عند تدهور الاقتصاد يصبح اللاجئون كبش فداء. وتجعل السياسة الحكومية التركية المرتجلة وغير المحسوبة وغير الواضحة تجاه اللاجئين من السوريين هدفاً سهلاً للمعارضة التركية.
* *
إسطنبول، تركيا- في 29 نيسان (أبريل) من العام 2011، فرت مجموعة من 252 شخصاً، معظمهم من الأطفال وذويهم، من الأعمال الوحشية التي تقوم بها حكومتهم وعبرت الحدود من سورية إلى تركيا، حيث قوبلوا بالترحيب. كانت هذه المجموعة هي الأولى، والتي تبعها ملايين آخرون. ولم يكن أحد يعرف أن أعداد اللاجئين ستصل إلى 3.7 مليون في السنوات الإحدى عشرة التي تلت دخول هذه المجموعة الأولى، وأنهم لن يعودوا موضع ترحيب من قبل المجتمع المضيف.
من الممكن لمتابعي السياسة التركية أن يتنبأوا بأن المعارضة ستستغل، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور، الغضب الشعبي المتزايد تجاه اللاجئين السوريين باعتباره قضية ساخنة من المتوقع أن تشكل المشهد السياسي في الأشهر التي تسبق الانتخابات العامة في العام 2023.
ويزعم سياسيون، مثل تانجو أوزجان، رئيس بلدية مدينة بولو الشمالية الغربية وعضو حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي CHP، أن هناك علاقة بين اللاجئين السوريين والأزمة الاقتصادية المحلية.
وخاطب أوزجان السوريين من خلال اللوحات الإعلانية في مدينته باللغتين العربية والتركية في 19 أيار (مايو)، ليقول لهم: “إنكم تشاهدون الأزمة الاقتصادية في بلدنا؛ شبابنا من دون عمل، وتعيش العوائل تحت حد الجوع. بهذه الشروط لم يبق لدينا خبز ولا ماء حتى نتقاسمه معكم”.
وبعد ذلك بيوم، أمر المدعي العام بإزالة هذه اللوحات الإعلانية. ويبلغ عدد سكان مدينة أوزجان نحو 320 ألف نسمة، ويعيش فيها حوالي 5.000 لاجئ سوري مسجل. ولا يشكل هذا عدداً كبيراً مقارنة بمحافظات مثل هاتاي وغازي عنتاب، التي تقع في الجنوب على الحدود مع سورية، حيث يتجاوز عدد اللاجئين 25 % من عدد السكان المحليين. ونتيجة لذلك، تشعر البلديات هناك بالضغط، ويترتب عليها التعامل مع التوترات الحتمية بين السكان المحليين.
سياسة لاجئين ليبرالية
وغير مخطط لها
في البداية وُضع السوريون في مخيمات للاجئين. ولكن في العام 2014، حين اجتاح تنظيم “داعش” مساحات كبيرة من الأراضي السورية، تسارع تدفق السوريين في اتجاه تركيا وتزايدت أعداد اللاجئين، وسرعان ما أصبحت المخيمات ستة وعشرين في تركيا. ولذلك، سُمح للسوريين بالاستقرار في أي مكان لمدة 3 سنوات، من دون أي تنظيم أو إشراف رسمي.
وكتب مراد إردوغان، مدير مركز أبحاث الهجرة بجامعة أنقرة: “حتى العام 2017، كان بإمكان السوريين الاستقرار في أي مكان يريدون. وقد نفذت تركيا برنامج توطين للاجئين هو الأكثر ليبرالية في العالم”.
ويشير مراد إردوغان إلى أن الكثير من الدول الأخرى، مثل ألمانيا، اهتمت بموضوع تخطيط وتوزيع أعداد اللاجئين لمنع تشكل ما يسميه “غيتوهات”، بينما في تركيا، أدى توطين اللاجئين غير المخطط له إلى تكون تركيزات عالية من السوريين في مناطق معينة، مما منعهم فعلياً من الاندماج مع المجتمع المضيف.
ووفقاً لمراد إردوغان، لم تتمكن الحكومة من تقييم مخاطر الحركة الجماعية غير المنظمة واستهانت بها منذ البداية. ويقول: “حتى حين تكون الهجرة منظمة ومخططاً لها، فإنها ستخلق مشاكل للبلد المضيف من دون أدنى شك”.
من خلال سياسة الباب المفتوح في تركيا، بدأ لاجئون من بلدان أخرى بالوصول أيضاً إلى تركيا على أمل العبور منها إلى أوروبا. وبقي أولئك الذين فشلوا في دخول الاتحاد الأوروبي في تركيا. وإضافة إلى السوريين، وصل إلى تركيا منذ ذلك الحين مهاجرون من العراق وإيران وأفغانستان. ووفقاً لبيان صادر عن مكتب رئاسة إدارة الهجرة في أيار (مايو) 2022، يعيش حوالي 320.450 شخص تحت الحماية الدولية في تركيا حالياً.
إضافة إلى ذلك، هناك تدفق مستمر للاجئين غير النظاميين وغير المسجلين إلى تركيا. وأعلن مكتب والي إسطنبول، في بيان صحفي صدر في 17 أيار (مايو)، أن 17.116 لاجئا غير نظامي قد اعتُقلوا خلال أسبوع واحد فقط.
وجود اللاجئين غير مؤقت
في العام 2017، أكملت تركيا عملية تسجيل اللاجئين السوريين ومنعتهم من الاستقرار في 16 مدينة وأكثر من 800 حي. كما نُقلوا من الأماكن التي تجاوز فيها عدد اللاجئين 25 % من إجمالي عدد السكان المحليين. وقد جُربت هذه السياسة في منطقة ألتين داغ في أنقرة، حيث تعرضت ممتلكات ومنازل وأماكن عمل اللاجئين للهجوم في العام 2016 بعد مشكلة بين اللاجئين والسكان المحليين، (وفي العام 2021 كذلك).
تشير مؤسِّسة جمعية أبحاث الهجرة ورئيستها، ديدام دانيش، من جامعة غلطة سراي، إلى أن تركيا وقعت في البداية في الفخ ذاته الذي وقعت فيه ألمانيا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث اعتقدت تركيا بأن وجود اللاجئين سيكون مؤقتاً، تماماً كما توصلت ألمانيا إلى استنتاجات خاطئة حول “العمال الضيوف”، (الأتراك وغيرهم).
في العام 2011، أشارت الحكومة التركية إلى السوريين بوصفهم ضيوفا؛ ومن ثم حُدد وضعهم رسمياً بوصفهم الأشخاص “الخاضعين لحالة الحماية المؤقتة” (TPS) في العام 2014.
وتقول ديدام لموقع قنطرة: “إن وجودهم هو حقيقة اجتماعية، وحتى لو انتهت الحرب في سورية فسوف يبقى نصفهم على الأقل هنا (في تركيا). هناك حوالي 45 % من السوريين الذي يخضعون للحماية المؤقتة تحت سن 18 عاماً. ويجب على تركيا التركيز عليهم، لأن مشاكل الاندماج ستكون أكثر شدة مع الجيل الثاني”.
أكثر من 80 % من الأتراك يريدون عودة السوريين إلى بلادهم
كشف استطلاع حديث للرأي، أجرته شركة “متروبول” للأبحاث، عن مدى هذه المخاوف. فوفقاً للاستطلاع، يريد 81.7 % من الأتراك عودة السوريين إلى بلادهم. ويقول 84 % على الأقل من ناخبي حزب العدالة والتنمية الحاكم إن على السوريين العودة إلى بلادهم. وهذه النسبة أعلى بين مؤيدي المعارضة: 89 % من ناخبي حزب الشعب الجمهوري؛ و97 % من ناخبي الحزب الجيد المعارض (القومي)؛ و87 % من مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد يريدون التخلص من اللاجئين.
تقول دانيش: “حين يتدهور الاقتصاد يبدأ المجتمع في البحث عن كبش فداء. وهنا، تُستهدف الفئة الأكثر ضعفاً، أي اللاجئون”. وأضافت أن مخاوف المجتمع التركي المتعلقة باللاجئين تُرجمت إلى كراهية ضدهم. وتقول إن بعض الأحزاب السياسية تستفيد من هذه الكراهية، ويجري تداول سرديات تمييزية وعنصرية بشكل واسع، ولا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي.
أحد الفيديوهات المناهضة للاجئين هو عبارة عن فيلم قصير مدته 9 دقائق بعنوان “الغزو الصامت”، أصدره حزب النصر القومي المتطرف في أيار (مايو) 2022. ويحاكي الفيلم الحملة المناهضة للهجرة التي قام بها “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف في العام 2019. ويتوقع فيديو حزب النصر مشهد تركيا في العام 2043، التي تجتاحها العصابات السورية، وحيث يوجد في السلطة في إسطنبول حزب بقيادة سورية، كما تصبح اللغة العربية هي اللغة الرسمية في البلد.
وقد يحظى حزب النصر بتأييد 0.5 % من أصوات الناخبين فقط، لكن سياسات رئيسه، أوميت أوزداغ، المعادية بشدة للاجئين جلبت له أكثر من 1.3 مليون متابع على “تويتر”.
كما أن هناك مجموعة تطلق على نفسها اسم “مجموعة أتامان” Ataman Group، وتقوم بنشر مقاطع فيديو لأعضائها وهم يضربون المهاجرين. وفي واحد من هذه المقاطع، تقول المجموعة: “إما أن تغادروا يا فئران الصحراء بلادنا، أو أننا سنجعلها قبراً لكم”.
بيد أن هذه الجماعات اليمينية المتطرفة ليست الوحيدة التي تتحدث عن إعادة السوريين إلى بلادهم. ويزعم زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، أنه في حال فوز حزبه بالانتخابات في العام 2023، فإنهم سيتوصلون إلى اتفاقية مع الرئيس السوري بشار الأسد ويضمنون عودة آمنة للسوريين إلى بلدهم. وأضاف أنه من المحتمل أن إردوغان يخطط لمنح الجنسية التركية للسوريين من أجل رفع عدد أصواته المتقلصة.
وصف الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، تصريح المعارضة بأنه كراهية للأجانب، وقال إن حزبه سيقف دائماً إلى جانب المظلومين. وذلك على الرغم من أن حكومته أعلنت مؤخراً هي أيضاً أن استراتيجيتها الأساسية تتمثل في العودة الآمنة والطوعية والمشرفة للاجئين.
يظل مراد إردوغان وديدام دانيش مقتنعين بأن سياسات الاندماج هي الطريقة الوحيدة لتخفيف البعض من مخاوف المجتمع التركي المفهومة.
وقالت دانيش لموقع قنطرة: “الحكومة في حاجة إلى وضع سياسة واضحة وشفافة، وإبلاغ الجمهور بكل خطوة تتخذها، على النقيض من استراتيجيتها حتى الآن. كما يجب على المعارضة الامتناع عن تسخير هذه القضية لخدمة مصالحها السياسية”.
وتضيف: “إن ما نحتاج إلى وضعه في الاعتبار، كمواطنين، هو أن اللاجئين بشر. ينبغي أن نراقب ما نقوله على وسائل التواصل الاجتماعي لأن ذلك قد يؤدي إلى تعرض طفل لاجئ للتنمر في المدرسة”.
*ترجمته إلى العربية، يسرى مرعي
المصدر: (قنطرة) /الغد الأردنية