توج ظهور زعيم عصابات الأسد في قمة “جامعة الدول العربية” جهداً استمر شهوراً لإعادة دمج الديكتاتور في سياسة واقتصاد المنطقة بشكل رسمي، هذا التقارب، الذي جاء على خلفية اتفاق بكين بين السعودية وإيران، والزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، ويمكن اعتبار ذلك نتيجة تحول في الأولويات لقيادات بلدان المنطقة، أو تعبيراً عن نهاية الربيع العربي، وهو ما تجسد في انتقال سورية وتركيا إلى اتصالات عامة مباشرة بعد أكثر من عشر سنوات من تجميد العلاقات الثنائية بينهما. وترافق هذا التحول مع جمود الجهود الأممية والدولية لإيجاد حل سياسي للقضية السورية، مما أتاح فرصة لبعض الأنظمة العربية للتقدم بمبادرات سياسية على أمل التخلص من الصداع السوري، على رغم كل الجرائم الفظيعة التي ارتكبها هذا النظام خلال السنوات الماضية، وعلى رغم العزلة السياسية الخانقة التي تطوق عنقه. حيث تقع سورية في قلب مسائل الاستقرار والأمن الإقليميين، مع ارتباطها بقضايا من تجارة المخدرات إلى إدارة العلاقات مع إيران.
وإن كان نظام عصابات الأسد قد بقي معزولاً دولياً منذ بدئه في القمع الوحشي لانتفاضة الشعب السوري المترافقة مع الربيع العربي، وترسخ هذا العزل دولياً من خلال عقوبات قيصر، التي استهدفت الأفراد والكيانات التي تشكل هيكل هذه العصابات، ووصل الحال إلى تدمير الاقتصاد السوري، وتوجهه عصابات الأسد إلى تجارة الكبتاغون وبيع أصول الاقتصاد السوري إلى إيران وروسيا.
وشهدنا خلال الفترة الماضية محاولات النظام الأردني، لتطبيع العلاقات مع عصابات الأسد، في مسعى للحد من تأثير إنتاج وتصدير الكبتاغون على المجتمع الأردني، حيث أصبح الأردن أحد الطرق الرئيسة لعبور هذه التجارة إلى الأسواق الخليجية، وكان النظام الأردني يأمل، كما بعض الأنظمة العربية، بالسيطرة على تجارة الكبتاغون من خلال المفاوضات مع دمشق والاستثمار في مشاريع اقتصادية بسورية، إضافة لتخفيف النفوذ الإيراني على عصابات الأسد والمنطقة. ولكن، بالرغم من هذه المحاولات المتكررة، فإن الأنظمة التي حاولت ذلك شعرت بالإحباط مراراً وتكراراً، لانعدام الرغبة لدى عصابات الأسد للتخلي عما أصبح تجارة مربحة، كما لا يمكنها التزحزح بشأن قضايا جوهرية مثل إيران.
وحيث أن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة قد صرحت بوضوح، أنهم غير مهتمين بعلاقة مع دمشق ولن يرفعوا العقوبات، لكنهم لن يمنعوا الأنظمة الأخرى من تجديد العلاقات أيضاً، إذ أن واشنطن لم تعارض جدياً تقارب بعض الأنظمة العربية مع الأسد طالما أنه تحت رقابتها، ولن يتعدّى حدوداً أو سقوفاً وضعتها، ولكنها كانت تصرّ على أخذ شيء من الأسد مقابل ذلك. ولكن هذا يجعل من فرصة المساءلة والسلام الدائم للشعب السوري لا تقل عن كونها غير موجودة، كما أن الأمل في تحرك – أي تحرك – للمساعدة في استقرار الاقتصاد السوري المنهار وإيجاد حل سياسي للقضية السورية يصبح سراباً، وبالتالي يبدو التطبيع مع نظام عصابات الأسد مجرد خيانة من غير المرجح أن تسفر عن نتائج. وهنا يبرز الأمل بالدعوة المقدمة إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاة نظام عصابات الأسد بشأن انتهاكاته لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، بحق المواطنين السوريين الذين تعرّضوا للتعذيب والقتل والاختفاء والاعتداء بالغاز السام، أو أُجبروا على الفرار حفاظاً على حياتهم وترك كلّ ما لديهم، مما يساهم في فتح ملف الجرائم والانتهاكات وأعمال التعذيب واستخدام السلاح الكيماوي، تمهيداً لتحقيق العدالة الانتقالية.
وترافق ذلك مع تحرك للمعارضة الرسمية باجتماعات جديدة لهيئة التفاوض، وبيان جديد لمناف طلاس عن ضرورة المجلس العسكري، واجتماعات “مدنية” في باريس. مما يثير الشك بأن هذه التحركات جاءت بإيحاءات دولية، ولا سيما عقب محاولات التقارب بين تركيا وعصابات الأسد بضغط روسي، تجسد بإنهاء مسار أستانا والاستعاضة عنه بمسار يحظى بمشاركة أوسع ربما عربية، في ظل التغييرات السياسية الناجمة عن الانفتاح العربي على عصابات الأسد، مما يوحي بخروج مغتصبي السلطة في دمشق من أزمتهم، تمهيداً لدمج مسار أستانا بالمسار الرباعي (الروسي، التركي، الإيراني، نظام الأسد)، ما يحقق لها استبعاد المعارضة وفرض نظام العصابة الحاكمة كطرف سوري وحيد في هذه المحادثات. مما يؤكد إلى أن الحلول السياسية لا تزال مستبعدة ومتأخرة، فيما يسعى كل طرف من أطراف الانقسام إلى تحصين وجوده وأوراق قوته.
في خضم هذه الأحداث، تعبر الحاضنة الشعبية للثورة عن غضبها من مشاهد احتفاء الأنظمة الإقليمية بنظام عصابات الأسد، ومن الاندفاع الإقليمي لإعادة تعويم هذا النظام، متجاهلين مصير ملايين اللاجئين والمشردين، ودون وضع آلية لمحاسبة الجناة ومن تلطخت أيديهم بدماء ملايين السوريين قتلاً وتعذيباً وتشريداً. مع تراكم إخفاقات مؤسسات المعارضة الرسمية الممعنة في الارتهان للأجهزة الداعمة، والمنفصمة عن القاعدة الجماهيرية، والعاجزة عن مواكبة الحراك الثوري، والتي تكرر فشلها في تمثيل صوت الحاضنة الشعبية للثورة، العاجزة عن إصلاح هياكلها، بالرغم من الوعود العديدة والفرص لتصحيح مسار عملها وتحقيق إصـلاح ذي جـدوى في هياكلها المهترئة، مما أحدث صدوعاً يصعب رأبها. وخاصة اتجاه شخصيات تبوئة مسؤولية تلك المؤسسات ولم تستطع تثبيت التزامها بأهداف الثورة، مع إصرارها على التمسك بالمناصب رغم ّ انعدام الخبرة وفقدان الأهلية، راضين بالمكوث خارج دوائر الفاعلية والوقوف على هامش الأحداث.
كل ذلك يتم وسط تفشى مظاهر الانفلات والفساد في المناطق الخارجة عن سيطرة عصابات الأسد، ويشهد الشارع السوري حالة غليان شعبي إزاء حالة العجز المطبق، فيما تتعالى الأصـوات المطالبة بتشكيل معارضة جديدة تمثل مطالب الشعب السوري الثائر وتقوده إلى بر الأمان. من هنا تبرز الحاجة إلى ترشيد الحراك السياسي لتقديم البديل الناضج عبر الخروج من دوائر الشللية، وضخ الدماء الشابة، وتجاوز المحاصصة وصراع النفوذ بين التيارات المترهلة، ومبادرة الشخصيات التي تتسم بالاستقلالية والنزاهة لتولي مهمة تجسيد جسم سياسي يعبر عن الحاضنة الشعبية للثورة، من مؤسسات احترافية تتولى مهمة توجيه الرأي العام للثورة، لتشكيل لوبي حقيقي يكون أكثر قدرة على الفاعلية والتأثير في القرار الدولي بما يخص القضية السورية.
المصدر: اشراق