اجتمعت أكثر من 147 جمعية خيرية مرخصة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، التابعة للنظام السوري، في محافظة السويداء (تقع على بعد 100 كيلومتر جنوب العاصمة دمشق)، وعدد من منظمات المجتمع المدني، ونشطاء في العمل الإنساني، في بقعة من الجنوب السوري، لا يزيد عدد القاطنين فيها عن 400 ألف نسمة، ليشكلوا حالة من العمل المؤسساتي المنظم، ونواة تكافل اجتماعي غير مسبوق، استطاع خلال سنوات الحرب السورية تحييد مؤسسات النظام الخدماتية والتعليمية، ومنعها من الانهيار والفشل المؤسساتي، وإبعاد شبح الحرب الأهلية عن المحافظة.
يقول الناشط منيف صبح لـ “العربي الجديد”: “في البداية، أخذ العمل الخيري في السويداء منحى إنسانياً تجاه الإخوة النازحين من المحافظات السورية مع اندلاع الحرب السورية عام 2011، وشكلنا لجانا شبابية لمساعدة الوافدين إلى السويداء على تأمين المسكن والمأكل وبعض الاحتياجات الضرورية، وما لبث هذا العمل أن سُند بدعم مادي من بعض المغتربين من أبناء السويداء وبعض الأفراد والعائلات الميسورة. كما ساهم البعض بمبالغ معينة وسكن وأثاث. أعتقد أننا أول من أسس لما يسمّى سلة غذائية وبشكل مدروس لتلبية احتياجات الأسر الوافدة، بحسب العدد والسن والجنس”. يضيف: “لم يكن عملنا سهلاً، بل تعرضنا للملاحقة والتحقيق والاعتقال، وسطتْ الأجهزة الأمنية على اثنين من مستودعاتنا، أحدهما في حي الخزانات والآخر بحي المهندسين، واعتقلت عددا من الناشطين، من بينهم المهندس أكثم أبو الحُسن”.
في هذا الإطار، يؤكد أبو إبراهيم الدوماني، من مدينة دوما الواقعة بريف دمشق، لـ “العربي الجديد”، أنه “توجه وعائلته إلى السويداء عندما اشتدت المعارك في منطقته بعد اتصال من أحد أقربائه الوافدين، ولاقى مساعدة ودعما ما جعله يستقر ويعمل وعائلته. وما زال حتى الآن في بلدة المزرعة الواقعة غربي مدينة السويداء”.
اعتمد أهالي السويداء على الهجرة والسفر للعيش في ظل غياب الموارد في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية، بالإضافة إلى غياب موارد طبيعية تلبي احتياجات القاطنين للعيش الكريم. ويعرف عن المحافظة هجرة أبنائها إلى دول أميركا الجنوبية ودول الخليج العربي والأردن ولبنان. وهذا الواقع الذي تشكل ما قبل الحرب خلق جسر تواصل مادي ومعنوي واجتماعي كان أساساً في بناء جمعيات ومؤسسات العمل الخيري في المحافظة. وتسابق المغتربون في تلبية العديد من الاحتياجات الفردية لأبناء المحافظة، كالعمليات الجراحية المكلفة والمساعدات العينية والغذائية، قبل أن ينتظم هذا العمل ضمن جمعيات مكلفة أو منتخبة من الأهالي بمعزل عن أي تدخلات للسلطة. لهذا، بدأت الجمعيات العمل مستندة إلى قانون يحميها يتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. وكانت البداية خدماتية في بعض البلدات، مثل نجران وامتان وشقّا، ثم امتدت إلى جميع بلدات ومدن السويداء، وأخذت الشكل الإغاثي والخدماتي والتعليمي”.
يقول الناشط المدني ساري الصفدي لـ “العربي الجديد”: “اجتمع في السويداء الظرف السياسي والأمني مع حالة من الانكفاء القبلي والطائفي الناتج عن الخوف الذي حشدته السلطة تجاه الأقليات، ليؤسس لعمل جماعي بين المقيمين بالمحافظة من جميع الفئات والشرائح الاجتماعية وبين المغتربين من أبناء المحافظة. وكانت النتيجة حالة من التكافل الاجتماعي لم يسبق لها مثيل”. يضيف: “تميزت بلدتا عرمان بجمعية خيرية منتخبة، قدمت خلال هذه السنوات مساعدات عينية غذائية بعشرات ملايين الليرات السورية، ومساعدات إغاثة صحية لعشرات العمليات الجراحية، بالإضافة إلى مساعدات شهرية للطلاب الجامعيين”.
من جهته، يقول أحد مؤسسي جمعية “مساعدة الطلاب” الخيرية في بلدة عريقة، نضال أبو حسن، لـ “العربي الجديد”: “اتجه معظم اهتمامنا إلى مساعدة الطلاب، خصوصاً الجامعيين منهم، في محاولة لتعويض هؤلاء عن النقص الذي خلفه الإهمال في المؤسسة التعليمية وضيق الحياة المعيشية وأزمات النقل. والهدف هو حث الطلاب على المتابعة والتحصيل العلمي، لأنه الحل الأمثل لإعادة بناء البلد. واختصت جمعيتنا بعدد يزيد عن المائة طالبة وطالب من جميع التخصصات، وهذا العدد يتزايد سنوياً في الوقت الذي أُنشئت في البلدة ثلاث جمعيات أخرى للمساعدات الإنسانية الخيرية والطبية”.
وتجاوزت الأعمال الخيرية في مجال التعليم مساعدة الطلاب الجامعيين، إلى إغاثة تلاميذ المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في مبادرات تهدف إلى تجهيز المحتاجين من تلاميذ هذه المراحل بالألبسة والتجهيزات المدرسية، وترميم بعض المدارس، مثل مدارس ابتدائية بلدات الرحا وصلاخد، وبناء أو استئجار أكثر من روضة للأطفال في عدد من القرى والبلدات بتكاليف تجاوزت مئات آلاف الدولارات، كانت حصيلة لعمل جمعي بين متبرعين مغتربين وأبناء المحافظة المقيمين. وتبرع خالد عزام، أحد مغتربي بلدة صلاخد، بقطعة أرض لبناء روضة لأطفال البلدة.
كما تبرّع المهندس المغترب سامر أبو راس ببناء من ثلاث طبقات، مجهز بالكامل لأبناء بلدته الرحا، لإنشاء مركز صحي يخدم أبناء البلدة، في وقت تكاتف أبناء بلدة عتيل شمال مدينة السويداء لبناء ثانوية عامة مؤلفة من ثمانية صفوف، وغرف للإدارة، ودورة مياه، وكسوة كاملة، وسلمت إلى وزارة التربية.
وعلى الرغم من اهتمام أكبر تجمع مدني بالفقراء والمعوزين، أطلقوا على مجموعتهم اسم “الإنسانية تجمعنا”، فإنهم وجهوا بوصلتهم نحو الطلاب الجامعيين، وتبنوا ما يزيد عن 150 طالبا وطالبة طوال فترة دراستهم. إلا أن انتقادات لعمل الجمعيات والمنظمات والأفراد وصلت حد التجريح، بحجة أن هؤلاء هم من يجعلون النظام السوري بمؤسساته قائما، في وقت تقف حكومة النظام متفرجة بعدما بات المغتربون هم الذين ينفقون، وبدأوا العمل على إصلاح آبار الشرب وتركيب طاقة بديلة لها، بعيداً عن التقنين الحكومي، إذ لا يستطيعون ترك الناس للجوع والذل والعطش.
المصدر: العربي الجديد