لا يزال العفو الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد نهاية الشهر الماضي، ولم يشمل سوى مئات المعتقلين في سجونه، يتفاعل في الشارع السوري، ما يؤكد أن مقاربة النظام ملف المعتقلين جاءت لغايات إعلامية وسياسية لا أكثر، إذ لا يزال عشرات الآلاف من السوريين معتقلين في سجونه، أو مخفيّين قسرياً.
تحرك في الشارع السوري للإفراج عن المعتقلين
وتظاهر العشرات في بلدة كناكر جنوب غرب العاصمة دمشق، يوم الجمعة الماضي، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، في خطوة هي الأولى من نوعها في البلدة منذ سيطرة النظام عليها قبل عدة سنوات، وهو ما قد يمهد الطريق أمام تظاهرات مماثلة في مناطق سيطرة هذا النظام الذي لم يفرج سوى عن مئات المعتقلين حتى أمس الأحد.
ولم يسبق أن خرجت تظاهرات في مناطق سيطرة النظام مطالبة بإطلاق المعتقلين، الذين قُتل منهم الآلاف تحت التعذيب في سجون هذا النظام على مدى سنوات، ومن بينهم نساء وأطفال.
وكان النظام قد فضّ، بداية الشهر الحالي، تجمعاً كبيراً لأهالي المعتقلين الذين جاءوا من مختلف المحافظات إلى قلب دمشق، لخشيته من تحوّل هذا التجمع إلى حركة عصيان أو تمرد عليه.
وبدأ النظام مطلع مايو/أيار الحالي الإفراج عن معتقلين على دفعات، بعد صدور “عفو” من الأسد في 30 إبريل/نيسان الماضي، عما أسماها “الجرائم الإرهابية”، في محاولة لوسم المعتقلين بصفة الإرهاب.
وصُدم الشارع السوري من مشاهد المعتقلين المفرج عنهم، إذ فقد البعض منهم ذاكرته أو عقله، أو خرج بوضع صحي مريع، وهو ما يعكس الأوضاع المرعبة داخل معتقلات النظام المتعددة.
وكان من المؤمل أن يشمل عفو الأسد عدة آلاف من المعتقلين، إلا أن عدد المفرج عنهم لم يتجاوز 500، ما يشير إلى أن الغاية من العفو صرف الاهتمام عن مجزرة حي التضامن جنوبي دمشق.
وكان تحقيق نشر في مجلة نيو لاينز الأميركية، وهو من إعداد الباحثين أنصار شحّود وأوغور أوميت أونغور، وجرى الاعتماد عليه في تقرير نشرته صحيفة ذا غارديان، قد كشف تفاصيل هذه المجزرة بحق عشرات المدنيين (فلسطينيين وسوريين)، وقد ارتكبتها الأجهزة الأمنية في حي التضامن جنوبي دمشق عام 2013، بطريقة وحشية، إذ قتلت هؤلاء المدنيين ثم أحرق الفاعلون جثث القتلى.
وشكّلت هذه المجزرة صدمة كبيرة للسوريين، فوجد النظام نفسه مضطراً للتعامل مع الملف الأكثر إيلاماً من بين ملفات القضية السورية، وهو ملف المعتقلين، للتخفيف من الضجة الإعلامية التي أثارتها الفيديوهات التي وثقت هذه المجزرة وتناولتها معظم وسائل الإعلام في العالم.
لا جدية لدى النظام السوري في ملف المعتقلين
ويعد هذا “العفو” هو التاسع عشر منذ انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011، غير أنه، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لا يزال لدى النظام قرابة 132 ألف معتقل، بينهم 87 ألف مخفيّ قسرياً، وهو ما يثبت عدم جدية النظام في التعاطي مع هذا الملف الإنساني الذي حوّله إلى ورقة تفاوضية.
وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير صدر قبل أيام، أن النظام “لم يتوقف عن عمليات الاعتقال التعسفي”، مضيفةً “هذه المراسيم (العفو) هي عبارة عن تكريس للحكم المطلق الذي يستطيع تجاوز الدستور والقانون الدستوري وروح القوانين وفعل ما يحلو له”.
وبيّنت الشبكة أن “النظام أطلق، في غضون الأيام العشرة الأولى من صدور مرسوم العفو، سراح قرابة 476 شخصاً من مُختلف السجون المدنية والعسكرية والأفرع الأمنية في المحافظات السورية، بينهم 55 امرأة، و13 شخصاً كانوا أطفالاً حين اعتقالهم”.
وفي السياق، أوضح مدير الشبكة فضل عبد الغني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “حصيلة المفرج عنهم حتى (أمس) الأحد لم تصل إلى 500 معتقل، وهي تشكل أقل من 1 في المائة من عدد المعتقلين والمخفيّين قسرياً لدى النظام”.
وأشار عبد الغني إلى أن أجهزة النظام الأمنية “تفرج عن دفعات بأعداد بسيطة”، لافتاً إلى أن مشهد الآلاف من أهالي المعتقلين، الذين تجمعوا في دمشق مع بدء تنفيذ مرسوم العفو، “شكّل إدانة كبيرة للنظام الذي كان ينكر وجود هذا العدد الكبير من المعتقلين لديه”.
تبديل في أسلوب إطلاق سراح المعتقلين السوريين
وأوضح عبد الغني أن النظام “بدّل من أسلوبه في عملية إطلاق المعتقلين”، مشيراً إلى أن “الأجهزة الأمنية في الأيام الأولى كانت تلقي بالمعتقلين المفرج عنهم في الساحات والشوارع، أما اليوم، فيتم إرسالهم إلى محافظاتهم لصرف الانتباه عن الوضع المزري الذي يخرج به المفرج عنهم من المعتقلات”.
ولطالما تجنّب النظام مقاربة ملف المعتقلين في سجونه في كل المفاوضات التي تجري بينه وبين المعارضة؛ سواء ضمن مسار أستانة أو مسار جنيف، كونه الملف الأهم الذي يمكن أن يدينه في المحافل الدولية.
ولم يشمل العفو الذي أصدره الأسد جنسيات أخرى غير السوريين، ولا من هم في حكم السوريين، في إشارة إلى تعريف اللاجئين الفلسطينيين في القانون السوري. وأكد موقع “بوابة اللاجئين الفلسطينيين”، قبل أيام، وجود 2389 فلسطينياً في سجون النظام، اعتقلوا بعد اندلاع الثورة في سورية عام 2011.
وفي السياق، أوضحت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية” أن معظم الفلسطينيين، الذين أفرج عنهم بعد مرسوم العفو، اعتقلوا عامي 2021 و2020، وأنه جرى دفع مبالغ مالية من أجل الإفراج عنهم.
من جهته، توقع المحامي عبد الناصر حوشان، وهو عضو مجلس فرع حماة للمحامين الأحرار، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تنتهي عمليات إطلاق سراح المعتقلين نهاية الشهر الحالي، معرباً عن اعتقاده بأن النظام حقق أهدافه من وراء القانون رقم 7 (العفو) الذي أصدره بشار الأسد.
وعن هذه الأهداف، قال حوشان إن النظام من خلال العفو “غطى على الضجة التي أثارها الكشف عن مجزرة التضامن”، مشيراً إلى أن المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن “اعتبر هذا العفو خطوة متقدمة”. وأضاف حوشان “أراد النظام إيهام المجتمع الدولي بأنه يجري مصالحات وطنية وأن هناك بيئة آمنة لعودة اللاجئين السوريين”.
المصدر: العربي الجديد