تسود المخاوف من استئناف قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها، العمليات العسكرية، خصوصاً في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، في الشمال الغربي من سورية. وتسعى هذه القوات إلى قضم ما بقي تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية جنوبي الطريق الدولي اللاذقية ـ حلب “أم 4”. مع العلم أن قوات النظام واصلت خرقها اتفاق وقف إطلاق النار في منطقة إدلب، المبرم بين الجانبين التركي والروسي في مارس/ آذار الماضي، فيما يستمرّ الطيران الروسي وطيران النظام بالتحليق بشكل مكثف فوق المنطقة وتنفيذ غارات على مواقع للفصائل المسلحة.
في السياق، ذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن قوات النظام السوري جددت قصفها بالمدفعية والصواريخ على محور قرية الفطيرة والمحاور المحيطة بها قرب خطوط التماس في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، موقعة أضراراً مادية في ممتلكات المدنيين. وكانت قوات النظام قد استقدمت في الآونة الأخيرة تعزيزات إلى مواقعها في مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، بالقرب من منطقة جبل الزاوية، وفي مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، ما عزّز مخاوف من نية النظام استئناف الهجوم البري على المنطقة الواقعة جنوب الطريق الدولي “أم 4”.
وفي مقابل حشود النظام السوري، يواصل الجانب التركي تعزيز نقاط تمركز جيشه في أنحاء محافظة إدلب، فدخلت ثلاثة أرتال عسكرية من الجيش التركي معبر كفرلوسين الحدودي، ضمّت عشرات الآليات العسكرية، إضافة إلى مدافع ثقيلة وعربات مصفحة، فارتفع عدد الشاحنات والآليات العسكرية التركية التي وصلت إلى الشمال السوري منذ 2 فبراير/ شباط الماضي، إلى أكثر من 7090 شاحنة وآلية عسكرية، فيما بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب وحلب خلال تلك الفترة أكثر من 10400 جندي.
إلى ذلك، ذكرت مصادر محلية أن عدداً من العائلات التي عادت أخيراً إلى قراها في منطقة جبل الزاوية، عاودت النزوح مجدداً عقب ظهور مؤشرات على الأرض أظهرت استعداد قوات النظام لعمل عسكري باتجاه هذه المنطقة الاستراتيجية، الخاضعة بمعظمها لسيطرة فصائل المعارضة. من جانبه، أكد القيادي في فصائل المعارضة السورية العقيد مصطفى البكور، أن “هنالك حشوداً ورفع جاهزية من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة لها على أكثر من محور”. وأشار في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “هناك تكثيفاً لعمليات الاستطلاع ومحاولات التقدم على أكثر من نقطة، إضافة إلى عودة الطيران الروسي للتحليق من جديد”.
وتضم منطقة جبل الزاوية نحو 35 بلدة وقرية، أبرزها: البارة، احسم، كفرعويد، بليون، مشّون، كنصفرة، بينين، دير سمبل، جوزف، سرجة. وتسيطر فصائل المعارضة على منطقة جبل الزاوية، لكن قوات النظام ومليشيات إيرانية تقدمت في فبراير الماضي من مدينة معرة النعمان، وسيطرت على بلدتي كفرنبل وحاس، وبذلك باتت على أعتاب جبل الزاوية من الجهة الشرقية. ومن المرجح أن تبدأ العملية العسكرية، في حال حدوثها، من الجبهة الشرقية باتجاه عمق منطقة جبل الزاوية للوصول إلى مدينة أريحا على سفح جبل الأربعين.
ومن الواضح أن قوات النظام تضع في حساباتها السيطرة على كامل المنطقة الواقعة جنوبي الطريق الدولي “أم 4″، ما يعني عودة القتال إلى جبهات إدلب بعد نحو 90 يوماً من التهدئة التي أبرمها الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الروسية في الخامس من مارس الماضي، وعُرفت لاحقاً باتفاق موسكو. ونصّ الاتفاق بين أردوغان وبوتين على وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب، بالإضافة إلى إنشاء ممر آمن على طول طريق “أم 4” بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يُتَّفَق على معايير محددة لإنشاء الممر بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. أما البند الثالث، الذي يتمحور كذلك حول “أم 4″، فيشير إلى بدء تسيير دوريات مشتركة روسية تركية على الطريق الدولي من بلدة الترنبة (غربي سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية). غير أنّ البند الثالث لم يُنفَّذ بحذافيره بسبب الرفض الشعبي للدوريات الروسية على الطريق المذكور الذي تحاول موسكو إعادة الحركة عليه لإنعاش اقتصاد النظام المتهالك.
ويضمّ الشمال الغربي من سورية نحو 4 ملايين مدني يعيشون في ظروف صعبة، في ظل انعدام فرص العمل والسكن اللائق. ولم يتضح بعد الموقف الروسي إزاء أي عمل عسكري قد تقدم عليه قوات النظام التي عادة لا تتحرك من دون غطاء جوي روسي، ولكن تؤكد معطيات حرص الجانبين الروسي والتركي على استمرار التهدئة في الشمال الغربي من سورية. وكانت قوات النظام ومليشيات محلية وإيرانية قد شنّت هجوماً عسكرياً واسع النطاق أواخر العام الماضي، انتهى مع مطلع شهر مارس، سيطرت خلاله على ريفي حلب الجنوبي والشرقي، وأجزاء واسعة من ريفي إدلب الجنوبي والشرقي. وفي نهاية فبراير الماضي قُتل نحو 33 جندياً تركياً على يد قوات النظام في نقطة تمركز تركية في محافظة إدلب، ما دفع الجيش التركي إلى شنّ هجمات جوية من خلال طائرات مسيَّرة، أكدت مصادر مطلعة في حينه، أن عدداً كبيراً من عناصر هذه القوات قُتلوا أو أُصيبوا نتيجة الهجمات غير المسبوقة. وبعد ذلك سعى الطرفان التركي والروسي إلى التهدئة من خلال اتفاق موسكو، لكن المعطيات تفيد باحتمال عدم صمود الاتفاق طويلاً، في ظل الحشود المتبادلة بين قوات النظام والجانب التركي.
المصدر: العربي الجديد