تستحق جائحة الكورونا البحث، بغير طريقة الأعمى الذي قال عن قوائم الفيل إنها أعمدة، وعن جذعه إنه خرسانة وعن ذيله إنه خرطوم … الخ، أي إنه قال كل شيء وأي شيء سوى إنه فيل!! على أننا عرضنا هذه الطريقة الساذجة، للتدليل على طرق أخرى لا يمكن وصفها بالسذاجة في تشخيصها لهذه الجائحة… خلافاً لعواملها واسبابها وأبعادها الحقيقية!
إننا لا نضع هذه الطرق جميعاً في سلة واحدة، خصوصاً تجارب البحث الطبية والعلمية التي تكافح لتحقيق حلول وقائية أو علاجية لهذه الجائحة، لهذا نضم رجاءنا مع كافة البشرية لتحقق هذه التجارب أهدافها المرجوة. غير أننا نعتقد أن النفع المرجو من هذه التجارب لا يتعدى على أهميته دائرتها وأهدافها الوقتية التي لا تستطيع منع هذه الجائحة وأمثالها وربما الأعتى منها أيضاً, من عودة الظهور في المستقبل او في أي لحظة آو تحت أية هيئة جديدة، طالما ظلت أسبابها وعواملها الدفينة على ما هي عليه، لهذا فهي أشبه بمعالجة حالات مرضية طارئة داخل مركب يتعرض بمجموعه للغرق، وهي أشبه بالعلاجات الأمنية او إجراءات الطوارئ التي يتم اتباعها تجاه الحوادث الارهابية أو الكوارث الطبيعية بمعزل عن أسبابها وعواملها الحقيقية!!
ولئن كنا ذكرنا مثالب البحث الطبي والعلمي لجانب فضائله الإيجابية، فلكي نشير لطرق أخرى لا تمتلك أية فضائل أصلاً، بل ربما يشكل بعضها جزءاً من الجائحة الأصلية أو جائحة موازية لها بدءاً من تسخير “الكورونا” لأغراض الدعاية السياسية وتصفية الحسابات والمعالجات الشوفينية الضيقة، مروراً بتسخيرها من قبل بعض المحطات التلفزيونية كمادة للإثارة الإعلامية (على طريقة تمكنت قوات كورونا من التقدم إلى… أو اكتساح كذا إلخ) بل بلوغ بعضها لحد الترويج لتطبيع الكورونا جرياً على ما تفعله بتطبيع الحروب الدينية والعرقية والطائفية، وصولا لظهور أصوات منكرة خصوصاً في بلداننا للأسف للتبشير بالكورونا وأمثالها كانتقام الهي يوجهه الرب ضد بلاد الكفار والمشركين … الخ !!
غاية القول إننا نسعى خلافاً لهذه الطرق وأمثالها، لرفع جائحة الكورونا للمستوى الذي تمثله وتستحقه فعلاً من البحث والمعالجة، وهذا أقل ما تقتضيه مواجهة الأزمات الكبرى بعيداً عن المكابرة وركوب الرأس أو دفنه في الرمال خصوصاً، الأزمات التي بلغت حداً لا يهدد الجنس البشري بإعاقة تقدمه أو زرع المشكلات أمامه فقط، بل بالأحرى تعريض وجوده وكوكبه الأرضي للفناء.
لأجل هذا لابد من توضيح نقطتين في غاية الأهمية كما يلي:
الأولى – إن كتابة هذه السطور لا تصدر تحت أية صفة او سلطة فيما عدا سلطة الضمير، الذي يعتبر المصير البشري جزءاً لا يتجزأ من مسؤوليته الشخصية والعقلية والأخلاقية. لأجل هذا فإن هذه السلطة تخص بل تقع على عاتق كل فرد على هذا الكوكب، وهي تملك حق البحث والمساءلة غير المنقوصة لمختلف الأسباب والسياسات والعوامل التي تؤدي لهذه الجائحة وأمثالها، بما فيها مساءلة الكيفية التي تتم فيها عمليه التقدم نفسها الجارية بالفعل، وصولاً لحق المشاركة غير المنقوصة أيضا في رسم الحلول والأهداف والخيارات الأفضل التي تنفع البشرية وأجيالها القادمة.
الثانية – إن الأفكار والتقديرات التي قد يتبين خطؤها في هذه السطور، تعود بالمسؤولية على صاحبها دون غيره، أما الأفكار والاستنتاجات التي يتبين صلاحها فهي لا تخص الكاتب فقط، وهي لم تولد من العدم بل هي حصيلة تراكم تاريخي طويل من المآثر والخبرات التي حققها عدد كبير من المفكرين والمصلحين و قادة الرأي والفاعلين والنشطاء في كافة أرجاء العالم (بما فيه عالمنا العربي) والذين سارعوا لرسم أهداف وخيارات أفضل لتجنيب البشرية هذه الكارثة وأمثالها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً وأبدعوا لأجل هذا (وما يزالون) أشكالاً مختلفة من النشاطات والمنتديات والمنظمات الأهلية وحركات التضامن والتروس البشرية التي شهدتها ساحات وميادين مختلفة من العالم بالفعل.
عليه فإن ما ندعو إليه هذه السطور ليس نبتاً غريباً أو مفتعلاً، بل هو يحمل هدفاً أو لنقل رجاءً لا يخفيه ولا يجوز إخفاؤه، وهو المساعدة على تشكيل أرضية مشتركة لتحقيق رافعة بشرية جديدة (نخبوية وشعبية معاً) تشق طريق الأمل أمام شعوبنا والبشرية معاً للخروج من دائرة الخيارات المدمرة إلى خيارات أفضل تنفع أجيالها القادمة.