هو على قاعدة المصلحة العامة أم الخاصة؟”.
الحكومة تواجه “مأزقاً مزدوجاً”
وبحسب مصدر مصري، فإن الحكومة “تواجه مأزقاً مزدوجاً”، موضحاً أن “الغضب المتنامي في الشارع المصري، تقابله تساؤلات في جهات عدة، بسبب توجه الحكومة للاستدانة من خزانة القوات المسلحة”.
وقال إنه “في ظل تباطؤ المفاوضات الخاصة بالحصول على قروض جديدة من الخليج، وعدم حصول مصر على الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد، وكذلك تعطل مفاوضات الاستحواذات الخليجية على حصص حكومية بعدد من الشركات، ضغط الرئيس (عبد الفتاح السيسي) أكثر من مرة منذ بداية العام الحالي على المؤسسة العسكرية، لإخراج أموال من خزائنها المستقلة، لتمويل عمليات شراء قمح ووقود، وسداد أقساط ديون كانت مستحقة خلال تلك الفترة”.
يذكر أن من بين المسارات التي تتحرك من خلالها القاهرة لمواجهة أزمة نقص الوقود اللازمة لمحطات الكهرباء، هو الاتجاه لحكومة الاحتلال الإسرائيلي لزيادة كميات الغاز المشتراة منها، وهو المطلب الذي واجه تعنتاً إسرائيلياً، بحسب مصادر، تحدثت في وقت سابق لـ”العربي الجديد”.
مشكلة الكهرباء سببها قرار سياسي
وتعليقاً على أزمة الطاقة بمصر، قال الباحث السياسي والمتخصص في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية، خالد فؤاد، لـ”العربي الجديد”، إن “مشكلة الكهرباء في مصر سببها قرار سياسي، تمثل في إعطاء تعليمات بزيادة إنتاج الغاز، بهدف التصدير إبان الأزمة الروسية الأوكرانية، كسباً للأسعار المرتفعة، بغية الحصول على العملة الصعبة، التي تعاني مصر من نقص حاد فيها وبشكل مستمر”.
وأضاف: “أدى التعجل في زيادة الإنتاج خلال العام الماضي، إلى انخفاض إنتاج حقل ظهر، وهو أكبر حقول الغاز في مصر، وأصبح الطلب على الغاز أكبر من كمية الإنتاج. وفي ظل الاستهلاك العالي للكهرباء، لم تعد كميات الغاز الموردة من حقل ظهر وحقول الغاز الأخرى تكفي لعمل محطات توليد الكهرباء بالشكل المطلوب”.
وبيّن فؤاد أن “الصفقات التي عقدها النظام المصري مع إسرائيل لاستيراد الغاز منها لم تضع في الحسبان التوقعات المستقبلية بانتهاء الاكتفاء الذاتي من الغاز في مصر، ومن ثم الاعتماد على الغاز الإسرائيلي لسد جزء من احتياجات السوق المحلية المصرية، وهو أمر يمس أمن الطاقة المصري”.
وتابع إن “انعدام الرؤية، متوسطة وبعيدة المدى، لدى الحكومة المصرية، في إدارة موارد الغاز، يعود إلى القرار السياسي، وهو ما أدى إلى النتائج السيئة التي يعيشها الشعب المصري في الوقت الحالي، نتيجة انقطاع الكهرباء بشكل يومي”. وأشار إلى أن “زيادة الإنتاج بشكل كبير خلال العامين الماضيين أدى إلى مشاكل فنية في آبار حقل ظهر قللت من الإنتاج في العام الحالي”.
المصدر: العربي الجديد