فيما يشتد السباق الانتخابي نحو تاريخ الخامس عشر من أيار (مايو)، موعد إجراء الانتخابات النيابية لاختيار برلمان جديد في لبنان، وسط حال من الضياع والتردد في أوساط الناخبين في ظل تعدد لوائح المرشحين وغياب البرامج الواضحة، تشكل مرحلة ما بعد الانتخابات الهاجس الأكبر الذي يقضّ مضجع الشريحة الأوسع من اللبنانيين.
لن تشكل نتائج الانتخابات مفاجأة كبرى، ربما، للمراقبين، حيث التوقعات ألا تتمكن القوى المعارضة والتغييرية المنبثقة من المجتمع المدني أو انتفاضة 2019 من تحقيق خرق كبير في ظل النفوذ الواسع للتحالف الحاكم بقيادة “حزب الله”، ليس لأن الناخبين ليسوا راغبين في التغيير، بل لأن تعدد لوائح المعارضة سيؤدي إلى تشتت الأصوات وإضعاف فرص الوصول إلى الفوز، لا سيما أن غالبية الوجوه الجديدة من المرشحين لم يتسنّ لها الوقت الكافي لتقدم نفسها أمام الناخبين، كما أنها تفتقر إلى البرامج الموحدة والواضحة، ما يجعل الرغبة في التصويت لها ليست على أساس برامجها أو رؤيتها، بل تصويتاً عقابياً للوائح السلطة.
هي إذاً أيام قليلة وتتضح بعدها صورة ما ستفرزه صناديق الاقتراع على مستوى اختيار نواب الأمة للسنوات الأربع المقبلة، وسط توقعات بأن تعود التوازنات عينها إلى البرلمان، مطعّمة بكتل صغيرة الحجم منبثقة من قوى المعارضة والتغيير.
الثابت في هذه الصورة عودة الكتلة الشيعية لثنائي “حزب الله” وحركة “أمل” بحجمها ومن دون أي خروق، تراجع الكتلة السنية التي تزعمها تيار “المستقبل” في برلمان 2018، نتيجة قرار المقاطعة الذي اتخذه رئيس التيار سعد الحريري ترشحاً وانتخاباً، ما سيعطي فرصة لتوسيع حجم الكتلة السنية المتحالفة مع الحزب على حساب تقلص عدد النواب السنّة المعارضين للحزب.
أما على الضفة المسيحية، فتبين التوقعات تغييراً في توازن القوى بين “التيار الوطني الحر”، المتحالف مع الحزب وحزب “القوات اللبنانية”، الذي يجهد لحصد أعلى كتلة مسيحية تؤهله لسحب شعار “المسيحي الأقوى” الذي رفعه العهد في وجه الشارع المسيحي.
وأياً يكن الحجم الذي ستحصده المعارضة التقليدية منها كحزب الكتائب، الخارج أخيراً من السلطة، والمستجدة منها والممثلة بالمجتمع المدني، فإن هذه القوى ستحتاج إلى التموضع ضمن كتلة نيابية واحدة، أو أن تتحالف في ما بينها من أجل تشكيل قوة ضاغطة ووازنة داخل المجلس.
ما بعد الخامس عشر من أيار لن يكون كما قبله، لأن المرحلة المقبلة ستكون حافلة بالتحديات والاستحقاقات السياسية منها والاقتصادية والمالية والاجتماعية. فتشكل المجلس النيابي الجديد سيواجه في أول هيئة عامة له تحدي انتخاب رئيس جديد له في ظل حصرية الترشيح بالرئيس الحالي نبيه بري وغياب أي ترشيحات أخرى، ومعارضة الكتل المسيحية والمعارضة لهذا الترشح، وفق ما أعلنه مرشحوها، ما لم يغيّروا رأيهم بعد انتهاء الحملات الانتخابية.
أما الاستحقاق الثاني فيتمثل بتسمية رئيس للحكومة وتشكيل حكومة جديدة. وليس في الأفق ما يشي بأن هذه العملية ستكون سهلة أو طريقها معبدة، في ظل الانقسامات الحادة التي تعصف بالمشهد السياسي، وبالعناوين التي سترسم خريطة طريق الحقبة المقبلة، إن على صعيد بلورة المشروع السياسي أو استراتيجيات الخروج من الانهيار نحو التعافي الاقتصادي والمالي.
يتوِّج هذين الاستحقاقين، الاستحقاق الأهم المتمثل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
من هنا، سيكون لبنان مقبلاً على مرحلة صعبة ودقيقة ومؤلمة على اللبنانيين الغارقين في هموم أزماتهم المعيشية اليومية، وليس في المنظور أي مؤشرات إلى إمكان الخروج من النفق، فيما الأزمة تتعمق والانهيار يستكمل آخر فصوله.
المصدر: النهار العربي