لم يكن يوم الخميس، ـ8 من حزيران/ يونيو 2023، عادياً في أخبار السوريين؛ خاصة أولئك الذين من المفترض أنهم هربوا من ويلات القتل إلى بلدان أكثر أمناً واستقراراً.
يطالعك وأنت تتفحص الشريط قضايا صادمة عن سوري يركض مثل ثور هائج في فرنسا، يطعن المارة ويتقصد الأطفال منهم، في مشهد صادم يعجز المرء عن تفسيره. ليس بعيدا عن هذا القادم من السويد إلى فرنسا ليمارس جريمته النكراء، يقدم سوري آخر على سرقة سكين شاورما من مطعم عربي وسط مدينة بريمن الألمانية ليهاجم المارة أيضا بعدائية غريبة قبل إيقافه من قبل الشرطة. تأتي هذه الجريمة النكراء بعد يوم واحد من تحطيم لاجئ سوري زجاج 245 سيارة في ولاية هامبورغ شمالي ألمانيا مبررا فعلته الغريبة بالانتقام من الشرطة لأنها منعته من قيادة سيارته من دون رخصة قيادة.
في سياق مواز، ألقت شرطة ولاية كلس التركية في ذات اليوم القبض على لاجئ سوري في أثناء محاولته الفرار إلى سوريا بعد قتله شقيق زوجته. يأتي ذلك بعد يوم فقط من إعلان شرطة إسطنبول عن توقيف خلية من ثلاثة سوريين أحدهم يعمل في مشفى خاص ويحمل الجنسية التركية، تتاجر بالأعضاء البشرية. لكن ما كسر فظاعة هذا اليوم إخباريا كان حصول اللاجئ السوري عبد اللطيف حاج محمد على لقب “سويدي العام” ضمن احتفالات المملكة بعيدها الوطني الـ500، وهو لقب يمنح للتجارب الناجحة في الاندماج، التكيف، والتكامل. وكعادتها، انشغلت وسائل الإعلام السورية بالخبر الأخير، وتجاهلت ربما عن غير عمد ما سبقه، في انتقائية قد تكون مفهومة لكنها تطرح الكثير من الأسئلة.
مما لا شك فيه أن الإنسان السوري تعرض خلال العقد الأخير لعنصرية غير مسبوقة وأكثر من أن تحتمل، وغدا مصطلح “السوري” أشبه بعلامة اجتماعية دالة بالمعنى السلبي”Stigma” يشار إليها في الإعلام والسياسة، بل حتى في اللوحات الطرقية كما حصل في الانتخابات التركية الأخيرة من دون توقع أي محاسبة أو معايرة في زمن يحقق فيه اليمين العنصري حضورا مهما في كثير من البلدان، وتزداد فيه الشعبوية السياسية عالميا مترافقة مع تنامٍ في الشعور القومي بطريقة إقصائية تحتقر الآخر غير المنتمي أو ما نسميه أكاديميا ” Bottom-up nationalism and discrimination”.
ومع أن العنصرية كفعل سياسي تقوم في الغالب على أكاذيب ووقائع غير صحيحة، فإنها تعتمد على ذخيرة ومخزون أيديولوجي “Ideological repertoire” أيضا يجد قدراته الإقناعية في مثل هذه الجرائم. لذلك، لاحظ عدد من الباحثين أن المدن والعواصم الأوروبية باتت تعاني ولأول مرة من أزمة هوية وطنية داخلها رغم الافتراض الأولي بأنها واحة للتعددية الثقافية وإدماج المهاجرين والقادمين الجدد. وتعكس نتائج الانتخابات التركية الأخيرة هذه الفرضية على أرض الواقع حيث كان للخطاب العنصري أرضية أقوى في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير وأنطاليا مقارنة بالمدن الصغيرة والداخلية.
باختصار، يتغذى الخطاب العنصري على حوادث وجرائم يرتكبها المهاجرون، وهذا مدان بالطبع. لكن السؤال الذي يطرح هنا هو لماذا يستمر اللاجئون في ارتكاب الجرائم رغم درايتهم بالاستغلال العنصري لها؟
الميل نحو العنف والإجرام ظاهرة معقدة لها أسباب ودوافع عدة، منها ما هو هيكلي يتعلق بالبنى الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية، ومنها ما هو فردي يخص الفرد في جوانبه السيكولوجية. وفقا للجمعية الأميركية للنفسانيين (APA)، يميل الأشخاص الذين يكونون أكثر انفتاحا على العنف إلى الشعور بالغضب والاغتراب أو الإحباط؛ ويعتقدون أن مشاركتهم الحالية لا تمنحهم القدرة على تحقيق تغيير حقيقي؛ ويتعرفون على المظلومين المفترضين للظلم الاجتماعي الذي يحاربونه؛ ويشعرون بالحاجة إلى اتخاذ إجراءات بدلا من التحدث فقط عن المشكلة؛ ويعتقدون أن اللجوء إلى العنف ليس عملا غير أخلاقي.
بالطبع، يعاني كثير من اللاجئين السوريين في بلاد اللجوء من أزمات واضطرابات نفسية بسبب الصراع الدائر في بلادهم، والتحديات التي يواجهونها في بلدان اللجوء، مثل صعوبة التكيف مع ثقافات جديدة والتحدث بلغات جديدة، وصعوبة الحصول على فرص عمل. وتشير دراسة أجرتها جامعة أوكسفورد عام 2015 إلى أن اللاجئين الذين يعانون من اضطرابات نفسية يميلون إلى ارتكاب جرائم أكثر من غيرهم. وبحسب الدراسة، لا يمكن إلقاء اللوم على جميع اللاجئين في ارتفاع معدلات الجريمة ببلاد اللجوء، وإنما يتعلق هذا بالأفراد المحددين فقط.
إن استمرار مخالفات وجرائم السوريين في بلدان اللجوء ولا سيما في الدول الأوروبية، قد يشير إلى أزمة اندماج، خاصة إذا ترافقت مع زيادة غير مفهومة في معدلات البطالة بين مجتمعات اللاجئين. فعلى سبيل المثال، تشير إحصائية أخيرة إلى أن 37 بالمئة من اللاجئين السوريين في النمسا عاطلون عن العمل في وقت تسجل فيه البلاد انخفاضا ملحوظا في مستوى البطالة على المستوى الوطني.
لغياب الاندماج عوامل أشرنا إليها سالفا كاللغة والثقافة والاغتراب الاجتماعي والسياسي، ولكن لها، بحكم تجاربنا بعد عقد على اللجوء، دوافع أخرى تتجلى في الاستثمار بالمظلومية والأحقية في اللجوء إلى العنف أو التهرب من الأعباء والالتزامات، والتفكير بطريقة انفجارية تقترن عادة لدى بعض الأفراد بإحساس مفرط بالتمييز والنرجسية التي تدفعهم لأفعال شائنة على غرار حادثة الشاب السوري في هامبورغ الذي لم يجد سبيلا للتعبير عن غضبه إلا بتحطيم زجاج السيارات، وتحطيم صور نماذج كثيرة لتجارب نجاح سوري.
إن مواجهة الخطاب العنصري والعنصريين أمر ملح وبكل الوسائل، ويمكن للجاليات السورية في أماكن توزعها أن تلعب دورا محوريا فيه، لكن ذلك يتطلب أيضا تطويق المرتكزات التي يستند إليها العنصريون والتي تأتي الجرائم السابقة في مقدمتها. هذه دعوة لنقاش الموضوع بشكل أكبر قبل أن يستفحل خطره ويعم.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا