تدرك معظم الجهات الفاعلة في سورية جيداً الحاجة إلى إنهاء الأزمة الحالية، وأن انتقال العلاقات التركية السورية إلى نقطة أكثر إيجابية سيكون عنصرا بالغ الأهمية للتقدم، حسب ما كتب السفير التركي السابق في سورية، عمر أونهون، لصحيفة “الشرق الأوسط” مؤخراً.
كتب أونهون أن الرئيس السوري، بشار الأسد، يعتمد على روسيا في بقائه، بينما تحافظ تركيا على نوع خاص من العلاقات التي تنطوي على خلافات حادة ومصالح متبادلة في الوقت نفسه مع موسكو.
ولكن، على الرغم من الصعوبات العديدة، ما تزال هناك قاعدة لحل سياسي في سورية، كما يعتقد الدبلوماسي المخضرم، من خلال “مجموعة من المبادرات الدبلوماسية على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية”.
وقال عمر أونهون أنه في طريق عودته من سوتشي في 6 آب (أغسطس)، كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن اجتماع عقد بين أجهزة استخبارات تركية وسورية. وصرح وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحفي عُقد في 11 آب (أغسطس)، أن تركيا تدعم المصالحة السياسية بين المعارضة السورية ونظام الأسد. ومضى الوزير قول إنه قبل نحو عام، عندما كان في بلغراد لحضور مؤتمر دولي، أجرى محادثة سريعة في الأروقة مع وزير الخارجية السوري فيصل مقداد، الذي كان هناك أيضًا للمشاركة في نفس المؤتمر.
وأضاف عمر أونهون في مقاله: “انخرط الصحفيون والمعلقون والسياسيون المعارضون في تركيا على الفور في نقاشات حول ما حدث بالفعل، وإيجابيات وسلبيات التطبيع مع نظام الأسد”. ولفت إلى أن الرئيس التركي أدلى، في طريق عودته من زيارته لأوكرانيا، ببيان آخر، من دون الإشارة مباشرة إلى المصالحة مع الأسد، حيث قال أن تركيا مستعدة للمضي قدما فيما يتعلق بنظام الأسد. وفي إشارة إلى ما قاله شريكه غير الرسمي في الائتلاف، دولت بهجلي، أوضح أردوغان أنه مستعد لنقل الاتصالات مع سورية إلى مستوى أعلى، أي إلى المستوى السياسي.
وأكد عمر أونهون أنه كان من المذهل سماع أردوغان وهو يقول أن الولايات المتحدة هي التي “غذت الإرهاب في سورية، وزودت المنظمات الإرهابية بآلاف الشاحنات من الأسلحة والمعدات واستقبلت الإرهابيين في البيت الأبيض”. كما أدرج الحلفاء ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى ضمن مؤيدي الإرهاب، مشيرًا إليهم على أنهم “قوات التحالف”.
من ناحية أخرى، أشاد أردوغان بروسيا كشريك في مكافحة الإرهاب. وقال: “في كل خطوة نتخذها في سورية، تكون قواتنا الأمنية ووكالات المخابرات ووزارة الدفاع على اتصال”.
وأشار عمر أونهون إلى أنه في هذه المرحلة، يجب التذكير بدور روسيا والعلاقات التركية الروسية. إن روسيا هي الدولة الرئيسة في سورية. وكان دعم روسيا في المجال السياسي، ولا سيما في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وتدخلها العسكري المباشر على الأرض في العام 2015 ، هو الذي غير مسار الحرب في سورية لصالح الأسد.
كما أشار إلى أن الأسد يعرف جيداً أنه من دون روسيا، فإن فرصه في البقاء ستكون ضئيلة. تُضاف إلى هذا حقيقة أن روسيا رسخت نفسها جيدًا في سورية بكل قواعدها وعتادها العسكري، بحيث لا يبدو أن أي حل سيكون ممكناً من دونها.
وشدد الدبلوماسي التركي على أن تركيا وروسيا تتمتعان بعلاقة معقدة، مع اختلافات حادة ومصالح متبادلة أيضًا. وقد أصبح “نوع العلاقة الخاصة” بين تركيا وروسيا التي كانت قائمة خلال السنوات القليلة الماضية، حتى أكثر تعقيداً بعد الحرب في أوكرانيا. ويبدو أن البلدين يفضلان بشدة القيام بالأشياء في سورية من دون مواجهة بعضهما البعض.
وتساءل عمر أونهون: لماذا قرر أردوغان تبني سياسة سورية مختلفة بشكل كبير في هذا الوقت؟ وأجاب بأنه بادئ ذي بدء، تبقى أقل من عام للانتخابات الوطنية التركية. ويواجه أردوغان عددًا من المشاكل في تركيا، بما في ذلك الوضع الاقتصادي الخطير والصورة الرمادية التي تحيط بفرص إعادة انتخابه. ولذلك يريد أن يحرر نفسه من أكبر عدد ممكن من المشاكل.
وأضاف أن أهم قضية في السياسة الخارجية والتي تنطوي على تداعيات داخلية هي الأزمة في سورية والأمن، والتي يتصدرها 3.7 مليون سوري موجودين في تركيا. ومن الواضح، بغض النظر عن كيفية تطورها وما إذا كانت ستفضي إلى نهاية سعيدة أم لا، أننا نمر الآن في حقبة جديدة من العلاقات التركية السورية. وسوف يكون الطريق إلى الأمام صعبا ووعرا.
في مقاله، ألقى السفير التركي السابق لدى سورية نظرة سريعة على بعض المشاكل الرئيسة، ومنها:
هناك الكثير من الجهات الفاعلة الخارجية في هذه الأزمة، بما فيها روسيا، وتركيا، والولايات المتحدة، وإيران، وإسرائيل والدول العربية. وفي معظم الحالات، تتبنى هذه الجهات أجندات مختلفة ولها مصالح وأولويات متضاربة.
تظل إيران على وجه الخصوص إشكالية في طموحاتها وسياساتها الأيديولوجية/ الإستراتيجية.
هناك عشرات الجماعات المسلحة وعشرات الآلاف من المليشيات والأسلحة في سورية. هناك مجموعات جهادية ومليشيات شيعية من لبنان (حزب الله) وإيران والعراق وأفغانستان. وهذا، في حد ذاته، عنصر يمكن أن يفكك أي جهد للسلام بالعديد من الطرق.
تسيطر وحدات حماية الشعب (الكردية في أغلبها) على حوالي 35 في المائة من الأراضي السورية التي تحتوى على معظم حقول النفط والأراضي الزراعية الخصبة في سورية. وتصر هذا القوات، فيما يتعلق بالنظام السياسي الإداري المستقبلي في سورية، على الاحتفاظ بما لا يقل عما لديهم الآن.
معظم السكان في شمال سورية وفي أجزاء أخرى من البلاد وأولئك الذين فروا من سورية يقاتلون النظام منذ سنوات. وقد فقد هؤلاء أحباءهم وممتلكاتهم. وتم استهدافهم بالأسلحة الكيماوية وتعذيبهم في سجون النظام. وهؤلاء الناس لا يرون الأسد كشريك في السلام بل شخصاً تجب محاكمته. وكان غضب الناس الذين نزلوا إلى الشوارع في شمال سورية للاحتجاج على تصريحات وزير الخارجية التركي شهادة على الحساسيات.
من جانب الأسد، سيكون الخوف من فقدان قبضته المطلقة على السلطة ضاراً. بالعودة إلى العام 2011، تم تشجيع الأسد على إجراء بعض الإصلاحات وإدراج أشخاص من المعارضة في النظام السياسي، لكنه لم يسلك هذا الطريق بسبب هذا الخوف. وقد مر أحد عشر عاما وأكثر ولم يتغير نهجه.
أكد عمر أونهون أنه من بين العديد من الأمثلة الأخرى على هذا النهج “عدم تحقيق إنجازات” في عمل اللجنة الدستورية السورية. وقد أوضح المراقبون المستقلون الذين هم على اطلاع جيد وشاركوا في اجتماعات اللجنة أن جانب النظام ليس موجوداً هناك للمشاركة في مفاوضات هادفة وموجهة نحو النتائج، وإنما لمجرد استرضاء رعاته الروس وعدم الظهور كطرف رافض للجلوس إلى الطاولة. باختصار، ما يزال نظام الأسد يخشى أن يؤدي أي ترتيب لأي نوع من تقاسم السلطة في النهاية إلى فقدان السلطة تمامًا.
وقال أونهون أنه مع كل هذه الصعوبات التي تظهر في العلن، فإنه إذا كان هناك أساس لإقرار حل سياسي في سورية، وهو ما أعتقد أنه موجود، فإنه يتكون من مجموعة من المبادرات الدبلوماسية التي طُرحت على مدار السنوات الـ11 الماضية.
وذكر أن هذه المبادرات الدبلوماسية بدأت باجتماع عقد جنيف في حزيران (يونيو) 2012، وانتقلت إلى بيانات فيينا في العام 2015، وتطورت إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ثم هناك عملية أستانا ومنتجاتها. وقد وقّعت جميع الأطراف ذات الصلة، بما في ذلك روسيا وإيران ونظام الأسد، على هذه المبادرات الدبلوماسية في مرحلة أو أخرى، بطريقة أو بأخرى.
على الرغم من اعتماده قبل سبع سنوات، يحتوي قرار المفوضية رقم 2254 على المعايير والمبادئ الرئيسية، بالإضافة إلى خريطة طريق لحل سياسي، وهي على النحو التالي:
الحفاظ على وحدة أراضي سورية.
إقامة نظام سياسي قابل للحياة، وشامل، ومقبول للمعارضة وأنصار النظام والمحايدين على حد سواء.
محاربة الإرهابيين.
تفكيك المليشيات المسلحة من جميع الجهات.
تمكين عودة اللاجئين السوريين.
تحسين الوضع الإنساني.
الانخراط في الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار.
وعلى وجه التحديد، كانت العناصر الرئيسية لخريطة الطريق كما يلي:
إقامة حكومة شاملة ذات مصداقية وغير طائفية (فترة انتقالية).
صياغة دستور جديد.
إجراء انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها جميع السوريين، بمن فيهم أولئك خارج سورية.
وختم عمر أونهون مقاله بالقول أن الأزمة في سورية مكلفة للغاية من نواح كثيرة. وأضاف أنه متردد في قول كل شيء، لكن الغالبية العظمى من الجهات الفاعلة تدرك جيدًا الحاجة إلى إنهاء الأزمة. ومن أجل إحراز تقدم، فإن المطلوب هو إرادة سياسية من جانب الأطراف السورية المعارضة ودعم حقيقي من المجتمع الدولي. وسيكون أي تحرك إيجابي في العلاقات التركية السورية جانبًا مهمًا في هذا الإطار.
المصدر: (أحوال تركية)/الغد الأردنية