تتعرض المجتمعات، أثناء وبعد الثورات والحروب الأهلية، لأزمات (نفسية، وصحية، واجتماعية، واقتصادية، وأمنية)، وغالباً ما تكون هذه الازمات أكثر وضوحاً في المجتمعات التي تمتاز بكثرة تنوّع المكوّنات الاجتماعية فيها. وقد يكون من الصعب، في هذه المجتمعات، إيجاد طريقة سريعة وقصيرة لترسيخ مفاهيم التسامح ونبذ الكراهية وتقبّل الآخر والتعايش والسلم الأهلي واحترام حقوق الإنسان والتربية على قيم المواطنة، مما يدفعنا إلى العمل بجدية وبشكل واسع وشامل على هذه القضايا.
ولكن من المهم أن تعمل النخب الثقافية والسياسية على إيجاد طرق ناجعة لحل النزاعات والصراعات التي قد تنشأ بين افراد هذه المكوّنات، ولتخفيف آثارها والوقاية منها، من خلال أنشطة وفعاليات تربوية وثقافية وسياسية، بواسطة كوادر تملك مهارات لتنفيذ مثل هذه البرامج الطموحة.
ونظراً لما تمر به سورية من أزمات وتوترات اجتماعية قد تؤدي إلى منعطفات خطيرة، وتخلخل في بنية المجتمع، خاصة في أجواء التجييش الطائفي والعرقي وظهور تيارات إقصائية وإلغائية، الأمر الذي يضعنا أمام أخطر حالة تصيب سورية في تاريخها، وهي حرب الكل ضد الكل. مما يجعل الكل خاسراً، كما تعلّمنا دروس التاريخ في مثل هذه الحالات. وكي نحدَّ من المخاطر ونعظّم فرص العيش المشترك ونبذ الكراهية يجدر بنا:
1 – المساهمة في العمل الجدّي لبناء مجتمع مدني ديمقراطي، من خلال تأسيس دولة حرة مستقلة قائمة على العدالة والمساواة وسيادة القانون على جميع المواطنين دون تمييز على أية أسس (دينية أو طائفية أو مذهبية أو عرقية).
- – المساهمة في بناء ثقافة سورية جامعة تقوم على نبذ الكراهية وكل أشكال الإرهاب وتيارات العزل والإقصاء والتطرف.
- – رفض وإدانة أي لجوء إلى العنف لحل الخلافات والتناقضات السياسية والفكرية والاجتماعية.
- – دعم النشاطات المشتركة لتعزيز السلم الأهلي والعيش المشترك.
- – العمل على إزالة الحواجز بين المكوّنات السورية، سواء الطائفيين منها (سني – علوي) أو الدينية (مسلم – مسيحي) أو العرقية (كردي – عربي، سرياني آشوري شركسي تركماني…الخ) أو المناطقية (ريف – مدينة).
- – تعزيز قيم الحوار المجتمعي، من خلال إدراك أنّ موضوعه ليس هويتي وهويتك، ولكن مشكلات مشتركة اقتصادية وسياسية وثقافية، بما في ذلك قِيَمِيَّة، أو مشكلات لاتُحَلُّ إلا بصورة مشتركة. من أجل إيجاد قاسم مشترك أعظم من القِيَمِ التي تؤسّس لإجماع وطني، يضمن الالتزام بتحقيق المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات. على أنّ التقارب بين المكوّنات الوطنية السورية لن يتحقّق من خلال التقريب بين مذاهبها أو منظومات قِيَمِها أو مرجعياتها الثقافية الخاصة، ولا يتحقّق- بالتالي- من خلال إضعاف ما تشعر أنه يمثّل خصوصيتها، وإنما يتمُّ ذلك التقارب من خلال توسيع دائرة مشاركتها في مرجعيات المكوّنات الأخرى، وتحريرها – من ثمَّ – من حتمية الاعتماد المطلق والأحادي على مرجعياتها الثقافية التاريخية الموروثة. وهذا يعني إيجاد فرص أكبر لتنويع هذه المرجعيات، بحيث يبدو الانفتاح على المكوّن الوطني الآخر إثراء للنفس لا إفقاراً لها.
- – الإقلاع عن التعصب الأعمى، الذي عبّر عن نفسه في أحيان كثيرة في شكل عنف دموي، كانت سنوات الثورة كاشفة عن مظاهره في مناطق سورية عديدة، حيث شهدنا الاعتداءات وأعمال القتل والتخريب وقطع الرؤوس من منطلق الاختلاف.
- – إننا أحوج ما نكون إلى نبذ فكرة ” الاصطفاء ” التي تجعل مكوّناً دون سواه مختاراً ومفضلاً، مما يؤدي إلى الاستعلاء والتميّز والعنصرية، وغيرها من المقولات المضادة للتسامح والعيش المشترك.
- – لم تترك هيئة الأمم المتحدة الأمر معلّقاً بدون تحديد، فأعلنت سنة 1995 سنة عالمية للتسامح، وأصدرت في 16 نوفمبر/تشرين الثاني في ختام المؤتمر الدولي للتسامح إعلان مبادئ كونياً، أكد على الالتزام بمواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والاتفاقيات المتصلة به. ودعا الدول إلى ” تأصيل سياسة التسامح في قوانين وثقافة المجتمع لمكافحة مظاهر التعصب الديني والقومي والعرقي وكراهية الأجانب، والإقصاء والإبعاد والتهميش والتمييز ضد الأقليات الوطنية والدينية والعمال الأجانب والمهاجرين واللاجئين، وأفعال العنف ضد حرية الأفراد في إبداء الرأي والتعبير الحر وكل ما يهدد الديموقراطية والسلام “.
- – أخيراً هناك خطوات أساسية لابدَّ من سلوكها لتحقيق احترام متبادل يقوم عليه العيش المشترك ونبذ الكراهية، تتمثل فيما يلي:
- ضرورة تعرّف كل مكوّن على المكوّن الآخر، على آرائه وأفكاره ومعتقداته وأسلوب تعامله، وبصفة عامة على ثقافته.
- إنّ التعرّف لن يكون مكتملاً ومؤدياً للغرض المقصود إلا إذا كان كل مكوّن على استعداد تام للاعتراف بحق المكوّن الآخر في الكرامة الإنسانية، بصرف النظر عن أية اختلافات أخرى تتصل بالجنس أو اللون أو القومية أو أي اعتبار آخر.
وهكذا، فإنّ التعرّف الحقيقي على كل المكوّنات الوطنية وعلى ثقافاتها، من شأنه أن يؤدي إلى تأكيد قيمة التسامح الإيجابي إزاء الجميع، وليس مجرد التسامح الحيادي. وهذا يعني الإقرار بالتعددية الثقافية، ومن شأنه كذلك أن يقضي على الكثير من الأحكام المسبقة والمفاهيم المغلوطة عن المكوّن الآخر.