الأخبار من القاهرة تقول إن مفاوضات الاتفاق حول الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات العامة تسير بشكل جيد وإن إنجازا تحقق بنسبة مقبولة، ويعكس هذا التطور الضغوط التي تمارسها الأطراف الدولية على وفدي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، دون التقليل من آثار التدافع بين الحكومتين، حكومة الوحدة الوطنية التي اختارها ملتقى الحوار، والحكومة الليبية التي عينها مجلس النواب، خاصة بعد إخفاق رئيس الثانية، فتحي باشاغا، في الدخول للعاصمة ومباشرة مهامه منها، واستمرار المجتمع الدولي في تجاهل قرار مجلس النواب بخصوص تغيير الحكومة والإصرار على التركيز على التوافق حول الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات باعتبارها أفضل الخيارات لاحتواء الأزمة وتطويق الصراع القائم.
ما يدركه جُل أعضاء الجسمين المعنيين بحل الأزمة الليبية أن إجماعا يكاد ينعقد حول سخط الرأي العام تجاههما والرغبة في التخلص منهما والبحث عن بدائل عبر صندوق الاقتراع، وأن الواقع المتردي اليوم إنما استفحل بسبب طمع أعضاء النواب والأعلى للدولة وحرصهما على المحافظة على الامتيارات التي يتمتعون بها، ونزاعهما الذي بدا وأنه لا نهاية له.
لقد قاد النزاع بين حكومة ادبيبة وحكومة باشاغا إلى زيادة الاحتقان والانسداد والذي كانت نتيجته قفل مواني وحقول النفط ثم وقف تدفق إيرادات الخام الليبي إلى المصرف المركزي وما يترتب عنه من مراكمة الضغوط على كاهل المواطن المطحون.
ولأن المجتمع الدولي لم ينحز إلى أي من الطرفين في النزاع الحكومي، وأن بوصلة الأطراف الدولية الفاعلة تتجه إلى الانتخابات، فإن كل ذلك أسهم في تحقيق مستوى مرضي من التوافق في اجتماعات القاهرة كما صرح بذلك بعض الأعضاء المشاركين بها.
إلا أن مراقبة وتفسير سلوك أطراف النزاع منذ الانقسام السياسي العام 2014م تؤكد أن مسار التوافق لن يكون ورديا حتى منتهاه، ذلك أن منطق الغلبة لم يتبدل لصالح المشاركة وفق أسس عادلة وخيارات متوازنة، وما هو ظاهر من مفاوضات القاهرة أن الوفدين لما يتطرقا بعد إلى النقاط الجدلية والخلافية والتي في منها شروط الترشح لانتخابات الرئاسة، وشكل الدوائر الانتخابية، أي المفاضلة بين الدائرة الواحدة لكل البلاد أو الدوائر الثلاث، دائرة لكل إقليم من الأقاليم التاريخية الثلاثة، ومسألة الأشراف على الانتخابات بما يضمن النزاهة والشفافية.
عوامل عدة أسهمت في تعاظم الخلاف وبُعد الشقة بين أطراف النزاع، وكان للحرب على العاصمة في العام 2019م أثرها الكبير في تكريس الاصطفاف، ودفع إصرار رئاسة مجلس النواب وثلة من أعضائه على فرض معادلة مختلة للتوافق وذلك من خلال رفض الاعتراف بالمجلس الأعلى للدولة كشريك في العملية السياسية كما رسم ملامحها وحدد أطرها وضوابطها الاتفاق السياسي إلى تعثر المسار السياسي.
ويبدو لي أن حالة الاستعلاء هذه ما تزال قائمة وستكشف عن نفسها في محطة لاحقة من محطات التفاوض، مع التنبيه إلى أن إصرار مجلس النواب على هذه الوضعية يلقي بظلاله على المجلس الأعلى للدولة فيقع في مصيدة المقاربة المختلة، ولأن المجتمع الدولي يستسهل هذه الوضعية ويتجاهل تأثيرها السلبي على الوفاق، يقع المحظور وتأتي النتائج غير عادلة ولا متوازنة فيقابلها المجموع الفاعل في الجبهة الغربية بالرفض. وما وقع بُعيد قرار مجلس النواب اعتماد التعديل الدستوري الثاني عشر وتكليف حكومة باشاغا مثالا صارخا على خلل معادلة التوازن بين المجلسين وموقف الجموع السياسية والمجتمعية والاجتماعية والعسكرية في الجبهة الغربية من هذا الاختلال ونتائجه.
الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها ألقت بحجر في الماء الليبي الراكد بلا شك، ويمكن أن يكون من نتائجها إعادة بعض التوازن لمعادلة التوافق، بمعنى أن توضع بعض القيود على طموح وجموح طبرق والرجمة، فيكون الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات عادلا وحياديا نسبيا، وما لم يقع مثل هذا التغيير في معادلة التدافع فإن الفرح ببشائر القاهرة ربما لن يطول وسيلحقه إحباط سيدفع البلد دفعة قوية في منحدر التأزيم.
المصدر: عربي 21