تتصدر العملية العسكرية التي هدد بشنها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان في شمالي سوريا حديث الساسة والمعلقين في البلاد، وفي الوقت الذي لم يتضح المشهد أكثر، من زاوية “توقيت إطلاقها” أو إن كانت ستبدأ بالفعل أم لا، سادت خلال الأيام الماضية، سلسلة من المواقف الروسية “اللافتة”، كنوع من رد الفعل.
ومنذ أسبوعين لاقى تهديد إردوغان معارضة من جانب الولايات المتحدة الأميركية، حيث اعتبرت على لسان وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن العملية العسكرية بأنها “ستهدد الاستقرار الإقليمي”. ويوم الأربعاء، شدد بلينكن خلال مؤتمر صحفي مع الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ على أن واشنطن تدعم الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار الحالية في شمال سوريا.
أما روسيا وعلى الرغم من المعارضة الضمنية التي أبدتها، إلا أنها تركت الباب مفتوحا، أمام سيناريوهات عدة.
ومن المقرر أن يزور وفد روسي “سياسي – عسكري” العاصمة التركية أنقرة، في الثامن من شهر يونيو الحالي، وبحسب تصريحات لنائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف فإن “اللقاء سيناقش مواضيع عسكرية”.
وأضاف بوغدانوف الخميس لوكالة “تاس”: “نحن على وشك إجراء اتصالات ومفاوضات ذات أهمية كبيرة. سوف يشارك لافروف في الاجتماعات القادمة. سيكون هناك عنصر عسكري. زملاؤنا من وزارة الدفاع ونظراؤهم الأتراك سيكونون حاضرين هناك”.
وزاد في تعليقه على التهديدات التركية بشن عملية عسكرية: “ليست هناك حاجة للتكهن بعد. ستكون هناك اتصالات مع الزملاء الأتراك. لذلك، يجب أن ننتظر. هناك الكثير من التكهنات الآن، لكنني أعتقد أنه لا جدوى من التكهن”.
“بعد اتصال وحراك”
ولم تكن تصريحات المسؤول الروسي الكبير دون مقدمات، بل جاءت عقب اتصال هاتفي بين إردوغان ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الاثنين.
ووفق وكالة “الأناضول” فقد أخبر إردوغان بوتين أنه “لم يتم إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا في شمال سوريا، على الرغم من الاتفاق عليها بين تركيا وروسيا في أكتوبر 2019”.
كما أخبره أيضا، أن “وحدات وحدات حماية الشعب كانت تهاجم المدنيين، وأنه من الضروري جعل المناطق الحدودية مكانا آمنا”.
وعقب تلك الكلمات صرّح إردوغان أن العملية العسكرية لبلاده ستستهدف بشكل رئيسي منطقتي “تل رفعت ومنبج في ريف حلب الشمالي والشرقي”، في حديث ضيّق الرقعة المهددة بالاستهداف أكثر وأكثر.
وهاتان المنطقتان تخضعان لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بينما تنتشر فيهما الشرطة العسكرية الروسية، وقوات تتبع للنظام السوري.
وتعتبر منبج المدينة الوحيدة الواقعة غرب الفرات التي تسيطر عليها “قسد”، وهي محاطة بقوات عسكرية للأطراف الأخرى.
أما تل رفعت فهي تعتبر نقطة الاتصال الوحيدة لـ”قسد” مع منطقة عفرين، التي خسرت السيطرة عليها في مارس عام 2018.
وتقول أنقرة منذ أشهر إنها تتعرض لهجمات متكررة من المنطقتين، وهو الأمر الذي سبق وأن نفته “وحدات حماية الشعب” التي تعتبر العماد العسكري لـ”قوات سوريا الديمقراطية”.
من جهتها تؤكد روسيا أنها ما تزال تلتزم بالاتفاقيات الموقعة مع تركيا بخصوص مناطق في شمال سوريا، وخاصة اتفاق سوتشي عام 2019.
وأعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الجمعة، عن أمل موسكو في أن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير للأوضاع في سوريا.
وقالت زاخاروفا إنها “تتفهم مخاوف تركيا من تهديدات أمنها القومي من المناطق الحدودية”، مضيفة: “نرى أنه لا يمكن ضمان الأمن على الحدود السورية التركية إلا بنشر قوات الأمن السورية”.
“مناورات وتحضيرات”
على الأرض لا يختلف الواقع كثيرا عما يتناوله السياسيون والعسكريون بتصريحاتهم.
الخميس وبينما كانت حدة الخطاب التركي تتصاعد لشن العملية العسكرية أجرى تحالف “الجيش الوطني السوري” الذي تدعمه أنقرة في شمالي سوريا مناورات بالذخيرة الحيّة، استعدادا لـ”المعركة المقبلة”.
ونشرت “هيئة ثائرون” عبر حساباتها الرسمية، صورا لمئات من مقاتليها، أثناء التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية، وقالت إنها “محاكاة لأرض الواقع والمعركة والاستعدادات العسكرية”.
على الطرف المقابل ساد ترقبٌ واستعداد، بحسب ما يشير إليه شرفان درويش قائد “مجلس منبج العسكري” التابع لـ”قسد”.
ويقول درويش لموقع “الحرة”: “نحن نراقب الأوضاع و التحركات، وبالتأكيد نأخذ التهديدات بجدية، ونقوم بتحضيراتنا على أساس ذلك”.
ويضيف القيادي: “هناك مركز تنسيق العمليات الروسي في منبج، وهم متواجدون في منبج”. وتابع: “هم مطالبون بالقيام بدورهم كضامنين، ونحن على أمل أن لا تنجر المنطقة إلى حروب جديدة تضر بالجميع و المدنيين خاصة”.
وفي 22 من أكتوبر 2019، وبعد مباحثات طويلة بين الرئيسين الروسي والتركي، توقفت عملية “نبع السلام” التركية، واتفق الجانبان على سحب كل “وحدات حماية الشعب” من الشريط الحدودي لسوريا بشكل كامل، بعمق 30 كيلومترا، وخلال 150 ساعة، إضافة إلى سحب أسلحتها من منبج وتل رفعت.
وفسح الاتفاق المجال أمام قوات النظام السوري للدخول إلى مناطق شرق الفرات للمرة الأولى منذ عام 2012، ضمن تفاهمات مع “قسد”، وبالتزامن مع بدء الجيش الأمريكي لإخلاء بعض المواقع في سوريا، حينذاك.
إضافة إلى تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غرب وشرق منطقة عملية “نبع السلام” بعمق عشرة كيلومترات، باستثناء مدينة القامشلي.
وما تزال هذه الدوريات مستمرة حتى الآن، فيما اتجهت موسكو لتكثيفها خلال الأيام الماضية على طول الحدود الشمالية لسوريا، إلى جانب استقدام تعزيزات بينها منظومة دفاع جوي نوع “بانتسير” إلى قاعدة القامشلي، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام روسية.
هل تدق ساعة الصفر؟
في غضون ذلك يقول الأكاديمي والباحث السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو إنه “من المتوقع أن يكون هناك رفض روسي – غربي للتحرك العسكري في شمال سوريا”.
لكنه يضيف مستدركا في حديث لموقع “الحرة”: “مع ذلك أنقرة لا تلتفت لهذه الاعتراضات لأن ذلك الرفض سببه هو أهداف تلك الدول، وكذلك من حق تركيا أن تدافع عن حقوقها وأمنها سيما أنها المتضرر الأكبر من تلك البؤر الإرهابية”.
واعتبر حافظ أوغلو أن “التسخين التركي في العمليات العسكرية مختلف هذه المرة عن سابقاتها، لأن السياق الذي تأتي فيه مختلف. النظرة التركية للموضوع هو ملف مقابل ملف”.
وزاد: “ملف قبول دخول فنلندا والسويد لحلف الناتو مقابل عمليات عسكرية تركية تطهر به نقاطا تؤرق الأمن التركي، بالإضافة إلى ملفات وشروط أخرى تريدها أنقرة من واشنطن أولا ومن العواصم الغربية ثانيا”.
لكن في المقابل لا يرى المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر الأمر كما سبق، مستبعدا أن تشن تركيا عملية عسكرية في شمالي سوريا، خلال الأيام المقبلة.
ويقول الشاعر لموقع “الحرة”: “لم يحدث أي شيء جديد في الأيام الأخيرة، وبالرغم من تصريحات إردوغان الذي اعتبرها البعض تهديد بشن عمليات عسكرية إلا أن الواقع على الأرض لا يشير إلى ذلك”.
ويضيف المحلل السياسي: “ما يحصل تضخيم للأمور في الشمال الشرقي والغربي، ويمكن أن نقيم الوضع على أنه مسيطر عليه سيطرة كاملة بإشراف تركي روسي أمريكي”.
“لن تنشب أي عمليات عسكرية ضخمة في هذه الظروف الحالية”.
ويرى الشاعر أن زيارة لافروف المرتقبة إلى أنقرة “تأتي ضمن ما تم الاتفاق عليه بين إردوغان وبوتين قبل أيام للاستمرار في التباحث في تفاصيل الوضع الأوكراني بالإضافة إلى مسار الحل السياسي السوري والتنسيق على مستوى أستانة للحفاظ على نظام التهدئة ووقف الاقتتال بين السوريين”.
وكذلك بحث الطرفان “العلاقات الثنائية الروسية التركية”.
ويتابع المحلل السياسي: “الأوضاع الدولية تحتاج إلى تكثيف الاتصالات لمعالجتها وهذا ما يحدث الآن بين روسيا وتركيا”، مؤكدا على فكرته بالقول: “لن يحدث أي شيء جديد. لا يمكن أن يكون هناك أي تغيير على الأرض. الأمر غير مطروح”.
من جهته أشار الباحث التركي، حافظ أوغلو إلى “منهجية جديدة تسير بها تركيا بخصوص العمليات العسكرية، حيث تتضمن العمل بمراحل”.
ومع ذلك يضيف الباحث: “تركيا منفتحة للاستماع لما ستقرره الدول الغربية، وكذلك روسيا. لكنها ومن الضرورة أن تبدأ بتسخين الأجواء سياسيا بلباس عسكري إلى أن تقرر ساعة الصفر. هذه الساعة أراها قريبة جدا”.
المصدر: الحرة. نت