تميل الأغلبية الساحقة من التقديرات في إسرائيل وخارجها، لاعتبار اتفاق السعودية وإيران لطمة للدولة العبرية ومخططاتها لبناء تحالف عربي- غربي دولي وإقليمي ضد إيران، وضربة لمساعي توسيع دائرة التطبيع. فهل حقا هذا ما سيتحقق على الأرض؟ هل يؤثّر هذا التحول في علاقات السعودية وإيران على موقف الأولى من إسرائيل ومن الصراع مع الفلسطينيين؟ أم أن حسابات السعودية مختلفة ولا صلة لها أبدا بالقضية الفلسطينية، وأن تلبية واشنطن طلباتها في مجال التسّلح النووي المدني وحقوق الإنسان وغيره، من شأنه أن يبقي خيار التطبيع مع إسرائيل قائما؟
بين هذا وذاك، دخل موضوع الاتفاق على خط السجال الإسرائيلي الداخلي بين معسكرين متصارعين يتبادلان التهم حول هذا التحول الدبلوماسي الإقليمي، إضافة لسلّة مواضيع داخلية وخارجية أخرى. ما إن أعلن عن التحول الدراماتيكي في علاقات السعودية وإيران، حتى دخل الاتفاق على خط السجالات وتبادل التهم بين طرفي الائتلاف الحاكم والمعارضة في إسرائيل. ونقلت وسائل إعلام عبرية عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قوله خلال زيارته روما، إن رئيسي الحكومة السابقة يائير لبيد ونفتالي بينيت، لم يبادرا لموقف حازم كاف عندما بدأت المداولات بين طهران والرياض قبل عام. واعتبر أن ضعفهما قاد لتجديد العلاقات السعودية- الإيرانية.
الصحافيون الإسرائيليون الذين رافقوا نتنياهو في زيارته لإيطاليا نهاية الأسبوع الماضي، نقلوا عنه تحت مسمى “مصدر سياسي كبير” قوله: “اسألوا لبيد وبينيت لماذا وقع هذا التقارب خلال ورديّتهما في رئاسة الوزراء. لقد بدأ التقارب في ورديّتهما بسبب الشعور بضعف إسرائيلي وأمريكي وغربي”.
في المقابل، وجّه بينيت إصبع الاتهام لنتنياهو، وقال إن هذا التقارب السعودي الإيراني هو فشل مدو لحكومة نتنياهو ينبع من إهمال العمل الدبلوماسي، ومن ضعف عام ومن صراعات داخلية في الدولة. واعتبر بينيت أن استئناف العلاقات بين إيران والسعودية تطور خطير بالنسبة لإسرائيل، ويشكّل انتصارا دبلوماسيا للإيرانيين.
وأضاف في تصريحاته: “الحديث يدور عن ضربة قاضية لمساعي بناء جبهة إقليمية مقابل إيران. دول العالم والمنطقة يلاحظون أن إسرائيل منقسمة وفيها حكومة لا تعمل، ومنشغلة في تدمير ذاتي منهجي، وعندها تبادر هذه الدول لاتخاذ موقف مع طرف آخر. حكومة نتنياهو هي فشل اقتصادي ودبلوماسي وأمني مدوٍ، وكل يوم من أيامها يهدد إسرائيل. نحن بحاجة لحكومة طوارئ وطنية واسعة ترمّم الأضرار الكثيرة الناجمة” عن الاتفاق.
المعارضة تحمل نتنياهو المسؤولية
رئيس المعارضة، ورئيس الحكومة السابق يائير لبيد، أكد أن اتفاق السعودية وإيران فشل كبير وخطير للسياسة الخارجية الإسرائيلية، مشددا على أن ذلك “يعكس انهيار جدار الدفاع الإقليمي الذي شرعنا به مقابل إيران”. وأضاف: “هذا ما يحدث عندما ينشغلون كل اليوم بهذا الجنون القضائي بدلا من العمل والتحرك ضد إيران وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة.. فشل كبير وعلى نتنياهو الاستقالة”.
ولم يكتف رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” النائب أفيغدور ليبرمان باعتبار تقارب السعودية وإيران فشلا ذريعا فحسب، بل دعا نتنياهو لتقديم استقالته. وكتب ليبرمان في تغريدة: “هذا فشل مدوٍ مسجل على اسم نتنياهو. لا أحد يعتمد على نتنياهو، ولذا توجه السعوديون نحو إيران. ستكون هناك تبعات دراماتيكية لهذا الاتفاق على كل الشرق الأوسط وعلى أمن إسرائيل.. وعلى نتنياهو تحمل المسؤولية وتقديم استقالته”.
وزعم مقربون من نتنياهو أنه لم يفاجَأ بقرار السعودية، وأن حكومة إسرائيل تتبعت مسيرة المداولات بين طهران والرياض منذ مدة طويلة، فيما قال مصدر إسرائيلي “رفيع” لوكالة رويترز، إن اتفاق إيران والسعودية على استئناف علاقاتهما المقطوعة منذ 2016، لا يمسّ بمقترحات إسرائيل للتطبيع مع الرياض.
وعقّب رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، يولي إدليشتاين على التطوّرات بالقول إن “العالم لا يتوقف عندما نكون منشغلين في صراعات قوة وسجالات، وبالطبع أعداؤنا لا يتوقفون. إيران والسعودية اتفقتا على تجديد العلاقات، وهذا سيئ جدا لإسرائيل وللعالم الحّر كله”.
إديلشتاين الذي يغرّد بعيدا عن بقية قيادات حزبه الليكود، يتابع بالقول: “حان الوقت للجلوس، للحديث وتسوية الخلافات بيننا من أجل استعادة وحدتنا مقابل التهديد الوجودي الذي نواجهه كافتنا”.
ويرى إيتان بن دافيد، نائب سابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن الاتفاق لا يعني بالضرورة انتهاء مساعي التطبيع بين إسرائيل والسعودية، مؤكدا أن هناك فرصا حقيقية للتعاون مع الرياض، خاصة بمساعدة الولايات المتحدة.
حلم نتنياهو الصباحي
يرجح بعض المراقبين الإسرائيليين، أن استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، من شأنه المساس بجهود توسيع “اتفاقات أبراهام” التطبيعية بشكل كبير، وانتزاع الهدف الكبير الذي حددّه نتنياهو كواحد من أهدافه في ولايته السادسة. كما يرجح هؤلاء أن السعودية على ما يبدو اقتنعت بأن الولايات المتحدة لا تملك الآن خيارا عسكريا حقيقيا، وقرّرت التصالح والتوّصل إلى تفاهمات مع إيران. وأوضح موقع “واينت” بلهجة ساخرة، أن نتنياهو كان قد استذكر في صباح يوم الجمعة الماضي من روما، رؤيته للتطبيع في المنطقة، وقال إنه يحلم بسكة حديد تربط بين حيفا والرياض. وبعد ساعات، جاءت الأنباء عن تطبيع السعودية مع إيران.
المصالحة مع الغول الإيراني
كان البيت الأبيض قد قال إن السعودية أطلعته مسبقا على تجديد العلاقات مع إيران، منوها أن إدارة بايدن لم تكن متداخلة فيها بشكل مباشر. وقال جون كيربي الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، إن السعوديين أطلعوا الولايات المتحدة على المحادثات، دون أن يكون لواشنطن صلة مباشرة بالموضوع.
وقال موقع “واينت” العبري، إن مساعي نتنياهو تلقت ضربة؛ لأن رؤيته مكوّنة من “فهم أسود- أبيض”.. فإما أن تكون لجانب إيران أو ضدها.
وتابع: “عمليا، يمكن القول إن قرار السعودية بتجديد علاقاتها مع إيران هو بصقة في وجه إسرائيل، ويبدو أن دولا مثلها تفضل الحفاظ على منظومات علاقاتها مع الأعداء أيضا؛ لأنها تفضّل توزيع المخاطر والرهانات كي لا تتضرّر زيادة عن اللزوم.
ويرى معلق الشؤون الاستراتيجية في “واينت” رون بن يشاي، أن إسرائيل ينبغي أن تكون قلقة من احتمال استنتاج السعودية بأنه لا يوجد لإسرائيل خيار عسكري حقيقي ضد إيران، ولذلك فهي تفضّل محاولة التصالح مع “الغول الإيراني” وإحراز تفاهمات معه.
التنازل عن قناة السويس
يشير رون بن يشاي لتبادل السفراء بين السعودية وإيران بعد شهرين، ويقول إن من يبحث عن دلالة على كم كانت إسرائيل تجهل ولا تتوقع اتفاقا كهذا، فليستمع لما قاله نتنياهو في صباح ذات اليوم من روما أمام رجال أعمال إيطاليين عن حلمه بسكة حديد بين حيفا والرياض، حيث زعم أن هدفه هو إحراز تطبيع وسلام مع السعودية، فالفرص الاقتصادية واضحة.
وتابع: “ربط السكة الحديدية السعودية عبر الأردن بميناء حيفا. هذا يقتضي إضافة 200 كيلومتر فقط من سكك الحديد كي يقام قنال نقل نفط مباشر من الحجاز إلى حوض البحر المتوسط مما يعني تقصير طريق الطاقة إلى أوروبا بشكل كبير، والتنازل عن قناة السويس. هذه إمكانيات حقيقية”.
لا علاقة لإسرائيل بالاتفاق
من جهته، وبخلاف بقية المراقبين المحليين والمسؤولين الإسرائيلين، يرى المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل، أن قرار تجديد العلاقات بين السعودية وإيران ليس له أي علاقة بإسرائيل، ولم يكن بإمكانها منع حصوله. واعتبر في تحليله أن تبادل الاتهامات بين المعارضة والائتلاف حول تجديد العلاقة ليس صحيحا. فإسرائيل كالعادة تظن أنها مركز العالم، ولكن قرار تجديد العلاقة بعد سبع سنوات من القطيعة، جاء لاعتبارات ليست لها أي علاقة مع إسرائيل، بحسب قول هرئيل.
أما زميله محلل شؤون الشرق الأوسط في “هآرتس” تسيفي بارئيل، فيرى أن اتفاق الرياض وطهران قد يؤدي لقوانين لعبة جديدة في الشرق الأوسط وخارج المنطقة، فهو يوفّر الشرعية الضرورية لإيران في علاقاتها مع الدول العربية. ويتابع: “هذا يعني انضمام مصر لمثل هذا الاتفاق مع إيران”.
ويؤكد بارئيل أن هذا الاتفاق يبدّد الحلم الإسرائيلي ببناء ائتلاف عربي- دولي ضد إيران، ومن شأنه ضخ الحياة مجددا في مداولات توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران، منبها إلى أن توقيعه يعكس تصاعد قوة الصين في المنطقة.
أما صحيفة “إسرائيل اليوم” المقرّبة من نتنياهو، فقالت هي الأخرى إن الاتفاق السعودي- الإيراني يعني أن حلقة العزلة عن طهران تتلاشى، وإن ذلك جاء في أعقاب أزمة مستمرة مع الولايات المتحدة. وتابعت بالقول إن الاتفاق سيقلل التهديد على الرياض في المستقبل المنظور، لكنها تبتعد عن التطبيع مع إسرائيل وعن إقامة نظام الدفاع الإقليمي.
المصدر: “القدس العربي