تنطلق اليوم في تاريخ 19 من تموز/ يوليو 2022 القمة الثلاثية التي تجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الروسي بوتين، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في قمة ذات أهمية، في العاصمة الإيرانية طهران، حيث تأتي ضمن ظروف دولية وإقليمية غاية في التغير والدراماتيكية، وبعد قمة مهمة أخرى في العاصمة السعودية جدة جمعت الرئيس الأميركي جو بايدن بزعماء عرب واكتسبت أهمية كبرى في ظل ما حصل من تغيرات عالمية في السياسة والعسكريتاريا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والذي مازال يجري فصولًا بعد.
يقول أهل السياسة: لم يكن لهذه القمة الثلاثية أن تحصل لولا قمة جدة التي أرادت أميركا من خلالها أن تعيد بناء المنطقة على أسس جديدة، وتدمج الحالة الإسرائيلية ضمنها، ومن ثم أن تؤسس لأوضاع اقتصادية مرتبطة بالطاقة في مواجهة روسيا، وإيران، ومنتجة لأوضاع جديدة تستطيع عبرها الولايات المتحدة والغرب عمومًا البناء على إنتاج جديد للنفط والغاز يمكنه أن يستغني كلياً عن الغاز والنفط الروسيين.
لكن الدول الثلاث المشاركة في هذه القمة لها أولوياتها ومصالحها التي تريد من خلالها تلبية (إن لم يكن جل مصالحها منها) على الأقل البعض منها، التي تدفعها للموافقة على المشاركة فيها، وهو ما قد يختلف في أهمية إدراج البنود الأساسية على أجندة هذه القمة التي لا يبدو أنها بعيدة عن كل ما حام ويحوم حول أستانا والدول الثلاثة الراعية لأستانا والتي مضى على آخر قمة بين هذه الدول تركيا وإيران وروسيا ما ينوف عن سنتين.
على أجندة هذه القمة الكثير من البنود والمحددات والأولويات التي تختلف وتتمايز fحسب مصالح هذه الدول وانشغالاتها السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي يمكن أن تندرج وفق ما يلي:
_ اللجنة الدستورية السورية التي تتعثر ويتم إلغاء اجتماعها الذي كان مقررًا أواخر هذا الشهر دون تحديد موعد محدد لاجتماع آخر وجديد، وحيث جاء ذلك بعد تعثر الوصول إلى توافقات بشأنه بعد الإعلان الروسي مؤخرًا عن أن روسيا قد لا توافق على بقاء الاجتماعات في جنيف لأن السلطات هناك لا تتعامل مع المندوب الروسي إلى جلسات اللجنة الدستورية إلا كفرد عادي وليس كممثل لدولة بحجم ومكانة روسيا. إذًا وفي القضية السورية تعتبر تعثرات اللجنة الدستورية المخترعة روسيًا لابد أن تكون ضمن أجندات القمة الثلاثية، ومن ثم إمكانية الدفع بهذه اللجنة قدمًا فيما لو أريد لها أن تنتج ما هو مفيد، وهي التي ما برحت تراوح بالمكان بعد ثماني جولات متتابعة لم تنتج سوى قبض الريح.
_ المسألة الثانية ذات الأهمية التي تعتبرها الدولة التركية الأكثر أهمية هي العملية العسكرية التركية المزمعة بالاشتراك مع الجيش الوطني نحو تل رفعت ومنبج، حيث كانت قد توقعت مصادر سياسية ودبلوماسية تركية، أن تكون العملية العسكرية التركية المحتملة ضد قسد وإرهاب ال ب ك ك ذات الأولوية والأهمية الأكثر بالنسبة لتركيا، في وقت مازالت تشهد فيه الجغرافيا السورية الكثير من التحركات العسكرية الروسية بالتوافق مع قسد والنظام السوري، رفضًا لهذه العملية وفي مواجهتها، فهل سيحصل التوافق والتفاهم الثلاثي على قيام العملية العسكرية بعد أن أُطلقت تصريحات روسية وإيرانية في أكثر من حين تبدي تفهمهما للقلق التركي جراء وجود إرهابي لقسد وال ب ك ك يهدد أمن الدولة التركية. إذ من المتوقع أن يعمل الرئيس التركي أردوغان خلال القمة على فعل تغييري للموقف الروسي الرافض للعملية العسكرية التي تهدف إلى إقامة تلك المنطقة الآمنة، حيث يصر الأتراك على أن تكون بعمق 30 كيلومتراً وليس أقل من ذلك داخل الشمال السوري وصولًا إلى عملية استكمال الحزام الأمني على مجمل حدود تركيا الجنوبية، في وقت يحذر فيه بعض القادة الروس من أن التحرك العسكري التركي المحتمل يمكن أن يشكل (خطراً على الاستقرار فيها) بحسب الرؤيا العسكرية الروسية.
إضافة الى أن الرئيس أردوغان سوف يسعى كذلك للحصول على موقف إيراني معلن وواضح بما يخص هذه العملية العسكرية، وأيضًا من أجل العمل على استبعاد أية مواجهة ممكنة مع ميليشيا النظام السوري أو الميليشيات الإيرانية المتحالفة معه، ضمن تأكيدات تركية من أن هدف العملية سيكون فقط تأمين حدود تركيا الجنوبية تأسيسًا على اتفاقات دولية وإقليمية سابقة. وكانت إيران قد عبرت عن تفهمها لبعض المخاوف الأمنية التركية، حيث أكد حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني، إبان مباحثاته مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في العاصمة أنقرة في 27 من حزيران/ يونيو الفائت، على (ضرورة تبديد المخاوف الأمنية لتركيا في سوريا بأسرع وقت وبشكل دائم)، مؤكدًا أن إيران (تتفهم بشكل جيد جداً المخاوف الأمنية لتركيا في سوريا، وطرحها تنفيذ عملية خاصة هناك في الوقت نفسه).
- كما سيكون ضمن أجندة المباحثات بين القادة الثلاثة وهو الأكثر أهمية بالنسبة لموسكو المواجهة المفتوحة بين روسيا والغرب، ومن ثم جملة تداعيات الحرب في أوكرانيا على جل تلك الملفات الإقليمية ومنها بالضرورة الأوضاع في سوريا. وكذلك العقوبات الغربية الكبرى على روسيا والحصار الكبير من قبل الناتو ضدها إبان الحرب الأوكرانية، واستمالة الموقف التركي نحوها فيما لو أمكنها ذلك، بعد أن تمكنت روسيا من إشراك إيران في حربها ضد أوكرانيا، حيث لا يتوقع المراقبون أن يكون ذلك ممكنًا بالنسبة للدولة التركية، وهي عضو أساسي ومهم في حلف الناتو.
حيث تريد روسيا أن تربط القمة بالتطورات الكبرى المحيطة بروسيا، وحاجتها الماسة إلى استمرار تعزيز التنسيق مع شركائها في الملفات المطروحة للبحث وأهمية دور تركيا كوسيط بين الروس والأوكرانيين لاستمرار المباحثات وإعادة إحيائها من جديد.
– وبالتأكيد فإن من أولويات إيران هي الخروج برؤيا مشتركة تتعلق بما وصل إليه الحال في مباحثات فيينا حول الملف النووي الإيراني وهو ما تريده إيران أن يكون حاضرًا خلال لقاء الرؤساء بوتين ورئيسي وأردوغان. حيث يشكل هذا الأمر قلقًا إيرانيًا لارتباطه بالكثير من المسائل المتعلقة بحلحلة الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها إيران جراء العقوبات الغربية وأيضًا عدم الإفراج عن أرصدتها المحتجزة غربيًا والتي ترتبط بالوصول إلى اتفاقات جديدة حول النووي الإيراني وليس قبل ذلك.
_ كما تريد إيران أن تعيد طرح محاولاتها السابقة لإعادة وصل ما انقطع بين الدولة التركية والنظام السوري، كي يكون مدخلًا إيرانيًا مصلحيًا نحو إعادة إنتاج النظام السوري من جديد في المنطقة والإجهاز على ثورة الشعب السوري، وهو مالا توافق عليه تركيا ولا يتوقع أن يلقى أي صدى لدى الحكومة التركية.
- وتريد إيران وروسيا معها الوصول إلى تفاهم ثلاثي وتحديد موقف حيال الضربات الإسرائيلية المتتابعة على مواقع إيرانية في الجغرافيا السورية والتي كانت روسيا قد أدانتها في غير مناسبة.
- يضاف إلى ذلك، فإن في ملفات بوتين الكثير من الشكاوى التي ترد إلى روسيا من قبل إسرائيل وأيضًا من الأردن وبعض الأطراف الأخرى، حول استمرار التمدد والتوسع الإيراني في سوريا وخاصة بالقرب من الحدود مع الأردن، والمخاوف الأردنية والإسرائيلية من تغيرات إقليمية ما قد ترتبط بهذا التمدد.
تجدر الإشارة إلى أن الواقع السياسي والجيوسياسي يقول (ومهما حاولت روسيا أن تصرح خلاف ذلك في غير مكان أو مناسبة)، أن الرئيس الروسي بوتين يرى الحراك الأميركي مؤخرًا عبر مؤتمر جدة وما حولها، بالإضافة إلى أنه محاولة جديدة لإعادة صياغة الشرق الأوسط برمته، وهو كما يقرؤه بوتين إنتاج استراتيجية أميركية متجددة تبغي حرق كل أوراق روسيا وإجهاض مؤثرات وحجم وقوة ورقة الطاقة الروسية من غاز ونفط، والتي ترى موسكو أنها تمنحها هامش مناورة أوسع، فيما لو لم تتمكن أميركا من قيام تفاهمات شرق أوسطية جديدة تقطع الطريق على السياسات الروسية التي تفاقمت وتمددت بعد الحرب على أوكرانيا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا