أفاق السوريون والأتراك على قيامة جديدة، وذعر وخوف جديدين، أيقظ الجميع، وأعادهم إلى حالات جمعية متتابعة، خلقت نوعًا من الفرار إلى حيث الابتعاد عن احتمالات الموت زلزلة وتحت الركام . ولأن السوريين خاصة كانوا قد تعودوا على الإجرام الأسدي من الكيماوي إلى البراميل، إلى استخدام الصواريخ البالستية ضد المدنيين، فقد كان وقع الصدمة والتخوفات لديهم أقل نسبيًا، لكن لسان حال السوريين كان يلهج بعبارة طالما رددها الشعب السوري مع الكوارث الطبيعية ومنها هذا الزلزال تقول:( ألا يكفي الشعب السوري ما فعله الفاشيست الأسدي بنا، حتى يأتي الزلزال/ الكارثة ويجهز على ماتبقى منا، ويزهق أرواح الأطفال والنساء والشيوخ والشباب تحت أنقاض زالزال دمر وأخذ معه كل ما هو جميل ؟) ويبدو أن هذه التساؤلات السورية الشعبية قد بنيت على الكثير من المعطيات، في وقت ترافقت مع كارثة الزلزال العديد من المحددات والمعطيات، التي انبثقت وتمظهرت إبان الزلزال سواء كانت إيجابية أوسلبية ساهمت هي الأخرى في إعادة التوازن والتفكير إلى الواقع السوري الصعب والآيل إلى مزيد من ضبابية المستقبل، والكثير من شمولية حيوات السوريين في نتائج قد لاتكون إيجابية لواقع سوري ممض يتوجه إلى ماهو أكثر من ضياعات في البوصلة، لدى بعض المعارضة السورية، والكثير من ماكان يسمى بأصدقاء الشعب السوري.
وقف الشعب السوري مذهولًا وهو يستقبل الأنباء عن آلاف من الضحايا الجدد الذين كانوا قد فروا سابقًا إلى الشمال السوري أو إلى جنوب تركيا بعيدًا عن همجية المقتلة الأسدية، فوجدوا أنفسهم ضحايا لزلزال أرضي أخذ الأخضر واليابس، وجعل الجميع في حالة ذهول، لكن وفي نفس الوقت فإن الإطلالة على مشهد الزلزال وتوابعه وما رافقته من متغيرات تؤشر إلى بعض النقاط التي لابد من التوقف عندها في محاولة جادة لفهم ماجرى متساوقًا مع الكارثة الكبرى لدى الأتراك والسوريين على حد سواء نذكر منها:
-ازدواجية المعايير التي تمظهرت لدى الكثير من دول الغرب والشرق في التعاطي مع كارثة الزلزال التي يُفترض أن يهب الجميع وعلى عجل لإنقاذ مايمكن إنقاذه ممن تراكمت فوق أجسادهم الأحجار وكتل الإسمنت، لكن ماجرى أظهر أن هناك بطء كبير ومريب في التعاطي مع ذلك، حيث لم تصل طواقم الإنقاذ إلى الجنوب التركي، أو الشمال السوري، إلا متأخرة جدًا بعد أن قضى الكثير من الناس تحت الركام. بينما كانت الاستجابات في مسائل مشابهة وفي غير مكان من العالم سبقت ذلك أكثر سرعة واهتمامًا.
-أظهر الزلزال حالات كثيرة جدًا من إعادة تموضع العلاقة الشعبية التركية السورية من جديد على حساب انحسار كبير لموجات العنصرية في تركيا، التي ألفها وتعود عليها السوريون في تركيا، وهو مايطرح تساؤلات عديدة منها: هل تستمر موجة التعاون والتآلف الشعبية التركية مع مع مزيد من التعاون والتآلف؟ أم أنها ستنتهي بعد مدة قصيرة وتعود إلى مزاجها السابق الآيل إلى ماهو أكثر وأشد وطأة؟
– ماجرى من محاولات النظام السوري استغلال الزلزال نحو مزيد من النهب والسرقات التشبيحية، وكذلك استثماره الزلزال إلى العمل من أجل فك العزلة والعقوبات عنه، وهو ماتبدى عبر زيارات عربية إليه، حيث قام باستغلالها واستثمارها معتبرًا إياها اعتذارًا من هذه الدول عما فعلته به سابقًا من مقاطعة وطرد من الجامعة العربية.
-كذلك انتهاز الفرص من بعض الدول العربية وغيرها وبعد غض النظر الأوروبي والأميركي عن موانع التعاطي مع النظام السوري، والتخفيف من عقوبات قانون (قيصر) بذريعة الناحية الإنسانية والإغاثية وماشابه، وهو موضوع سوف يتابع من بعض الدول، فيما لو استمرت السياسات الأميركيىة الرخوة على حالها في التعاطي مع هكذا حالات تطبيعية.
-السياسات الأممية الملفتة والتي تمنع وصول المساعدات إلى السوريين في الشمال بذريعة أنها تتعامل مع دول معترف بها دوليًا، ولا تنقذ الناس تحت الركام في الشمال السوري بحجة أنهم ليسوا دولة وحكوماتهم (المؤقتة) و(الإنقاذ) غير معترف بهما، ليترك السوريون بلا مساعدات وبلا إنقاذ من تحت الركام.
_كما أظهر الزلزال/ الكارثة عجز تشكيلات المعارضة الهشة عن التعاطي الجدي والفاعل مع هكذا حالات كارثية، في وقت مابرحت فيه هذه المعارضة بكل تلاوينها منشغلة بخلافاتها البراغماتية البينية، وهي التي توضح عجزها الكامل عن القيام بأي فعل حقيقي لإنقاذ السوريين من تحت الركام.
_ماجرى من كارثة كبرى بيَّن أن الشعب السوري يمتلك إرادة عظيمة في التصدي لكل الحالات، وهو قادر لوحده على فعل الكثير، وقد تبين بوضوح أن (الخوذ البيضاء) منظمة إنسانية من أشرف وأقدر ما أنتجه الواقع السوري في التعامل مع الكوارث الكبرى رغم امكانياتها المتواضعة، وهو ما دعى البعض إلى اعتبار هؤلاء الميامين الذين واصلوا الليل بالنهار لإنقاذ شعبهم هم وحدهم من يستحق أن يمثل الثورة السورية، وليس تلك الأنساق من المعارضة الرثة.
لقد كان وقع الزلزال على السوريين والأتراك مؤلمًا، وقد حفر عميقًا في جوانية كل السوريين، وأظهر وكشف من كان مع الشعب السوري ومن كان يلعب بمصائره، وبيَّن هذا الألم الجديد أن الآلام ماانفكت مستمرة فوق رؤوس البلاد والعباد، بوجود الطغاة والمجرمين من آل الأسد والروس والفرس الذين فرحوا كثيرًا مع الدمية الألعوبة بشار الأسد حيث مايزالون يلعبون بمصائب ومصائر السوريين في الشمال السوري، ويفرحون لإزهاق أرواح الآلاف من السوريين المعارضين لسياسات الأسد، لذلك وجدنا الطاغية مبتسمًا في زيارته إلى منكوبي زلزال حلب.