لا تبدو أزمة “الائتلاف الوطني السوري” المالية قريبة الحل، على الرغم من موافقته على مشروع تخفيض للرواتب والنفقات بنسبة 30 بالمئة تشمل كل أعضائه وموظفيه، فالمشكلة تجاوزت قضية الرواتب المرتفعة إلى فتح تحقيق بشأن صرف المبلغ المالي الاحتياطي المخصص للطوارئ.
وعلى الرغم من توقف تمويله لمدّة اقتربت من ثلاثة أشهر، إلا أنّ الأسباب الحقيقية لهذا التوقف مازالت غير معروفة لدى رئاسة الائتلاف الوطني، لكن أعضاء فيه يعزون الأمر إلى عدم شفافية رئاسة الائتلاف في القضايا المالية، وتصاعد الخلاف بين رئيسه والأمين العام بسبب صرف مبلغ مالي كان يعتبر رصيدا استراتيجيا يُستخدم في حالات الطوارئ.
إرهاصات الأزمة
من المعروف أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة يتلقى تمويلا شهريا مقداره نحو 250 ألف دولار أميركي تصرف كرواتب وأجور مبانٍ وأجور تنقّل ومستلزمات المباني، وما يزيد من المبلغ يوضع في حساب يسمى “الاحتياطي الاستراتيجي” وهذا الاحتياطي يجب أن ينمو بمتوسط 10 آلاف دولار شهريا، على أن يكون الأمين العام للائتلاف الوطني هو آمر الصرف للمؤسسة.
مع بدء تسلم الهيئة الرئاسية الحالية كان الرصيد الاحتياطي 200 ألف دولار من المرجح أن ترتفع إلى 300 ألف في السنة الأولى، إلا أنّ توقف تمويل الائتلاف الوطني دفع ببعض أعضاء الائتلاف لطلب صرف رواتب موظفي الائتلاف الوطني من الرصيد الاحتياطي، ليتفاجأ الجميع باختفائه نهائيا، دون وجود فواتير رسمية بالمبالغ التي صرفت.
وبينما لم يجب الأمين العام “هيثم رحمة” على سؤال تلفزيون سوريا حول حقيقة الأمر، علم تلفزيون سوريا من ثلاثة مصادر متطابقة أنّ الائتلاف الوطني لم يوفّر من الميزانية على مدى 16 شهرا الماضية سوى 25 ألف دولار ليصل الرصيد الاحتياطي إلى 225 ألف دولار، تقول الأمانة العامة إنّ الموثّق من صرفياتها بفواتير رسمية فقط 117 ألف دولار، لكن لم يتمكن أي عضو في الائتلاف الوطني من رؤية تلك التوثيقات.
ويقول مصدر خاص من الائتلاف الوطني لـ “تلفزيون سوريا” إنّ فقدان مبلغ الرصيد الاستراتيجي سبّب أزمة وصلت حد تبادل الاتهامات في صرف المبلغ، مضيفا أنّ المسؤولية في النهاية تقع على عاتق الأمانة العامة، باعتبارها المكلفة باستصدار أوامر الصرف.
انعكاسات الأزمة
لم تدم الأزمة المالية طويلا حتى تقدم عدد من موظفي الائتلاف الوطني باستقالاتهم بينما أحجم آخرون عن العمل بسبب عدم إمكانية دفع أجور المواصلات من وإلى مقر الائتلاف الوطني.
ويقول مصدر مقرّب من مراكز صنع القرار في الائتلاف الوطني لـ “تلفزيون سوريا” إنّ العمل داخل الائتلاف الوطني يقع على عاتق الموظفين، وإحجام الموظفين عن العمل سيتسبب بتوقف عمل الائتلاف تماما.
ويضيف أنّ الأزمة المالية طالت أجور المباني والسيارات وحجوزات السفر، حتى إنّ الزيارة الأخيرة لقيادة الائتلاف إلى ألمانيا كانت على نفقتهم الخاصة.
وكشف المصدر أنّ مقر الداخل السوري كان مهددا بالإغلاق بسبب عدم دفع أجور ستة أشهر تبلغ قيمتها 7200 دولار.
ويلفت إلى أنّ الأزمة المالية تسببت في إلغاء انعقاد اجتماع الهيئة العامة بدورته الـ 65 التي يجب أن تكون في 18 من الشهر الجاري، وهذا ما قد يتسبب بتصعيد الموقف خلال اجتماع الهيئة السياسية القادم.
توتر متصاعد
تطابقت عدة مصادر في القول إنّ السبب الرئيسي للأزمة المالية ومسبباتها ليس وليد اللحظة، بل هو تراكم على مدى خمس سنوات مضت، وأنّ السبب الرئيسي كان استجرار أموال لمكاتب الائتلاف الخارجية عن طريق سفارته في تركيا، وطلب عضو الائتلاف الوطني فادي إبراهيم التحقيق في تبديد الأموال المخصصة للمكاتب الخارجية.
ويقدّر الائتلاف الوطني تلك الأموال بما يتجاوز 800 ألف دولار. يقول مطلعون إنّه كان يمكن توفيرها وبالتالي تنقذ الائتلاف من أزمته المالية.
تبديد الأموال بتلك الطريقة فتح الباب واسعا أمام كتل في الائتلاف المالي لتقديم طلبات متكررة لإجراء انتخابات مبكرة، معتقدين أنّ الأزمة المالية ستنتهي بانتخاب قيادة جديدة للائتلاف الوطني.
وترجح المصادر أنّ الأزمة المالية لا علاقة لها بقيادة الائتلاف، بل إنّ توقف التمويل مرتبط بالكم الهائل من التقارير التي رفعت إلى الدولة الداعمة للمعارضة، وأنّ إعادة التمويل مرتبطة بمعرفة تفاصيل صرف الأموال ومراجعتها، فضلا عن استكمال الإجراءات الإدارية والتوسعة التي كان يجب أن تتم قبل سنة مضت.
ويعاني الائتلاف الوطني في المرحلة الحالية من انقسامات كبيرة على خلفية الأزمة المالية، بين من ينظر إلى تلك الأزمة من باب كيفية الاستفادة منها على أقصى درجة ممكنة وهم في الغالب من الأعضاء الأثرياء فيه، وبين من يريد إنقاذ الائتلاف من الانهيار إذ يرون أن المشكلة، إذا استمرت أكثر من ذلك، قد تتسبب بانهيار للمؤسسة بالكامل.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا