في مقالة سابقة كتبتها تحت نفس هذا العنوان “هل يفعلها أردوغان؟” وكان ذلك إبان محطة من محطات ثورتنا السورية العظيمة. إلا أن ذلك لم يحدث، وكذلك اليوم وفي فضاء الحدث الانتخابي الرئاسي والنيابي المتميز داخلياً واقليمياً، بل ودولياً، وفي فضاء مأساتنا السورية التي مضى عليها أكثر من عقد من الزمن، وما أحاط ويحيط بها من تعقيدات دولية وإقليمية ووطنية، ومن صراعات تتكئ أطرافها لتحقيق مصالحها وأهدافها على نظام دولي كان دائماً بالنسبة لها بمثابة العنصر المحدد والدال لعمق ومستوى وسقف هذه الصراعات والتعقيدات.
جاءت هذه الانتخابات ليتربع أردوغان على عرش السلطة في الدولة التركية للمرة الثالثة مبرراً هذا التربع بولائه لشعبه ودولته ومعلناً عن دوره الخادم لهما، ومبرهناً عن صدق إعلانه هذا ومثبتاً مصداقيته من خلال الممارسة العملية والأثر الملموس الذي عاشه الشعب واقعياً في كل مناحي حياة المجتمع والشعب التركي وما ســُجل له تاريخياً من فارق نوعي في نمط ومستوى هذه الحياة في مرحلة ما قبل أردوغان وفي ما بعدها حتى اليوم.
وإذا اعتبرنا أن من حقنا ومن واجبنا كسوريين موجودين في تركيا بحكم مأساتنا السورية التي ذكرناها، التفاعل مع هذه الظاهرة الأردوغانية، فإننا لا نقوم بذلك إلا من زاوية تعلقنا وولعنا الشديد بالحرية وروادها وبأحقية شعوبنا في تحقيق أحلامها في تحطيم معادلة السلطة القائمة في بلداننا العربية والتي تقول بخدمة الشعب للسلطات الحاكمة التي تعتبر شعوبها مادةً، وأداة للثراء، والهيمنة، والسيادة.
ومن هذا المنطلق كانت هذه الظاهرة بالنسبة لنا محط إعجاب وانحياز لكل العناصر الإيجابية التي احتضنتها والتي حلمنا بها وتمنينا أن نكرسها في وطننا المحتل حتى الآن.
والتي تقول بترجمة معادلة السلطة التي نؤمن بها والتي أشرنا إليها، إلى واقع تعيشه شعوبنا، وإذا كنّا نتمنى لهذه الظاهرة ولشعبها التركي المزيد من تعميق خطوات النجاح في كافة مناحي الحياة ومواجهة تحدياتها، فإنه بالمقابل لا يفوتنا أن نذكر ما اعترى هذه الظاهرة من مواقف ومحطات لم تكن على الإطلاق لتخدم مسار ثورتنا وتوجهها نحو تحقيق أهدافها، بل ونسجّل للتاريخ أننا تمنينا في مرحلة من مراحلها أن يترجم أردوغان أقواله إلى أفعال عندما أعلن أن حماة خطاً أحمراً.
إلا أن ذلك لم يحدث…
واليوم وبعد استغراق ثورتنا ما استغرقته من زمن وتضحيات وتجارب وخبرة في مسألة الصراعات التي أحاقت بها، وإذا سجلنا أيضاً لأردوغان في بعض مواقفه ما يتفق مع مصالحنا ومصالح ثورتنا كشعب وأمة.
كقوله: إن العالم بحاجة لنظام دولي جديد.
وقوله: بأن العالم لا يمكن أن يتم إدارته من قبل خمس دول فقط هي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
وقوله: بضرورة تكريس وترجمة مفهوم السيادة والاستقلال التركيين إلى واقع عملي بعيداً عن سياسات النظام الليبرالي المعولم والمتوحش.
فإننا حيال كل ذلك نطرح على أنفسنا وعلى من يروج للسياسة الأردوغانية التي تمثلت بما يسمى بالعثمانية الحديثة آخذين بالاعتبار طبيعة صراع الأردوغانية مع مفاصل هذا النظام المعولم والمتوحش، وإمكانية انتهاز الفرص التي تحين بين الفترة والأخرى في سيرورة هذا الصراع المعولم كما تحين اليوم في سياق الصراع المحتدم والمتمركز في الحرب الدائرة بين روسيا من جهة وقلب الغرب الأوروبي والأمريكي من جهة أخرى.
نطرح السؤال التالي مرة أخرى: هل يفعلها أردوغان؟
فيقلب طاولة الصراع في منطقتنا العربية وخاصة في وطننا السوري، ويعمد إلى القيام بحركة نوعية تطيح بنظام العمالة الأسدي الذي لم يعد خافياً على أي متابع أن هذا النظام إن هو إلا تعبيراً عن فساد النظام الدولي وإفلاسه التاريخي على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والأخلاقية؟
فهل يفعلها السيد أردوغان؟ ربما!!