يعتبر العراق ركيزة محور إيران الإقليمي ..ولم تتحول إيران إلى دولة إقليمية مهمة إلا بعد إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل حيث تمدد مشروع ولاية الفقيه غربا ..ولاشك ان قيام الولايات المتحدة باسقاط نظام طالبان في افغانستان بعد ضربات 11 ايلول 2001 قد ازاح عبئا ثقيلا عن كاهل ايران ..لكن مشروع ولاية الفقيه لم يتمدد شرقا بالرغم من جود بيئات شيعية كبيرة في افغانستان وباكستان والهند…آثرت الثورة الخمينبة بتصدير مشروعها غربا الى الشيعة العرب والبدء بتنفيذ هلالها الشيعي ..مع ان اغلب الباحثين لايجدون تفسيرا لتحول الاستراتيجية الفارسية اذ ان الامبراطوريات الفارسية عندما كانت تقوى كانت تتمدد شرقا
حكمت الاحزاب والميليشيات الموالية لايران العراق منذ 2003 ..بتخادم مع القوات الامريكية الغازية احيانا وبتنافس احيانا أخرى..
إنطلاقا من العراق بدا محور ايران الافليمي بالتشكل حيث ضم إضافة اليه كل من سورية(الاراضي الخاضعة سيطرة النظام السوري) ولبنان كله…
كانت ثورة او انتفاضة تشرين 2019 بداية تبلور لرفض الحاضنة الشعبية الشيعية العراقية بالوسط والجنوب لمشروع ولاية الفقيه ونموذجه الذي السياسي والاجتماعي والاقتصادي فقد سئم الجمهور الشعارات الدينية الجوفاء وارتهان العراق ومقدراته الهائلة (خامس احتياطي نفطي بالعالم وثالث اكبر منتج له) لفساد الطبقة السياسية وميليشياتها والتي عاثت فسادا ونهبت خيرات البلد ولم تستطيع الحكومات المتعاقبة الموالية لايران من تأمين الحد الادنى من الخدمات كالماء والكهرباء والصحة والتعليم وفرص العمل
واجهت الميليشيات الحاكمة المنتفضين بكل وحشية فقتلت الالف منهم وفقد العشرات وجرح حوالي الثلاثون الفا…
الحدث الابرز كان في 3 كانون ثاني 2020 عندما قتلت القوات الامريكية حاكم العراق الحقيقي قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري وزميله ابو مهدي المهندس القائد الحقيقي لميليشيات الحشد الشعبي (الشيعي) ذات الولاء للحرس الثوري الايراني
لم يستطيع الحرس الثوري تعويض غياب القتيلان لامتلاكهما كاريزما خاصة وشرعية تاريخية كانت هي التي اسست كل الميليشيات المتواجدة على الساحة العراقية…
دفعت الاحداث رئيس جهاز الاستخبارات العراقي مصطفى الكاظمي لتبوأ متصب رئاسة مجلس الوزراء(وهو اهم منصب تنفيذي بالعراق حيث هو القائد العام للقوات المسلحة)..ويعتبر السيد الكاظمي اول رئيس وزراء عراقي بعد 2003 لاينتمي لحزب الدعوة الموالي لايران..
تمكنت حكومة الكاظمي من اجراء انتخابات نيابية (تعتبر الانزه بتاريخ العراق الحديث)
ورغم المقاطعة الشعبية التي وصلت الى 75% الى ان نتيجة الانتخابات افرزت فوز التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر ب74 نائبا وحصل حزب الدعوة على اقل من نصف ذلك العدد ..وبات الصدر صاحب الكتلة البرلمانية الشيعية الاكبر وينص الدستور على انها ستسمي رئيس الوزراء المقبل ..وتحالف الصدر مع كتلة النواب من العرب السنة وكتلة نواب الاكراد التابعين للسيد مسعود البرازاني ..بما سمي تحالف انقاذ وطن او التحالف الثلاثي واعرب عن رغبته تاليف حكومة اغلبية وطنية ولم يوافق على اشراك كتلة نواب الاطار التنسيقي بالحكومة…وكان بهدد بتحويل الفاسدين منهم للقضاء (وخاصة نوري المالكي الذي سلم الموصل لداعش) إضافة لنيته حل هيئة الحشد الشعبي وحصر السلاح بيد الدولة
تم تعطيل جهود الصدر وتحالفه لتشكيل الحكومة طيلة عشرة اشهر مما اضطره لسحب نوابه من البرلمان وتقديم استقالاتهم…
يعتبر الصدر نموذجا للشيعي العربي الذي يرفض ولاية الفقيه الدينية الفارسية ومشروعها السياسي وهو الوحيد بالعراق القادر على تحديها ..
فشلت كل جهود الحرس الثوري لاقناع الصدر بالتوافق مع الاطار التنسيقي الموالي لايران لتشكيل حكومة توافقية تعتبر امتدادا للحكومات السابقة وتخضع للهيمنة الايرانية
جاءت تسريبات المالكي الاخيرة التي هاجم فيها الحلفاء والاعداء وخاصة مقتدى الصدر لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير ..
حيث دفع ذلك مع الاحتقان الشعبي المتزايد من قاعدة التيار …الى اجتياح المنطقة الخضراء(وهي المربع الامني والحكومي والدبلوماسي) واحتلال البرلمان وتعطيل اي جلسة لانتخاب رئيس جمهورية يكلف شخصية من الاطار التنسيقي لتشكيل الحكومة ..حيث تنتقل القيادة العامة للجيش والقوات الامنية اليه .
يعتبر رئيس وزراء حكومة تصريف الاعمال مصطفى الكاظمي حليفا للصدر ومرشحه المفضل (حاليا على الاقل) للقرار التنفيذي الاول بالعراق…
لاشك ان اعتصام انصار الصدر بالمنطقة الخضراء واذاعة الصدر نفسه للببان رقم واحد هو زلزال سياسي بل استراتيجي على محور ايران كله
لايخف الصدر مطالباته بتغيير النظام السياسي بالعراق واخراجه من هيمنة ولاية الفقيه..وبالتالي القضاء على ميليشيات الحشد الشعبي الموالية للحرس الثوري والتي اثبتت انها عصابات مسلحة فاسدة لاتملك بعد شعبي حقيقي..
أفشلت حركة الصدر انقلاب ميليشيا الحشد على الحكومة الحالية كنسخة طبق الاصل من انقلاب ميليشيا الحوثي باليمن او الاسراع بتشكيل حكومة اطارية تخلف حكومة الكاظمي…
لن تسلم ميليشيا الحشد نفوذها ومكاسبها بسهولة وهي لاتملك الا السلاح والذي سيكون بمقابله سلاح ميليشيا الصدر المعروفة بسرايا السلام التي ورثت جيش المهدي..وسلاح الجيش والقوات العراقية العسكرية والامنية اضافة الى تأييد كاسح من حلفاء الصدر العرب السنة واغلبية الاكراد
ليس معروفا كيف ومتى تبدا الحروب الاهلية وكيف ومتى تنتهي ..لكن نعرف الان ان كل اسباب اندلاعها باتت جاهزة وتنتظر الشرارة الاولى لتصل الى العشب الجاف
منذ بدايات الثورة السورية ارسل قاسم سليماني الميليشيات العراقية لدعم ميليشيات النظام ..وهي تتواجد بكثرة وانتشار من المنطقة الشرقية الى الوسطى الى الجنوبية واهمها ميليشيا النجباء وابو الفضل العباس وغيرها من الميليشيا المجرمة والتي تشكل العمود الفقري للتواجد الايراني الداعم للنظام السوري ..حيث يعتبر انتشار ميليشيا حزب الله اللبناني نوعيا وبدون كثافة عددية ويتولى مهمات القبادة والاتصال وغيرها ولا بستطيع سد اي نقص محتمل على الارض نتيحة انسحاب اجزاء مهمة من تلك الميليشيات لمناصرة الميليشيا العراقية الام في الحرب الاهلية الوشيكة…
وهذا سينعكس سلبا على اي مشاريع مستقبلية للنظام وحلفائه للامساك بالارض الواقعة تحت سيطرتهم حاليا او ان كان بمخيلتهم التوسع بغيرها
يمكننا اعتبار ان عام 2022 كارثيا على النظام السوري ..حيث تورط داعمه الروسي في حرب ضروس في اوكرانيا ونطح بقرونه العجينية جدار الناتو الصلب فادمى نفسه وسيدمي تابعيه..
وتورط حليفه الايراني بمشكلة عدم توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وستفتح عليه بخاصرته المؤلمة حربا شيعية شيعية ستطيح بنفوذه ليس في العراق فحسب بل في مابعد العراق ايضا..
المصدر: سوريا الأمل