سعت طهران من خلال استقبالها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الايحاء بأنها تتحكم في كثير من ملفات المنطقة على وقع فقدان الأمل بتوقيع إحياء الاتفاق النووي بعد أن كان وشيكاً، ما يعني أن محاولات فصل النظام عن فلك إيران عديمة الامل.
اهتمام اقتصادي
في المقابل، لا يبدو الأسد مهتماً برسائل طهران، بقدر اهتمامه بالمكاسب الاقتصادية التي يمكن تحصيلها من إيران، بعد أن أعيته الحيلة، إثر انشغال حليفته روسيا بغزوها أوكرانيا، وخصوصاً في تأمين النفط والعملات الصعبة لتمويل استيراد المواد الأساسية.
فبعد ساعات من الإعلان عن إجراء الأسد مباحثات مع المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي، بدأت وسائل إعلام النظام بالترويج لمستجدات إيجابية على مستوى الاقتصاد والصناعة المحلية نتيجة الزيارة.
أما التصريحات الإيرانية عن أهداف الزيارة فكانت بعيدة نسبياً عن العناوين الاقتصادية، حيث نقلت وكالة “مهر” الإيرانية عن الدبلوماسي السابق هادي أفقهي، قوله إن “زيارة الأسد تمثل شوكة في عيون الذين راهنوا على إيجاد شرخ في العلاقة الاستراتيجية بين البلدين”.
ومن قبيل مجاراة الأسد، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة إن “رسالة زيارة الأسد إلى طهران هي دخول سوريا إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة إعادة الإعمار، وكان من الطبيعي أن تكون طهران ضمن وجهات زيارات الطرف السوري في هذا السياق، وذلك لتجميع نتائج الاتفاقات بين البلدين”.
رسائل لروسيا
وعن الأهداف غير المعلنة للزيارة، يلفت رئيس “المنظمة الوطنية لتحرير الأحواز” عباس الكعبي إلى استياء إيران من عدم توقيع اتفاق إحياء برنامجها النووي، بسبب الخلاف على تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، والضغوط الروسية، مبيناً أن “إيران كانت تعول على توقيع الاتفاق لتحسين وضعها الاقتصادي، وخصوصاً أن البلاد تشهد أزمة معيشية، وتظاهرات بعناوين اقتصادية في الأحواز التي تعد محركاً لكل الشعوب غير الفارسية في البلاد”.
ويرجح الكعبي ل”المدن”، أن تكون طهران قد استقبلت الأسد في هذا التوقيت، بغية التعبير لموسكو عن الاستياء من عرقلة الروس لتوقيع الاتفاق، من دون أن يستبعد كذلك أن تكون طهران قد طلبت وساطة الأسد لدى موسكو في الشأن ذاته، منوهاً بخشية طهران من زيادة التنسيق بين موسكو وتل أبيب.
غزو أوكرانيا
من جانب آخر، يشير إلى تداعيات غزو أوكرانيا على الملف السوري، مؤكداً أن تأثيرات ما يجري في أوكرانيا، أثرت سلباً على مستوى التنسيق العسكري في سوريا بين موسكو وطهران، وبالتالي تحتاج الأخيرة إلى الأسد حتى يقوم بدور “الوسيط”.
ويؤكد ذلك، تصريحات نقلتها قناة “الجزيرة” عن مصدر إيراني غیر رسمي مقرب من الحرس الثوري حول أن الزيارة جاءت لترتيب الأوراق والتنسيق عقب انسحاب بعض الوحدات الروسية من الأراضي السورية للمشاركة في الحرب على أوكرانيا.
كذلك، لا بد من الإشارة من وجهة نظر الكعبي، إلى التصريحات الإيرانية عن مرحلة إعادة إعمار سوريا، ويقول: “تريد طهران الحصول على الأولوية في هذه المرحلة، حتى تقطع الطريق على محاولات أطراف إقليمية أخرى”، مضيفاً “أرادت طهران القول للأسد، بأن الاعتماد يجب أن يكون عليها فقط، وأن احتمالية عودة الدول التي غيرت موقفها مؤخراً منه تبقى واردة”.
يذكر أن زيارة الأسد لإيران التي تعد الثانية له منذ العام 2011، تأتي وسط ظروف اقتصادية بالغة التعقيد يعيشها الاقتصاد السوري، فاقمها ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً نتيجة تأثر طرق الإمداد الدولية، بسبب الحرب في أوكرانيا.
المصدر: المدن