دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر النواب المستقلين إلى المشاركة في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة إنْ تمكنوا من تشكيل تحالف مكون من 40 نائباً بعيداً من الإطار التنسيقي (الشيعي). وأعلن كذلك أن التيار الصدري سيتنازل عن منصب رئيس الوزراء وبقية الوزارات التي يُفترض أن يحصل عليها تياره لمصلحة من يختاره المستقلون. وجاءت هذه الدعوة بعد تأخر تشكيل الحكومة العراقية في ظل الانسداد السياسي الناجم عن الصراع بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري.
بعد هذه الدعوة ساد نقاش في الرأي العام العراقي: هل يستطيع المستقلون جمع 40 نائباً؟ بينما غاب سؤال أكثر أهمية: هل ستخدم حكومة المستقلين المُفترضة مصالح المستقلين أنفسهم؟
رغم الاعتقاد السائد بأن المستقلين أشبه بالكيان الواحد، فإن الواقع يختلف تماماً كونهم جاءوا من بيئات اجتماعية متعددة ويمثّلون طبقات مختلفة من الناس، ولا تغيب عنهم الصراعات الشخصية. كذلك هم يفتقدون للتنظيم الحقيقي في ما بينهم وللموارد والمعرفة المنهجية بكيفية إدارة الدولة وللاطلاعٍ على تفاصيل المشاكل المتراكمة التي تواجه العراق – وهذا أمر طبيعي كون هذه التجربة تدخل البرلمان للمرة الأولى، وهي في طور النمو والتعلّم.
يمثل المستقلون والتشرينيون تجربة حديثة سياسياً، ولديها نقص في الأدوات والآليات. وهذا النقص داخل “بيت المستقلين” سينعكس سلباً على أي حكومة يسعون الى تشكيلها، وسيكون مصيرها الفشل، ما سيحمّلهم المسؤولية أمام الرأي العام – الذي ينظر اليهم بحذر وتشكيك أساساً – وينهي مستقبلهم السياسي الذي ابتدأ لتوّه. سيضرب هذا مصالحهم البعيدة الأمد.
ما لا يستطيع المستقلون توفيره بالدرجة الأساس لإنجاح حكومتهم هو تحالف نيابي يمتلك أغلبية أصوات البرلمان، ويكون قادراً على سن القوانين والتشريعات، ولديه ذراع تنفيذية تكون له بالكامل لا يُشاركه فيها أحد. أقرب الأطراف السياسية التي من الممكن أن تحقّق أغلبية كهذه هو التيار الصدري و”التحالف الثلاثي”، ثم من بعده “الإطار التنسيقي” وقواه المختلفة.
في ظل الضوضاء التي يمرُّ بها العراقيّون، تغيبُ عن الأذهان حقيقة أن الحكومة الناجحة وفق ما يقرّه دستور البلاد هي التي تنطلق من البرلمان إلى مجلس الوزراء وليس العكس. وغالباً سيكون مصير أي جهة تنفيذية لا تنتمي الى أغلبية برلمانية تدعمها وتحميها فشلاً ذريعاً وسخطاً من الناس. وأقرب تجربة جسدت هذا المبدأ في العراق كانت تجربة “التكنوقراط” في حكومة حيدر العبادي، إذ وُضِع الوزراء المستقلون في مواجهة الميليشيات والمبتزين وحملات التشويه الممنهجة. وتخلت القوى السياسية داخل البرلمان عنهم ما أدّى الى أن يصبح بعضهم “بقرة حلوب” للهيئات الاقتصاديّة للأحزاب، فيما انتهت سمعة البعض الآخر أمام الناس رغم أنهم أفراد جيدون، لكنَّهم كانوا جزءاً من تجربة يراها المواطنون سيئة.
ما حصل مع الوزراء المستقلين في حكومة العبادي ليسَ بعيداً حصوله لحكومة المستقلين التي دعت اليها القوى السياسية التقليدية. فربّما تبدو دعوة تشكيل الحكومة من قبل المستقلّين كهديّة تاريخية، لكنها في الحقيقة “حصان طروادة”. فخارجُها مُغرٍ، بخاصة لمن يرغب بـ”حرق المراحل” والوصول إلى النفوذ والسلطة بسرعة، لكن داخلها مملوء بالمشاكل والأزمات المتراكمة التي لا يمتلك المستقلون مفاتيح حلها الآن.
رغمَ أن الصدر وعد المستقلين بأنه سيعطيهم حصص الوزارات الشيعية المقدرة بـ12 وزارة بالإضافة الى منصب رئيس الوزراء، وسيوفر لهم دعماً برلمانياً من خلال التحالف الثلاثي، فإن واقعية وعد كهذا تبقى موضع جدال. إذ على افتراض ذهاب المستقلين بخيار المشاركة في مجلس الوزراء – وهو مجلس فيه السنّة والأكراد كذلك – فكيف ستكون طبيعة علاقة المستقلين بباقي الوزراء من المكونات غير الشيعية؟ فعلى سبيل المثال إن حصل خلاف داخل المجلس هل سيتفاوض الوزراء المستقلون مع البارزاني أو الحلبوسي أم مع الصدر؟ هذه نقطة لا تزال غير واضحة رغم أهميتها.
هذا إضافة إلى طبيعة وعد الصدر نفسه، حيث شروط العلاقة بينه وبين المستقلين ليست متكافئة، إذ سيمتلك هو من خلال كتلته النيابية نفوذاً أكبر مما يمتلكونه هم عليه. وهذا أمر من المرجح أن يُستثمر من قبل الصدر لإملاء شروطه على المستقلين واستحصال امتيازات الجانب التنفيذي من دون أن يكون جزءاُ منه. وسيسهل عليه سيناريو كهذا التنصل لاحقاً عن أي مسؤولية تنجم من فشل حكومة المستقلين.
الصراع الحقيقي في العراق هو بين من اشتركوا في إدارة الدولة للـ 19 عاماً الماضية، ويمتلكون المال والسلاح الكافي للحفاظ على زخم حراكهم السياسي. ويتجسد هذا الصراع الآن بين الإطار التنسيقي بمختلف قواه وتحالفاته، وبين التيار الصدري والتحالف الثلاثي. وهؤلاء من يجب أن يتحملوا المسؤولية بشكلها الحقيقي والكامل، وليس تجربة المستقلين والتشرينيين، التي يُراد أن يوضَع فوقها عبء الفشل بالنيابة عن القوى السياسية التي أدارت المشهد بعد 2003. هكذا سيصبح المستقلون والتشرينيون جزءاً من النقمة التي يحملها الشعب العراقي على كامل الطبقة السياسية.
المصدر: النهار العربي