نحن أمام مرحلة مختلفة، وحرب جديدة من نوعها، حرب بين أصدقاء الأمس الذين باتوا أعداء اليوم، تنطلق من مركز الصراع والكارثة الشرق أوسطية في دمشق داخل قصر المهاجرين.
داخل القاعدة الصلبة للنظام التي كانت حكراً على أسرة الأسد، وبين أعمدته السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، بين الذين خطفوا السلطة والمال من الشعب السوري، بدأ صراعهم الآن بعدما شحّت الموارد لعصابة النظام، ومن أجل استمرار عجلة الحكم والسلطة، فهي تحتاج لسيولة نقدية مستمرة، وفي ظل حكم مهدد بالانقراض لن يقوم سارقي الأموال بدفع الأموال للبلد، ويحاول اليوم الطرف السياسي وضع الموارد المالية تحت تصرفه، لمزيد من البقاء. حيث بدأ النزاع والشقاق بين أقرباء وأصدقاء الأمس، هذه خلاصة صراع الأسرة الواحدة.
ثم تتسع الدائرة لنجد لأول مرة أن إسرائيل وإيران تتقاتلان، لكن قتال من طرف واحد.
ففي الماضي كانت الحرب بينهما بالوكالة، أما الآن فإن الاقتتال مباشر وفوق أرض سورية وللمرة الأولى نرى الحرس الثوري، الذي طغى في المنطقة، في العراق واليمن وسورية، يدفع الثمن غالياً، لاسيما بعد مقتل أحد أبرز قادته (قاسم سليماني) باستهداف أميركي، ونظام دمشق صديق الإيراني والتابع له، غير مكترث ومشغول بصراعه البيني، والروسي غير مهتم بالدفاع عن الإيراني، وتُركت إيران معزولة تحارب وحدها، وأغلب الشعب السوري سعيد باستهداف إيران، فهي سبب شقاءه وتهجيره وهو نفسه الشعب الذي كان من الممكن أن يدافع عن إيران لو لم تبطش بالشعب المظلوم وقوفا إلى جانب الظالم، ونفسه الذي كان يمكن أن يدافع عن إيران لو ساندت الشعب الفلسطيني أمام الإسرائيلي، فالشعوب تخلص لمن يحترمها ويدافع عن إنسانيتها.
ونحن نعيش اليوم التصفيات النهائية للوجود الإيراني في سورية، وخروجها سيسهل عملية الحل النهائي للقضية السورية برمتها، حيث لم يبق من عمر النظام السوري الكثير.
بالنسبة للنظام وروسيا فإن دور إيران انتهى، فقد موّلت الحرب وقاتلت حتى حمت النظام من الانهيار التام، والآن أصبحت إيران عبئاً على حليفيها غير مهتمين بصداقة الأمس، والفارق بين وجود روسيا وإيران في سورية، أن الأولى تريد دمشق ضمن منظومتها في المنطقة، أما إيران فلها أهدافها الأوسع في سورية، إذ تريد أن تجعلها مثل لبنان، دولة تابعة ومنصة عسكرية لها في المنطقة، وتستخدم سورية لتأمين وجودها في العراق، ضمن صراع النفوذ الإقليمي، وكي يكتمل ممر الطاقة من طهران باتجاه البحر المتوسط وأوروبا.
إذا ما تم إخراج إيران من سورية فسيكون حال المنطقة مختلف كلياً، حيث سيضعف نفوذها سريعاً في كل من العراق ولبنان، فإيران التي تُقصف من قبل إسرائيل تصمت صمت القبور ولا ترد على استهدافها المستمر وتوجه بنادقها إلى الشعب السوري عوضاً عن الرد.
ولا بد أن طهران وصلها خبر موقف نظام دمشق نفسه، الذي يقول الجنرال سليماني إنه مستعد للتضحية إلى آخر جندي إيراني من أجل الأسد، بأنه صار مستعداً أن يبيع سليماني والإيرانيين في أول صفقة سياسية تضمن بقاؤه.
وبعد أن رفضت حكومة طهران الدعوات الدولية للعودة عسكرياً إلى ما وراء حدودها، والتوقف عن التدخل في شؤون دول المنطقة، بقي أمام إيران لغاية حزيران/يونيو لتنتهي المهلة الأميركية المعطاة لفتح باب التفاوض والخضوع للشروط. أقوياء الأمس ضعفاء اليوم، وضعيف اليوم قوي الغد والأيام دول بين الناس.
المصدر: اشراق