تلتئم في العاصمة الكازاخستانية، اليوم الثلاثاء وغداً الأربعاء، جولة مباحثات جديدة، في سياق ما بات يُعرف بـ”مسار أستانة” بشأن الأزمة السورية، حيث من المرجح أن تكون العديد من الملفات على طاولة الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار، لعل أبرزها التوتر في الشمال السوري، وملف اللجنة الدستورية.
وتعقد هذه الجولة في خضم توتر كبير في الشمال السوري، بعد قيام الجيش التركي خلال اليومين الماضيين بعمليات قصف جوي ومدفعي واسعة النطاق ضد مواقع تابعة لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، المتهمة من قبل أنقرة بالوقوف وراء تفجير ضرب إسطنبول في 13 من الشهر الحالي، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين، رغم نفي “قسد” أي صلة لها بالهجوم.
وأدى القصف التركي إلى مقتل عدد من قوات النظام، التي تحتفظ بوجود لها على خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري.
ويفتح قصف “قسد” لبلدة قرقميش التركية، أمس الإثنين، ما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين أتراك، الباب أمام استمرار العمليات التركية في الشمال السوري، وربما اتساع نطاقها، ليشمل مناطق في العمق السوري تسيطر عليها هذه القوات. ويمانع الروس والإيرانيون شن الأتراك أي عملية برية واسعة النطاق ضد “قسد” حتى لا يتسع نطاق النفوذ التركي في سورية.
مسار أستانة لا يحكم تفاهمات شرق الفرات
ولا تحكم تفاهمات مسار أستانة منطقة شرقي الفرات التي تسيطر عليها “قسد”، وإنما تخضع المنطقة لتفاهمات ثلاثية بين موسكو وأنقرة وواشنطن، التي ترفض هي الأخرى أي توغل تركي جديد في الأراضي السورية.
وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المتوقع أن يحضر في أستانة ملف “شرقي الفرات” على خلفية التوتر الحاصل، حيث تلجأ “قسد” إلى الجانب الروسي في كل مرة تجد فيها نفسها عرضة للتهديد التركي. وتقع بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، الذي تسيطر عليه “قسد”، ضمن النفوذ الروسي، وهو ما يحول حتى اللحظة دون تقدم تركي للاستحواذ على هذه البلدة التي تضم نازحين أكراد من منطقة عفرين.
وكانت الجولة 18 من مسار أستانة، الذي انطلق في مطلع 2017، قد عقدت في العاصمة الكازاخستانية يومي 15 و16 يونيو/ حزيران الماضي. واكتفى الثلاثي الضامن، وقتها، بإصدار بيان يدعو إلى دعم تحسين الوضع الإنساني في سورية.
تثبيت وقف النار شمال غرب سورية
ومن المنتظر أن تثبّت الجولة 19 وقف إطلاق النار في الشمال الغربي من سورية، والذي لطالما تجاوزه الروس والنظام تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
وكان النظام السوري قد ارتكب في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي مجزرة بقصف صاروخي بحق مدنيين نازحين في مخيمات في ريف إدلب الغربي، وهو ما يعد خرقاً واسعاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي يشمل المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية في شمال وشمال غربي البلاد.
ويتخذ الروس والنظام من سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، على معظم محافظة إدلب ذريعة للقصف الذي لا يطاول سوى المدنيين، والمقدر عددهم بنحو 4 ملايين يعيشون في ظروف معيشية بالغة الصعوبة.
وكان الجانبان التركي والروسي قد توصلا لاتفاق موسكو في 2020 لتثبيت وقف إطلاق النار بعد تقدم كبير لقوات النظام تحت غطاء ناري روسي، أجبر فصائل المعارضة على الانسحاب من ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي ومناطق واسعة من ريفي إدلب الشرقي والجنوبي.
ولم تستطع 18 جولة من مسار أستانة، على مدار أكثر من خمس سنوات، تحقيق أي تقدم في الملف الأكثر أهمية لدى المعارضة السورية، وهو مصير عشرات آلاف المعتقلين لدى النظام الذي يرفض إبداء أي مرونة تجاه هذا الملف.
وأشار مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “مشاركة الطرفين السوريين في أستانة (النظام والمعارضة) رمزية”، مضيفاً أن الأطراف المؤثرة في المحادثات هي الدول الثلاث الضامنة، خصوصاً روسيا وتركيا.
ضغط تركي لانتزاع ضوء أخضر لشن هجوم
وتوقع أن “تضغط تركيا بشكل كبير لانتزاع ضوء أخضر من روسيا أولاً، ومن إيران ثانياً للقيام بعمل عسكري في شمال سورية”، مضيفاً: حاولت أنقرة الحصول على الموافقة في قمة طهران منتصف العام الحالي، التي جمعت الرؤساء الثلاثة، ولكن كان هناك رفض إيراني وروسي، الأمر الذي دعا أنقرة لتأجيل العملية، على الرغم من اكتمال التحضيرات العسكرية لها.
ولفت إلى أن قيام روسيا بقصف مخيمات النازحين مرة أخرى أمس قرب الحدود التركية كرد غير مباشر على الغارات الجوية الأخيرة على “قسد”، يشي بأن التوافقات الروسية التركية لن تكون ميسرة خلال جولة أستانة 19.
ملف “الدستورية” في أستانة
ومن المتوقع أن يحضر ملف اللجنة الدستورية في هذه الجولة من مسار أستانة، حيث من المرجح أن يعلن الثلاثي الضامن عن جولة جديدة من اجتماعات هذه اللجنة، بعد تعطيل روسي على خلفية موقف الغرب من غزو روسيا لأوكرانيا.
وكانت مصادر في المعارضة السورية قد أكدت، لـ”العربي الجديد”، منتصف الشهر الحالي، أنه “أُزيلت العقبة التي كانت تحول دون عقد جولة تاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية، وهي المكان الذي تعقد فيه”، مؤكدة أن الجولة ستعقد في جنيف السويسرية.
وكانت موسكو قد حاولت، منتصف العام الحالي، دفع الأمم المتحدة لنقل مكان اجتماعات اللجنة الدستورية خارج جنيف، واقترحت مسقط أو أبوظبي أو الجزائر، إلا أن المسعى الروسي فشل، خاصة أنه يهدف إلى سحب المرجعية الأممية عن مجمل العملية السياسية في سورية وربطها بموسكو.
ويحاول المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن الحصول على موافقة الثلاثي الضامن في أستانة على عقد جولة على الأقل من اجتماعات اللجنة الدستورية قبيل نهاية العام الحالي.
ورأى الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام” رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الجانب الروسي روّج إعلامياً لهذه الجولة، مع غياب أي تصريح من المسؤولين الإيرانيين حولها”، وأعرب عن اعتقاده أن الجولة التاسعة من مسار أستانة “ربما تشهد اختراقاً في الملف السوري، بما يساير تطبيق القرار 2245″، مضيفاً: ربما تكون خطوة للاقتراب من الحل الدولي في سورية على حساب إيران.
المصدر: العربي الجديد