سُجلت في العقود الثلاثة الماضية شكاوى مرضية متكررة كالصداع والإرهاق، والخمول والاكتئاب والأرق، الحساسية والاحتقان الأنفي المتكرر، تهيج العين والحنجرة وبدأت تظهر أعراض المرض على الإنسان عند بقائه في مكان معين وتختفي عند مغادرته له مباشرة أو بعد أيام فسميت هذه الأمراض (بمتلازمة مرض المباني) ويبدو أنها ضريبة تدفع لقاء السكن في المباني العالية والشقق المكيفة والمحكمة الإغلاق بهدف الحفاظ على الطاقة، فعندما لا تدخل حجوم كافية من الهواء الخارجي إلى داخل المنازل تتراكم الملوثات في الهواء المحصور ليصل تركيزها فيه إلي 70 مرة أعلى مما هو عليه الهواء في الشارع وإلى حدود تسبب مشاكل صحية.
وقد صنف تقرير منظمة الصحة العالمية 2002 مشكلة تلوث الهواء الداخلي بعد تلوث المياه والصرف الصحي، كأكثر المشاكل الصحية والبيئية التي تشكل مخاطر صحية في دول العالم النامية، فتلوث الهواء الداخلي في المنازل يقتل 1.5مليون إنسان سنوياً حول العالم، لأن مفتاح صحة الإنسان هو الهواء النظيف، وتبلغ كمية الهواء الداخلة الى جسم الإنسان حوالي 15 ألف لتر في اليوم الواحد. ولكنه يقضي 90% من وقته في مباني محكمة الإغلاق ورديئة التهوية، لهذا تحتوي أجواء منازلنا على عشرات الملوثات المسؤولة عن العديد من أمراض الجهاز التنفسي، والقلب، والحساسية والأورام السرطانية كما يمكن أن تسبب الوفاة.
نميز العديد من ملوثات الهواء الداخلي في المنازل:
1_ ملوثات ناتجة عن عمليات التدفئة لإحراقها أنواع مختلفة من الوقود (غاز- نفط- كيروسين- فحم – خشب): فتنبعث في أجواء المنزل غازات أحادي أكسيد الكربون وثنائي أكسيد الكربون وثاني أكسيد الآزوت والجسيمات الصلبة وتزداد صعوبة السيطرة على هذه الغازات في فصل الشتاء مع استعمال وسائل التدفئة بشكل مستمر في أماكن محكمة الإغلاق مسببة ضيق في التنفس، سعال مزمن، صداع، دوخة – وأمراض العين، كما يمكن أن يصيب الأطفال بالتهابات رئوية حادة بسبب ضعف أجهزتهم التنفسية. حيث غاز أحادي أكسيد الكربون يوصف بالغاز الغدار يدخل جسم الانسان ويتفاعل مع هيموغلوبين الدم مكوناً كربوكسيلي هيموغلوبين الذي يتسم بعدم قدرته على التفاعل مع الأكسجين فيشعر الشخص المستنشق له بضيق في التنفس وصداع ودوار ثم يسبب نقص تأكسج دماغي وكسل في الجسم وميل للنوم إلى أن يصل لفقدان الوعي والاختناق والموت إذا لم يسعف.
حسب الاحصائيات فإن المواقد غير السليمة يمكن أن تمثل خطراً على الصحة بمعدل دخان سيجارتين يومياً، وإن دخان المنازل يعتبر رابع سبب للأمراض والوفيات في دول العالم الثالث، وبالتالي فإن تحسين المواقد باستخدام وقود نظيف ومعايرة الحراقات بشكل دوري، وإضافة مداخن لها يمكن أن يخفض نسبة التعرض للدخان من 30-50%..
2-روائح وملوثات ناتجة عن حرق التبغ ومن زفير المدخنين أثناء التدخين والذي يحوي ما يقارب 4000 مركب تم التأكد من أن 40 منها مسرطن والعديد منها مهيج والتعرض له يدعى بالتدخين السلبي، من هذه المواد الكيميائية المنبعثة (الأكرولين الذي يحبط الجهاز الهدبي المخاطي، والبنزوبايرين الذي يسبب السرطان، النيكوتين، أكاسيد الآزوت، أول أكسيد الكربون، الفورم ألدهيد، الفينول، سيانيد الهيدروجين، النشادر، ثاني أكسيد الكبريت، ومواد هيدروكربونية حلقية متطايرة، والنشادر).
لابد من اتباع بعض الإجراءات للتقليل من التعرض لدخان التبغ بعدم السماح بالتدخين داخل المنازل وتخصيص مكان للمدخنين حتى داخل المنزل والذي من شأنه التخفيف من الرائحة دون استبعادها كلياً، بالإضافة لزيادة التهوية في المنطقة التي يتم فيها التدخين.. هذا الإجراء يمكنه التخفيف ولكن لا يزيل الرائحة نهائياً لأن التدخين ينتج الكثير من الملوثات.
3- ملوثات خطيرة مسرطنة تنتج عن مواد البناء والمواد المستخدمة في الأثاث: كالاسبستوس المستخدم في العزل والصوف الزجاجي يتراكم داخل الجهاز التنفسي ولا يمكن إزالته وبالتالي يسبب سرطان الرئة.
كما يعد الفورم ألدهيد من المركبات المهمة المستخدمة بشكل كبير في صناعة مواد البناء والأثاث ومواد مصنعة مثل اللواصق والصموغ وكمادة حافظة في الدهانات، ويعد الخشب المضغوط من أهم مصادر الفورم ألدهيد داخل المنازل بسبب احتوائه على مادة لاصقة أساسها ريزينات اليوريا فورم ألدهيد التي تسبب أمراض المجاري التنفسية والصداع.
وللوقاية من خطر الفورم ألدهيد على الصحة لابد من السؤال حول محتوى الخشب المضغوط والأثاث ومواد البناء من الريزينات الحاوية على الفورم ألدهيد حيث بينت الدراسات أن تغطية الخشب المضغوط من السطح والجوانب بريزينات بولي اليوريتان يقلل من إصدارية الفورم ألدهيد، كما يمكن ضبط الرطوبة ودرجة الحرارة التي يكون عندها تحرر الفورم ألدهيد أقل ما يمكن، إلى جانب التهوية الجيدة.
4- المواد المنظفة: خاصة الحاوية على مركبات الكلور، ولا بد من لفت نظر السيدات أن مزج منظفين للحصول على قوة تنظيف أعلى يؤدي لتفاعل المواد الكيميائية مسببة أخطار صحية جسيمة وقد تسبب الوفاة مثال ذلك مزج ماء جافيل وفلاش يطلق غاز الكور وهو غاز مخرش للعينين، وللجهاز التنفسي حيث يتفاعل مع ماء النسيج ويتحول لسائل وردي يغرق غشاء الرئتين ويسبب الاختناق.
5- منظومة التبريد والتسخين المركزية: تساعد عيش البكتريا على الهواء الرطب مسبب الصداع والإقياء والإسهال والدوخة والسعال.
6- الملوثات البيولوجية: ونميز العديد من الملوثات البيولوجية منها ما يصدر روائح مثل غبار الطلع والعفن بأنواعه والبروتينات الموجودة في بول وبراز الحيوانات الأليفة، والكائنات المجهرية التي تعيش على الوسائد والفراش والأثاث وتسبب التحسس المستديم كما تعد الأسطح الرطبة والمبللة مرتعاً لنمو البكتريا والعفن الفطري، منها فطريات مسببة لتحسس الجيوب الأنفية، وفطريات تسبب العدوى المرضية والالتهابات الجلدية، فطريات تسبب التوتر العصبي وتثير الأغشية المخاطية، فطريات مفرزة للسموم وتنمو على الأغذية المخزنة.
ويمكن التقليل من تأثير هذه الملوثات بضبط مستوى الرطوبة داخل المنازل مما يجنب تكاثف الماء على الجدران والنوافذ وينصح لهذا الغرض رطوبة نسبية ما بين 30-50 %، كما أنه لابد من تركيب واستخدام مراوح تفريغ تسحب هواء الحمامات والمطابخ والرطوبة الزائدة نحو الخارج، مما يؤمن هذا التخفيف من الملوثات العضوية المتبخرة من الماء الساخن المستخدمة في الاستحمام والجلي، بالإضافة للمحافظة على نظافة وجفاف السجاد بشكل جيد.
7- المنتجات المنزلية: تستخدم المركبات العضوية على نطاق واسع في الاستخدامات المنزلية مثل الدهان والورنيش والشموع وجميعها تحوي مذيبات عضوية كما هو الحال في العديد من عملاء التنظيف والمعقمات ومستحضرات التجميل.
لذلك يجب اتباع التعليمات الموجودة على العبوات.. مثلا يكتب أحيانًا على العبوة وجوب استخدام محتواها في مكان مهوى بشكل جيد.
يجب التخلص من العبوات الفارغة جزئياً من مواد قديمة لان الغازات تصدر أيضاً من العبوات الفارغة.
شراء كميات محدودة من هذه المنتجات.
عدم التعرض للرائحة الصادرة عن مركب المتيلين كلوريد الموجود في بعض أنواع مزيلات الدهانات واللواصق. يعد هذا المركب من المواد المسرطنة ويتحول داخل الجسم إلى أحادي أكسيد الكربون. يجب استخدام مثل هذه المنتجات في مكان مهوى وبحذر.
عدم التعرض قدر الإمكان لمركب فوق كلورو الايتلين المستخدم في عمليات التنظيف على الناشف، حيث يستخدم فوق كلورو الايتيلين على نطاق واسع في عمليات التنظيف الناشف، أثبتت التجارب المخبرية أن هذا المركب يسبب السرطان عند الحيوانات، ويتعرض الناس لهذا المركب من تخزين الملابس المنظفة بهذه الطريقة أو ارتدائها، تعتمد عمليات التنظيف الحديثة على استرداد هذا المركب أثناء عملية التنظيف ويمكن بذلك توفير في التكاليف، لذلك يجب إعادة الملابس ذات الرائحة القوية وطلب تجفيفها بشكل جيد.
8- المبيدات (كمضاد الحشرات، ومضاد النمل، ومضاد القوارض، ومضاد للفطور، ومضادات الأحياء الدقيقة (المعقمات): تسبب تشوهات جنينية وتليف الجهاز العصبي والعقم وسرطان الدم وللتقليل من التلوث بالمبيدات والروائح المنبعثة.. يجب قراءة التعليمات على اللصاقة ويمنع استخدام أي مبيد بشكل يتعارض مع التعليمات الموجودة على لصاقة العبوة، وللتخفيف من آثارها:
يجب تهوية المنطقة المعالجة بعد استخدام المبيد.
واللجوء إلى الطرائق غير الكيميائية إذا أمكن لضبط الوباء، وذلك باستخدام مبيدات بيولوجية، واختيار نباتات مقاومة للأمراض.
التقليل قدر الإمكان من التعرض لطاردات العث وأكثرها شيوعاً بارا ثنائي كلور البنزين وهو مركب مسرطن ويجب أن يكتب على لصاقة العبوة التي تحويه عبارة (تجنب تنفس أبخرته).
9- الملوثات الداخلية من الهواء الخارجي: وهي غازات سامة تنبعث من عوادم السيارات والمصانع القريبة لتدخل المنازل عبر النوافذ والأبواب.
كما يمكن تحديد مشاكل جودة الهواء بعدة عوامل كظهور مشاكل صحية خصوصاً بعد تغير مكان الإقامة أو التي تترافق مع تغيير أثاث المنزل أو لدى رش المنازل بالمبيدات وأيضا بطريقة الحياة والفعاليات داخل المنزل فنشاطات الإنسان تعد من المصادر الأساسية للتلوث الداخلي والتي تنتج عن سوء في التهوية والتي تترافق مع ظهور مؤشرات مثل تكثف الرطوبة على الجدران والنوافذ.
لذلك تعزيز الوعي البيئي وتحسين السلوك الفردي كفيل بتخفيف نسب تلوث الهواء داخل المنازل، وذلك أولاً- باستبعاد مصدر التلوث أو التخفيف من إصداره كاستبعاد استخدام بعض أنواع المنظفات التي تفتقر لمعايير السلامة واستبعاد مادة الاسبستوس، ومعايرة المواقد بشكل دوري.
ثانياً – تخفيف تركيز الملوثات والروائح داخل المنزل، باستخدام تقنيات التهوية الحديثة لزيادة كمية الهواء النظيف المرشح الداخل من الخارج.
المصدر: ديوان العرب