يسير نواب التغيير في لبنان (انتخبوا قبل أشهر في الانتخابات النيابية الأخيرة كممثلين عن الثورة) بين الألغام. سبب وجودهم بالنسبة لمن انتخبهم، التخلص من الطبقة السياسية التي قامت الثورة ضدها، وفي الآن نفسه هم مطالبون بحكم الأمر الواقع، بالتعامل مع أركان هذا الطبقة، لاسيما في البرلمان. هذه الإشكالية، لم تؤثر في أدائهم السياسي الذي يوصف حاليا من قبل ناخبيهم بـ»المخيب للآمال»، بل امتد إلى وحدتهم، حيث خرج نواب، من التكتل الذي ضم 13 نائبا، وسط أنباء عن انشقاقات أعرض، قد تؤدي لولادة تكتل آخر باسم التغيير.
في الشكل، انتخابات رئاسة الجمهورية، كانت من الملفات التي كشفت أعطاب، التكتل التغييري، إذ حصل انقسام على مرشح ما يسمى «القوى السيادية» ميشال معوض، فبينما رأى البعض ضرورة دعمه انطلاقا من مشتركات معه، قسم آخر، رفضه، معتبرا أنه ينتمي إلى الطبقة السياسية الواجب مواجهتها، لكن في العمق، ثمة أسباب أخرى، يمكن، أن تفسر، ولو جزئيا، ما يحصل من تخبط وانقسام في صفوف ممثلي الثورة.
أول الأسباب، عدم الاتفاق على الأولويات، لاسيما موضوع سلاح «حزب الله». إذ بدا واضحا في ورقة المبادرة الرئاسية التي طرحها التكتل، تجنب الخوض في هذه المسألة، والتحايل عليها بجمل عمومية. مع أن السلاح، يصعب تجاهله، على اعتبار أن اللعبة السياسية تفرض في البلد، بهدف المحافظة عليه. وعلى المقدمات الخاطئة ترتبت نتائج خاطئة، فعدم وضع السلاح في سلم الأولويات، خلق انقساما بين نواب التغيير، حول تسمية معوض لرئاسة الجمهورية، خصوصا أن الأخير طرح نفسه مرشحا معارضا لـ»حزب الله»، وصاحب موقف واضح من السلاح. عدا عن المأخذ المتعلق بارتباط الرجل بالطبقة السياسية، التي لم يحدد تكتل الثورة، استراتيجية للتعامل معها، بل أضاف على أدائه، تخبطا إضافيا، فراح ينخرط معها، بحكم الأمر الواقع، ضمن اللجان النيابية، ثم يرفض ترشيح شخصية منها للرئاسة.
الاستراتيجية الأفضل في التعامل مع هذه الطبقة، كان، من الممكن، أن يبدأ، من فرزها وتحديد الأكثر والأقل خطرا فيها، ليصبح التعاون مع القسم الثاني، أفضل الممكن، ضمن موازين قوى سياسية، لا مهرب من العمل ضمنها وتحقيق مكاسب مرحلية. وهذا يتطلب تطوير العلاقة مع الرأي العام المنحاز للتغيير، من كونها علاقة بين متظاهرين غاضبين وشخصيات قيادية في الثورة، إلى علاقة بين ناخبين ونواب يمثلون مصالح فئة متضررة. في الأولى ثمة إطلاقية وشعارات وعمل ميداني وتعبئة وشعبوية، وفي الثانية ثمة نسبية وبرامج وعمل سياسي وبراغماتية.
من الواضح أن الكثير من أنصار نواب التغيير ما زالوا ينظرون إليهم انطلاقا من المقاربة الثورية وليس السياسية، وهنا مسؤولية النواب ليست بسيطة، على اعتبار أنهم لم يطوروا لغة تواصل مع أنصارهم تساعد الأخيرين على الانتقال من موقع المتظاهرين إلى موقع الناخبين. على العكس، انخرطوا في لعبة رفع السقف والمزايدات في معظم القضايا، حتى بدوا في مسألة ترسيم الحدود مع إسرائيل مثلا، أكثر راديكالية من الطبقة السياسية نفسها، ورفع السقف من أجل إرضاء شعبوي للناس، ليس سوى فخ ينصبه السياسي لنفسه، حيث يصبح أي فعل سياسي تنازلا، ويحاسب عليه من قبل أنصاره باعتباره «خيانة».
نواب التغيير، أرادوا أن يمارسوا السياسة بأسلوب حديث، وبعيداً عن المحاصصة الطائفية، على ما يقول معظمهم في التصريحات الصحافية، ولأن، لا بيئة حالية تتيح ذلك، فإن التخبط والانقسام سيتواصلان، ما يستدعي إعادة نظر وتقييم، لخلق موازنة بين الطموح والواقع، وخلق تفاهمات، ولو مرحلية، مع القوى التقليدية الأقل ضرراً، على قاعدة، أولوية السلاح، من دون الذوبان مع هذه القوى أو التحالف الكلي معها.
*كاتب سوري
المصدر: القدس العربي