تتعامل العديد من وسائل الإعلام داخل تركيا وخارجها مع مواقف قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم حول التحولات الحاصلة في سياسة أنقرة السورية التي بدأ يكشف النقاب عن بعض تفاصيلها بشكل مقنن ومبرمج ومدروس على طريقة “لا تقربوا الصلاة..”.
باستثناء أصوات خافتة في صفوف المعارضة السورية لا أحد يحدثنا عن استعداداته لسيناريوهات التحول المحتمل في مواقف أردوغان وحزبه في التعامل مع الملف السوري. السبب ربما هو أن من يراجع سياسته السورية أو يبحث عن ذريعة لإعلان ذلك في أقرب ما يكون كثر في المنطقة وهم ينتظرون التحول في مواقف وسياسات تركيا.
هدف البعض إذا هو الكشف عن تفاصيل هذا التحول ومساره ومعرفة ما تم إنجازه حتى الآن من خلال المحادثات بين هاقان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات التركية وعلي مملوك رئيس جهاز استخبارات النظام في دمشق برعاية روسية، حتى ولو جاء العنوان العريض يحمل الكثير من التجني والاستفزاز “أردوغان أبدى رغبته في لقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد”. وحتى لو جاءت “التسريبات” المنسوبة إلى إعلام فرنسي وبريطاني وروسي مكررة ومعروفة مسبقا وتم التعامل معها من قبل الخارجية التركية أكثر من مرة.
كثرة ما يوصف بالتسريبات والأنباء المتعلقة بمسار الملف السوري في الآونة الأخيرة واحتمال حدوث لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورأس النظام في دمشق بشار الأسد وأنباء الحديث عن طلب تركي رسمي لقوى الائتلاف السوري بمغادرة الأراضي التركية في إطار سياسة سورية جديدة تتبناها أنقرة، فرضت على وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الخروج عن صمته مجددا هذا الأسبوع لتوضيح الكثير من هذه المسائل:
– جاويش أوغلو قال إن هناك محادثات تركية سورية تجري على مستوى أجهزة الاستخبارات في البلدين وأنه سبق له أن كشف النقاب عن ذلك أكثر من مرة. وقال إن المحادثات بين الجانبين محصورة بحوار في هذا الإطار حتى الآن.
– ونفى الأنباء التي تتحدث عن لقاء محتمل بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورأس النظام في دمشق بشار الأسد على هامش قمة شنغهاي معلنا أن الأسد ليس بين المدعوين أساسا.
– وأوضح أن العلاقات بين أنقرة وحلفائها في المعارضة السورية على ما يرام وأنه استقبل وفدا رفيعا قبل فترة لبحث التنسيق وسبل دعم تنفيذ القرارات الأممية حول ملف الأزمة السورية وهي بحد ذاتها رسالة تأكيد لنفي الأنباء التي تتحدث عن تغير في سياسة تركيا حيال الائتلاف وقياداته ودوره وتمثيله. وعدم صحة ما يقال حول دعوة أنقرة لقيادات الائتلاف بالاستعداد لمغادرة الأراضي التركية قبل نهاية العام الحالي وأنه بمقدور المجنسين منهم البقاء في تركيا شرط عدم ممارسة أي نشاط سياسي أو إعلامي.
– وتوقف جاويش أوغلو عند مسألة مطالبة النظام السوري بانسحاب القوات التركية من شمالي سوريا كشرط مسبق للحوار، معلنا رفض أنقرة لخطوة بهذا الاتجاه على اعتبار أن الانسحاب يضر بتركيا والنظام السوري على حد سواء. “إذا انسحبنا من تلك الأراضي اليوم فلن يحكمها النظام، وستهيمن عليها التنظيمات الإرهابية ” هو ما يقوله وزير الخارجية التركي.
بعد ساعات على تصريحات جاويش أوغلو خلط الإعلامي التركي عبد القادر سلفي المقرب من قيادات الحزب الحاكم في تركيا، الأوراق مجددا حول سياسة تركيا السورية والتطورات والاحتمالات، عندما كشف النقاب عن مقاطع من حديث أردوغان في اجتماع مغلق عقده مع اللجنة المركزية ومركز القرار لحزب العدالة والتنمية في مطلع الأسبوع، بقوله إن أردوغان ردد أمام الحضور أنه كان يتمنى لو أن الأسد يأتي إلى أوزبكستان حتى أقابله، لكنه لا يستطيع المجيء إلى هناك بسبب موقفه الذي يقود سوريا نحو التقسيم، وأشعل حرباً مع المعارضة من أجل الحفاظ على سلطته. فضّل التمسك بسلطته، واعتَقَدَ أنه يحمي المناطق الواقعة تحت سيطرته، إلا أنه لم يستطع تأمين نفوذه خارج حمص وحماه وحلب. وتابع “أتمنى لو أنه أتى إلى أوزبكستان حتى أقابله، لقلتها في وجهه، حيث إننا قلنا له سابقاً: ‘انظر، إذا تصرفت بهذا الشكل، فإن سوريا ستتقسم. تجاهل تحذيراتنا، ولم يكن في حسبانه أن روسيا وأميركا ستدخل إلى سوريا. اختار التمسك بحكمه، إلا أنه فشل في حماية جزء كبير من الأراضي السورية “.
يحاول البعض الربط بين مسألة مطالبة قوى المعارضة السورية بمغادرة الأراضي التركية وتجميد نشاطاتها في تركيا وبين ما حدث مع قيادات الإخوان وإعلامهم في إسطنبول.
علاقة تركيا بالملف السوري وارتدادات ما يجري في سوريا على الأمن القومي التركي وما يقلق أنقرة في المشهد السوري سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا يختلف كليا عن نظرتها إلى الملف المصري. التشبيه أو المقارنة شبه مستحيلة. قبل بحث موضوع قوى المعارضة السورية وتواجدها داخل الأراضي التركية ستطرح أنقرة في حديثها مع النظام مسائل أبرزها ضرورة إبقاء سوريا موحدة تحت سلطة سياسية وإدارية واحدة، وإفشال مشروع قسد المدعوم أميركيا في الحكم الذاتي كمقدمة لدولة كونفدرالية سورية، وحسم ورقة داعش وإسقاطها من يد هذه المجموعات التي تتلاعب بها بالتنسيق مع واشنطن. ووضع خطط واضحة ومحددة في مسائل عودة مئات الآلاف من السوريين إلى داخل أراضيهم وإبعاد الميليشيات الإيرانية التي وصلت إلى مناطق الحدود التركية قادمة من لبنان والعراق وفتح الطريق أمام التسوية السياسية الحقيقية في سوريا.
سرب الإعلام الإيراني بحماس كبير نبأ احتمال حدوث لقاء بين أردوغان والأسد على هامش قمة شنغهاي. لم يتم ذلك رغم أن أردوغان أعلن أنه لو جاء الأسد إلى سمرقند لكنت التقيته لأشرح له بعض الأمور حول مسؤوليته ودوره في كل ما حل بسوريا. ما تقوله أنقرة مهم طبعا لكن رد النظام في دمشق لا يقل أهمية حسب موسكو وطهران وهو الذي لن ينكر جميلهما إلى الأبد. لو جاء لكان أردوغان أبلغه. لم يحضر الأسد ونحن لن ننتظر قدوم غودو أيضا. هل من الضروري لقاؤهما من أجل هذه الرسائل التي كشف أردوغان النقاب عنها أصلا؟ أليس بمقدور فيدان الذي يحاور مملوك أن يقوم بالمهمة؟ وما الذي سيجري بعد إيصال ونقل هذه الأمور لبشار الأسد؟ كيف سيرد عليها؟ هل سيقبل تحمل مسؤولية ما جرى ويعلن الندم والتوبة ويفتح الطريق أمام تسريع العملية الانتقالية السياسية في سوريا؟
الحوار التركي بدأ مع النظام قبل أكثر من عقد لكنه لن يحسم مع النظام في دمشق حتى ولو قال أردوغان إن هدفنا ليس هزيمة بشار الأسد بل التوصل إلى حل سياسي في سوريا. حكومة العدالة والتنمية تستعد لانتخابات صعبة بعد 9 أشهر، يتصدر الملف السوري الأولويات في حسم نتائجها، لكن أنقرة لن تساهم في تلميع صورة الأسد خصوصا بعد سقوط حلم وصوله إلى قاعة اجتماعات القمة العربية المرتقبة. هناك تطورات ومعادلات سياسية وأمنية ولعبة توازنات جديدة نشأت في سوريا ومن يتحدث نيابة عن النظام هو في الكرملين وأنقرة ستحاول أن تحسم المسألة معه إذا ما كان جادا في تحريك عجلة التسويات في سوريا بعكس ما جرى حتى اليوم. رغم أنها تدرك وجود الحصة الأميركية والإيرانية والإسرائيلية وعودة المجموعة العربية إلى المشهد وهي توازنات من الواجب أخذها بعين الاعتبار في الملف.
كل ما يدور من حديث عن تسريبات وتخمينات وتوقعات حول مسار العلاقات بين أنقرة ودمشق هي لمجرد إلهاء الرأي العام في تفاصيل لن تقدم وتؤخر. وهي كلها تمنح قوى المعارضة السورية التي عليها أن تستغل ما بيدها من ثقل ووزن وأوراق داخل سوريا وخارجها فرص لن تعوض لإعلان ولادة الانطلاقة الجديدة كي لا تكون في مقعد المتفرج.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا