أهمها العفو العام وعودة النازحين وإحداث التوازن وتحذيرات من إرباك المشهد السياسي. اذ يبدو أن هناك أزمة جديدة بدأت تلوح في أفق المشهد السياسي العراقي بين “الإطار التنسيقي” الذي شكل الحكومة، و”تحالف السيادة” الذي يمثل أغلب القوى السنية في البرلمان، لأسباب متعددة، أهمها عدم تنفيذ فقرات البرنامج الحكومي في ما يخص المناطق المحررة من تنظيم “داعش”.
ويتضمن البرنامج الحكومي، الذي تم الاتفاق عليه داخل تحالف إدارة الدولة، والذي ضم كلاً من الإطار التنسيقي الذي يعد ممثل القوى الشيعية وتحالفي “السيادة” و”عزم” كممثلين للقوى السنية والأحزاب الكردية على سحب الفصائل المسلحة من المناطق المحررة، وجعل الملف الأمني في المحافظات المحررة بيد الجيش والشرطة والاستخبارات العراقية وجهاز الأمن الوطني.
وكذلك تضمن العمل على عودة النازحين إلى مناطقهم، خصوصاً في ناحية جرف الصخر شمال محافظة بابل، وزيادة التخصيصات المالية لإعمار محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، فضلاً عن تحقيق التوازن الطائفي في مؤسسات الدولة.
وتنتشر الفصائل الشيعية في مناطق واسعة من أطراف محافظات كركوك وصلاح الدين والأنبار ونينوى، وهي متهمة بالتورط في أعمال عنف وفساد إداري وعمليات تهريب لمختلف السلع إلى الأراضي السورية عبر منافذ محافظتي نينوى والأنبار.
إجازة الحلبوسي
بدت بوادر هذه الأزمة في قرار رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بعد إقرار تعديل قانون الانتخابات المحلية والبرلمانية بمنح نفسه إجازة لمدة 15 يوماً وتخويل صلاحياته إلى النائب الأول للمجلس قبيل أيام من بدء مناقشات ملف الموازنة العامة في المجلس.
وجاءت هذه الإجازة الطوعية مع بدء غياب نواب “تحالف السيادة” عن جلسات مجلس النواب منذ يوم الأحد 2 أبريل (نيسان) الجاري، التي تم فيها الإعلان عن بدء مناقشة ملف الموازنة وتحديد موعد لعرضها على أعضاء المجلس خلال الأيام المقبلة.
وعقب هذه التطورات عقد الحلبوسي ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر اجتماعاً ضم أبرز قيادات التحالف، أعلن فيه متابعة ما تم تنفيذه من بنود الاتفاق السياسي مع الشركاء في تحالف إدارة الدولة.
العفو العام وإعادة النازحين
وقال الخنجر في تصريحات له خلال زيارة عدد من شيوخ العشائر بمنطقة عرب جبور جنوب بغداد إن “تحالف السيادة وهو شخصياً يسعى إلى إقرار قانون العفو العام لرفع الظلم عن الأبرياء الذين يقبعون بالسجون بسبب وشايات كاذبة وعداوات شخصية، فضلاً عن إعادة من تبقى في مخيمات النزوح إلى مناطقهم”، مبيناً أن التحالف مصمم على إعادة النازحين إلى ناحية جرف الصخر شمال بابل والعمل على إقامة صلاة العيد فيها.
وأضاف أن من بين الاتفاقات السياسية التي يجب تنفيذها تحقيق التوازن بين مكونات المجتمع العراقي في أجهزة الدولة.
الاتفاقات غير منفذة
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية عصام الفيلي يرى أن الاتفاقات كان من المفترض أن تنفذ خلال شهرين من تشكيل الحكومة، وأشار إلى أن بعض الاتفاقات ممكن تداركها الآن.
وقال الفيلي إن “العمر الافتراضي للاتفاق هو شهرين على رغم وجود اعتراضات، لكنها قد مضت وبالتالي ضرورة الذهاب إلى الطرق الأخرى”، مبيناً أن قوى الإطار باتت تخشى تدويل القضية، لأن هذه المنطقة مثار جدل داخلي وخارجي، والقوى السنية والقوى الأخرى ترى بضرورة عودة المهجرين إلى مناطقهم، خصوصاً أن هناك مهجرين في منطقة بزيبز وغيرها من المناطق السنية.
الكتل محرجة
وأضاف الفيلي أن الموضوع الآخر المهم للسنة هو موضوع هيئة المساءلة والعدالة وموضوع توزيع المناصب الأمنية، مشيراً إلى أن هناك سلماً في أولوية السنة وهو عودة النازحين إلى جرف الصخر، وعلى رغم اعتراضات بعض الأطراف، فإن من غرد بعكس اتجاه خميس الخنجر بات يتراجع.
وبين أن وضع بعض القوى السياسية على المحك في صدق الاتفاق ما بين الإطار والسنة لكون بعض الاتفاقات من الممكن تداركها مثل قانون الاجتثاث، لافتاً إلى تطبيق القانون بصورة انتقائية وأن هذا الأمر يمكن معالجته بموضوع العدالة الانتقالية.
التوازن الأمني
وبين أن الشيعة لهم الحصة الكبرى في المناصب الأمنية وتغلبوا على السنة والكرد في وقت كان يجب أن يشارك الجميع في إدارة الدولة بصورة متساوية، مؤكداً أن من مصلحة الإطار أن يلبي اتفاقه مع السنة لأنه يهمه أن يكون مدعوماً بتحالف مستقبلي معهم، لا سيما أن المطالبات التي تطرح ليست صعبة أو مستحيلة ويمكن التفاهم عليها وفق مفهوم بناء الدولة وليس روح الثأر والانتقام.
التعهدات وهمية
فيما يرى الباحث بالشأن السياسي علي بيدر أن الكتل الشيعية – الشيعة نكثت بتعهداتها مع السنة إبان حكومة عادل عبدالمهدي والحكومة الحالية، وأشار إلى أن تنفيذ المطالب لخدمة التوازن السياسي والحكومي.
وقال بيدر “كان هناك اتفاق سياسي بين القوى الشيعية والسنية قبل تشكيل حكومة عادل عبدالمهدي نهاية عام 2018، والآن تكرر الأمر مع بعض القوى الشيعية التي ترى أن في تحقيق تلك المطالب نصراً”، مبيناً أن “بعض الأطراف السنية ترى في تلك القضية وسيلة ضغط سياسي لا أكثر، لتحقيق بعض المكاسب لكونها غير جادة في تنفيذها”.
وسيلة ضغط
وأضاف أن بعض التعهدات مثل قانون العفو العام يجب أن يقر في البرلمان، وخطوات إعادة النازحين وتحقيق كثير من المطالب الشعبية كان من الممكن تنفيذها خلال الحكومة الانتقالية، مشيراً إلى أن بعضها يتعلق بالجانب التشريعي، وهي وسيلة ضغط سياسية للحفاظ على بعض الامتيازات التي تمتلكها بعض الزعامات.
وأكد بيدر أن تنفيذ المطالب من الممكن أن يخدم التوازن السياسي والحكومي، لكن الأطراف الشيعية تريد الإبقاء على الأزمة لكي تكون الشغل الشاغل لممثلي المكون السني، موضحاً أن الهدف منع السنة من المطالبة بخطوات إصلاحية أخرى قد تقلل نفوذ الساسة الشيعيين في مقدمتها السلاح المنفلت أو مكافحة الفساد.
مشهد معقد
وحذر مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل من إعادة تشكيل خارطة المشهد السياسي بشكل أكثر تعقيداً في حال عدم الإيفاء بالالتزامات مع السنة.
وقال فيصل إن “هناك عدم جدية من قبل الإطار التنسيقي وفق إطار إدارة الدولة في التزاماتهم وتعهداتهم لتحالف السيادة والمشروع العربي، في ما اتفق عليه بحل إشكالية منطقة جرف الصخر وإعادة النازحين وتوفير مختلف المستلزمات الأمنية والسياسية والحياة الطبيعية والاقتصادية للمنطقة وغيرها من المناطق، فضلاً عن موضوع المغيبين الذين تم إخفاؤهم في سجون سرية غير تابعة لوزارة العدل”.
وأوضح أنه بعدم الذهاب إلى هذه الأهداف سنكون أمام مشكلة في إعادة تشكيل خارطة المشهد السياسي الذي يكون أكثر تعقيداً.
المصدر: اندبندنت عربية